اللواء سمير فرج: صورت فيلماً تسجيلياً مع «الشاذلي» دون علم مبارك (حوار)

كتب: رانيا بدوي الخميس 03-10-2013 18:03

كشف اللواء سمير فرج، رئيس إدارة الشؤون المعنوية الأسبق بالقوات المسلحة، عن كواليس محاولات مصر إنتاج فيلم روائى، لتخليد انتصار أكتوبر المجيد، وكيف توقف المشروع، رغم أنه تم التعاقد بالفعل مع الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة والمخرج شريف عرفة، بسبب جريدة «أخبار اليوم» التى شنت حملة ضد الفيلم فى ذلك الوقت، برئاسة تحرير إبراهيم سعدة، الذى كان يعترض على «عكاشة»، لأنه ناصرى، وطلبت رئاسة الجمهورية تغيير المؤلف، فتم البحث عن كاتب «ساداتى»، إلا أن الكاتب الراحل أنيس منصور لم يرد، وكذلك المؤرخ جمال حماد.

وقال «فرج»، فى حواره مع «المصرى اليوم»، إنه تم استبدال الفيلم الروائى بأفلام وثائقية قصيرة يتم تسجيلها مع صناع الحرب، لافتاً إلى أنه تم التسجيل مع الفريق سعد الدين الشاذلى، دون علم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وأن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، والمشير محمد عبدالحليم أبوغزالة، وزير الدفاع الأسبق، رفضا الظهور فى هذه الأفلام، لتأكدهما من أن صفوت الشريف، وزير الإعلام الأسبق، كان سيمنع إذاعتها، بسبب ظهورهما، وإلى نص الحوار:

■ كيف جاءت فكرة إنتاج أفلام وثائقية عن حرب أكتوبر؟

- لم تكن هى الفكرة الأولى إنما كانت النية منعقدة فى الأساس على إنتاج فيلم روائى ضخم عن أكتوبر وعندما لم ينفذ المشروع بدأنا فى التفكير فى إنتاج أفلام قصيرة تسجل مع أبطال الحرب للتوثيق.

■ ولماذا فشلت فكرة صناعة فيلم روائى طويل عن حرب أكتوبر؟

- القصة طويلة.. فقد شاهدت وأنا فى القوات المسلحة الفيلم الأجنبى الشهير «أطول يوم فى التاريخ» فى سينما كايرو وهو فيلم رائع يحكى عن قصة الحرب العالمية الثانية، وأطول يوم فى هذه الحرب ومراحل إنزال قوات الحلفاء فى نورماندى تخلله بعض اللمحات من قصص إنسانية للأبطال.

ومن هنا جاءتنى الفكرة وذهبت للمشير محمد حسين طنطاوى، وزير الدفاع فى ذلك الوقت اقترحت عليه عمل فيلم روائى طويل عن ملحمة أكتوبر لمدة 4 ساعات، ساعتين ما قبل حرب أكتوبر وساعتين عن العبور والاقتحام، فوافق على الفكرة وبدأنا العمل وتم وضع الخطوط العريضة، وكنا أمام أحد خيارين فيما يخص كتابة الفيلم إما الكاتب محمد صفاء عامر أو الكاتب أسامة أنور عكاشة واستقرت الآراء على اختيار أسامة أنور عكاشة لأنه كان نجم المرحلة ولأن رائعته ليالى الحلمية كانت تحظى بشعبية كبيرة فى هذا الوقت.

وعرضنا الفكرة على أسامة أنور عكاشة الذى رحب بالفكرة كما وقع الاختيار على شريف عرفة كمخرج للفيلم وتم التعاقد معهما واستلما مقدم أتعاب العمل، وهو ما يؤكد حرصنا ورغبتنا فى إنجاز هذا العمل.

وقمنا بمراسلة شركة مترو جولدن ماير وفوكس القرن العشرين ويونيفرسال فى هوليوود حتى تم الاتفاق على أفضل وأغلى 3 مخرجين فى العالم أحدهم مخرج متخصص فى معارك القوات الجوية والآخر مخرج معارك القوات البحرية والثالث مخرج معارك برية.

■ ما هى الميزانية التى خصصت لهذا الفيلم؟

- 25 مليون جنيه وهو رقم ضخم جداً فى هذا التوقيت عام 1995 حيث كان أضخم عمل ينتج بخمسة ملايين جنيه.

وبدأنا العمل بوضع سيناريو لفترة ما قبل وما بعد الحرب وهو سيناريو الأحداث السياسية والعسكرية الرئيسية منها بناء حائط الصواريخ ومبادرة روجرز والثغرة وكل ما هو فنى وعسكرى ليضعه الكاتب أسامة أنور عكاشة فى إطار اجتماعى وينسج العلاقات الاجتماعية والدرامية بين أبطال العمل.

وقد تم تشكيل لجنة من 45 شخصاً برئاسة المشير محمد على فهمى، قائد قواد الدفاع الجوى فى حرب أكتوبر، وضمت ضباطا من القوات المسلحة و4 محررين عسكريين منهم جمال الغيطانى ومحمد عبدالمنعم واجتمعنا فى فندق عين الصيرة وجمعنا لأسامة أنور عكاشة 200 قائد وضابط وجندى من كل وحدات القوات المسلحة ليجلسوا تباعا مع أسامة ليتعرف على الجوانب الإنسانية والاجتماعية فى حياتهم لأن هذا كان اهتمامه الأول وكنا نحن كقوات مسلحة مسؤولين عن الناحية العلمية واشتغلنا فى الفيلم لمدة 3 أشهر ليل نهار ثم أعلنا عن الفكرة والإجراءات والخطوات التى اتخذت بشأنه ففتحت علينا نار جهنم من جريدة أخبار اليوم برئاسة إبراهيم سعدة، رئيس تحرير الجريدة، واتصل بى كبير المحررين العسكريين فى أخبار اليوم وقتها وقال لى إن إبراهيم سعدة عمل مجلس تحرير وأبلغ عن بدء حملة صحفية لمنع ظهور الفيلم.

■ لماذا؟

- بسبب اعتراضه على شخص أسامة أنور عكاشة لأنه ناصرى ولأن الفيلم سوف يتحول إلى تمجيد لجمال عبدالناصر وهدم السادات والهجوم كان على شخصى لأنه لم يكن يستطع أن يهاجم المؤسسة العسكرية.

■ وهل هذا النقد هو سبب إيقاف فيلم بهذه الضخامة؟

- بالعكس كل هذا الهجوم لم ينل منا إطلاقا بل كان يزيدنا إصرارا على العمل، خاصة أننى كلما قرأت صفحات من السيناريو الذى وضعه عكاشة ازداد قناعة أننا أمام عمل درامى فريد ومتميز فقد كتب عكاشة قصة رائعه هى الآن ملك أولاده.

ووصل الضغط بعد ذلك إلى مؤسسة الرئاسة التى طلبت من المشير تغيير أسامة أنور عكاشة.

■ هل تنصح القوات المسلحة بأن تذهب إلى أولاد عكاشة وتأخذ القصة وتبدأ فى تنفيذها؟

- بكل تأكيد.. فما كتبه أنور عكاشة ملحمة لن تتكرر، والقصة رائعة بكل المقاييس.

■ من الذى اعتذر لأسامة أنور عكاشة؟ وهل تقبل الأمر؟

- أنا الذى اعتذرت له، وقد تفهم الوضع وتقبله بل خرج للإعلام وشكر المعارضين؛ لأن حملة أخبار اليوم ضده عملت له دعاية ضخمة.

■ هل مجّد «عكاشة» عبدالناصر فعلا على حساب السادات فى هذا الفيلم؟

- إطلاقا، ولا يستطيع فعل ذلك، لأننا كنا مصرين على كتابة التاريخ كما هو، وأول خطة للهجوم على خط بارليف واقتحام قناة السويس وضعها عبدالناصر، وكان يطلق عليها المآذن العليا ولا نستطيع إلغاءها أو القول بأن السادات هو من صنعها، كذلك لا يمكن إنكار دور السادات فى التخطيط واتخاذ قرار الحرب وإدارة معركة أكتوبر بدهاء سياسى وعسكرى.

■ وماذا بعد توقف أسامة أنور عكاشة.. هل فكرتم فى بديل؟

- لا أنكر أننى حزنت جدا لوقف العمل فى الفيلم للمجهود الذى بذل ولعظمة ما كتب عكاشة؛ فقررت أن أحل المسألة بشكل آخر، وهو أن يكتب أسامة الفيلم كما هو، وإلى جانب ذلك نصنع فيلما آخر يكتبه شخص ساداتى حتى تهدأ الموجة.

وبالفعل تم الاتصال بالأستاذ أنيس منصور، وقابل المشير، وبعد عرض الفكرة عليه اختفى ولم يعد لنا بأى رد، كذلك اللواء جمال حماد وهو من المؤرخين العسكريين فى مصر ومؤلف فيلم «شروق وغروب» والذى تم الاتفاق معه بالفعل إلا أنه ذهب ولم نتلق منه أى رد.

■ وكيف إذن جاءت فكرة الأفلام الوثائقية القصيرة عن أبطال أكتوبر؟

- بعد توقف الفيلم الروائى الكبير عن أكتوبر فكرنا فى عمل أفلام قصيرة لتوثيق الحرب وللتسجيل مع أبطالها بعد أن توفى عدد منهم دون تكريم يليق بهم، وبدأت الفكرة عندما أحضر محمد عبدالمنعم، رئيس تحرير روزاليوسف السابق، عددا من الأفلام عن الحرب العالمية الثانية قام بترجمتها وإهدائها للتليفزيون المصرى، وكانت تحظى بمشاهدة عالية من الجمهور وجذبت المشاهدين، ومن هنا جاءت فكرة عمل أفلام وثائقية عن حرب أكتوبر، وقمنا بالاتفاق على عمل 13 فيلما قصيرا، فيلم عن النكسة و6 أفلام عن حرب الاستنزاف والاستعداد لحرب أكتوبر و6 أفلام عن العبور واقتحام قناة السويس وصد هجمات العدو، وأحضرت مخرجا لكل حلقة، وقد وضع موسيقى التتر الموسيقار ياسر عبدالرحمن، الذى اقترحت عليه أن تكون آلة السمسمية ضمن التوزيع الموسيقى؛ لأن الحرب قامت فى مدن القناة.

■ هل تم التسجيل مع كل الأبطال؟

- 4 شخصيات فقط لم يتم التسجيل معها، وهى محمد حسنين هيكل الذى كنت أريد التسجيل معه فى الفيلم الأول لدوره مع جمال عبدالناصر لكنه رفض، وقال لى إنه إذا سجل فى الفيلم سوف يقوم صفوت الشريف بمنعه من الإذاعة، وبعدها بيومين أبلغنى المشير أبوغزالة برفضه لنفس السبب تقريبا قائلا أنا سعيد بك وبمحاولاتك، ولكن «بلاش أنا لو سجلت صفوت الشريف مش هيذيعه» كذلك لم نسجل مع الرئيس السابق مبارك؛ لأننا كنا سجلنا مذكراته قبلها، وطلب منا أن نأخذ جزءا من مذكراته لنصنع منها الفيلم، أما الشخص الرابع فهو المشير طنطاوى الذى لم يسجل أدبيا لأن الرئيس لم يسجل، واقترح هو الآخر أن نأخذ أجزاء من تسجيل كان قد أجرته معه الإعلامية أميمة إبراهيم فى التليفزيون المصرى وقت أن كان قائد الجيش الثانى، وكان يحكى عن معركة المزرعة الصينية، وهى من أهم المعارك فى الحرب؛ حيث كان المشير قائد كتيبة المشاة التى صدت هجوم شارون، وفشل شارون فى اقتحام دفاعات طنطاوى؛ حتى إن أرييل شارون فى إحدى زياراته إلى مصر طلب من الرئاسة أن يرى المشير طنطاوى إلا أنه رفض.

■ لماذا؟

- الشخصية العسكرية تختلف عن الشخصية السياسية، ففى السياسة يمكن ذلك، لكن يصعب على شخص عسكرى يعلم جيدا أن شارون ظل يطلق عليه النيران هو وجنوده وأسقط منهم عددا أن يقبل بالجلوس معه؛ فهو بالنسبة له عدو.. وعندما علم شارون برفض طنطاوى قال نصا «كنت أريد أن أتعرف على قائد كان يقاتلنى بشرف».

وبالمناسبة قمنا بالتسجيل مع وزير الخارجية السوفيتى آنذاك الذى حكى عن الخبراء الروس والدور الروسى بشكل عام فى هذه المرحلة.

■ ما ينطبق على هيكل وأبوغزالة من خصومة مع النظام كان ينطبق على الفريق الشاذلى، فكيف سجلت معه؟

- ذهبت إلى المشير طنطاوى وقلت له إننى أريد التسجيل مع الفريق سعد الشاذلى فقال لى «لا نريد مشاكل مع القيادة السياسية» فرفضت لأننى سوف أكون مدانا أمام التاريخ لأن الشاذلى هو صاحب خطة العبور، وكنت أرى ضرورة التسجيل حتى لو رفضت السلطة إذاعته فهذا أمر آخر، وفى النهاية وافق المشير على التسجيل مع الشاذلى، بشرط عدم معرفة أحد بهذه الخطوة وعدم عمل دعاية لتسجيل هذا الفيلم وأن يتم الأمر فى هدوء تام، فما كان منى إلا أن ذهبت بنفسى إلى منزل الفريق الشاذلى للتسجيل معه ولم أصطحب إلا المصور الذى كان يفعل كل شىء بنفسه من ضبط الإضاءة والتصوير وخلافه لحرصنا على عدم توسيع الدائرة، وتم التسجيل دون علم مبارك آنذاك. ويحسب للمشير طنطاوى موافقته على التسجيل مع الفريق الشاذلى؛ لأن الخصومة السياسية لا تعنى إنكار فضل الشاذلى كأحد معدى خطط الحرب.

■ لماذا تأخرتم فى إذاعة الأفلام منذ عام 1995 حتى الآن؟

- كنا ننتظر أن نضع تسجيل الرئيس السابق مبارك لما له من دور كبير فى الحرب لا يمكن تجاهله، وفى كل عام كنا نطلب منه إما التسجيل أو إقرار الجزء الذى يريده من مذكراته فكانت الإجابة «حاضر»، ولكن دون تنفيذ، ربما لانشغاله، لا أعرف، وظللنا على هذا الحال عاما بعد الآخر، حتى جاء الفريق أول عبد الفتاح السيسى وقرر الإفراج عن هذه الأفلام فى الذكرى الأربعين لحرب أكتوبر، ويحسب له هذا القرار.

■ تم التسجيل مع عائلات بعض الأبطال دون غيرهم؟

- لم يتم التسجيل مع عائلات إلا فى حالة المشير أحمد إسماعيل؛ لأنه كان قد توفى؛ لذا رأينا أن يمثل فى عائلته لأن عدم الحديث عن دوره فى الحرب إخلال بالحقائق إضافة إلى كونها مشاعر إنسانيه نبيلة وكذلك سجلنا مع عائلة اللواء شفيق مترى سيدرا الذى استشهد فى الحرب.

■ ما أهم فيلم من وجهة نظرك؟

- لا أستطيع أن أحدد ذلك، فالفيلم الذى تحدث عن حائط الصواريخ مثلا من الأفلام التى توضح كيف مكننا هذا الحائط من العبور، ولولاه ما عبرنا، فهو ملحمة تاريخية، فقد كان العمال يبنون الحائط وبعدها يتم ضربه من العدو الاسرائيلى فتتناثر أشلاء العمال والضباط والجنود، ولا نعرف ذراع العسكرى من العامل أو الجندى. ثم يعاود غيرهم بناء الحائط من جديد، دون استسلام.

وفى إحدى المرات تم إطلاق صاروخ على قاعدة الصواريخ مما أدى إلى وفاة 60 شخص.. كذلك الفيلم الذى يحكى عن السيطرة على القنطرة شرق، فقد كنا مصممين على سقوط القنطرة مع أول موجة أو موجتين لأنها أول مدينة فى سيناء، وفكرة سقوط مدينة القنطرة واستيلاء القوات المسلحة عليها كانت كفيلة وحدها برفع معنويات الجيش، وبالفعل وضع العلم المصرى عليها كان لحظة لها أثر كبير فى نفوس جنودنا. وتم التسجيل مع قائد هذه المعركة المقدم ناجى الجندى.

■ ننتقل إلى فيلم «الكارتون» الذى صنعته عن حرب أكتوبر.. من أين أتت الفكرة، وكيف نفذت؟

- كنت أريد أن يعرف الجيل الجديد ماذا قدم جيل أكتوبر لهم؛ فطلبت الفنان مهيب وهو أشهر مصممى أفلام الكارتون فى ذلك التوقيت، وقلت له إننا نريد عمل فيلم «كارتون» للكبار والصغار فأحضر لى أفضل كتّاب وصنّاع أغانى الأطفال، وقام بعمل فيلم رائع مدته 35 دقيقة، وأيامها قمنا بعمل مسابقة فى التليفزيون المصرى، وجاء إلىّ 150 طفلا، كل طفل فيهم أجمل من الآخر، شعر ناعم وأصفر، وبشرة بيضاء، ولكن لا أحد فيهم يصلح فنحن نريد طفلا ملامحه مصرية حتى وقع الاختيار على طفل بهذه المواصفات، وأدى الدور بروعة وكان اسم الفيلم «وليد المصرى».

وحصلت على إذن من المشير بدخول هذا الفيلم مهرجان سينما الطفل، وحصل على الجائزة الأولى، وكتبت نعم الباز يومها مقالة كاملة واصفة الفيلم بأنه فيلم عالمى.

■ ولماذا إذن لم يعرض للأطفال فى التليفزيون المصرى ليتحقق الهدف من صناعة الفيلم وهو إعلام الجيل الصغير بحرب أكتوبر؟

- لأن الفيلم كان يهاجم إسرائيل بشدة، وهناك مشاهد تهكمية عليها فتم إرساله للرئاسة التى رفضت إذاعته؛ حتى لا يوتر الأجواء مع إسرائيل.

■ من صاحب فكرة شق الثغرات فى الساتر الترابى بمدافع المياه، وهل تم التسجيل معه؟

- المقدم باقى زكى، وهو مهندس من سلاح المهندسين وقد تم التسجيل معه، وبشكل عام تم التسجيل مع أغلب الشخصيات التى ساهمت فى إنجاح الحرب ممن اخترقوا الساتر الترابى ومن أغلقوا أنابيب النابلم ومع صائد الدبابات وأول من رفع العلم المصرى.

■ من أين جاءت للمقدم باقى فكرة خراطيم المياه؟

- الفكرة أتته من عمال السد العالى لأنهم كانوا يريدون نقل أتربة إلى مكان السد فكانوا يضربون خراطيم المياه فى الرمال، فتتحول إلى طين يتم نقله بالشفط بالخراطيم، كما أنهم عملوا فتحات فى منطقة السد العالى بمدافع المياه، وقد ربط المهندس ناجى بين المشاهد وبعضها وفهم الفكرة وكان صاحب فكرة عمل فتحة فى الساتر الترابى تمكننا من عبور الدبابات والمدرعات.

وكان التخوف الوحيد هو عدم صلاحية الفكرة مع رمال الساتر الترابى فربما يكون الرمال قد تكلست وتحولت إلى صخور يصعب تفكيكها بالماء، عموما درست كل المخاطر، وتم عمل ساتر هيكلى تم التجريب عليه ونجحت التجربة، وكان الشاذلى يتابعها بنفسه، وأرسلت مصر فى شراء المدافع المائية استعدادا للحرب.

■ كيف وكل تحركات مصر كانت مرصودة ألم يتم الشك فى الأمر، ولماذا تشترى مصر مدافع مائية؟

- الذى اشترى المدافع المائية لمصر هم الليبيون، فقد أرسل معمر القذافى، أحمد قذاف الدم للتعاقد مع الشركات الألمانية حتى لا يعلم أحد أن مصر تقوم بشراء طلمبات أو مدافع مائية، وقد أرسلت لنا المدافع برا، ووصلت بعد ثلاثة أيام.

وتم عمل الفتحات بعد عبور المشاة بحوالى ساعة أو ساعة ونصف بعد اختراق النقاط القوية وتقدم المشاة ثلاثة كيلومترات.

وكانت فلسفة الشاذلى أن تصعد فرق المشاة على أرجلها ويحمل كل جندى سلاحا على كتفه ولفة من سلالم الحبال وهى الموجة الأولى حتى تمكن المشاة من الصعود، وحتى يتم التمكن من عمل الفتحة فى الساتر وعبور الدبابات.

قبل العبور بحوالى ربع ساعة قبل الساعة الثانية ظهرا قامت القوات الجوية بأول ضربة للعدو تبعتها المدفعية التى أطلق عليها تمهيد المدفعية، والتى كانت مدتها حوالى 5 قصفات وأثناء الضرب كان الضباط والجنود تحت المياه يسدون أنابيب النابلم التى كانت عبارة عن مواد قابله للاشتعال إذا كان سرب جزء مما فيها لجعلت سطح المياه أشبه بالجحيم وتمكن الجنود من إغلاقها كلها وبإحكام تام وهى فكرة ضباط الصاعقة وهى كانت من أصعب الأفكار، وتم سدها بعبوات تحتوى على مواد خاصة غير قابلة للذوبان، وسجلنا مع عدد ممن قاموا بهذه المهمة.

■ من المسؤول عن إخفاء تاريخ كل هؤلاء ولماذا لم يظهروا وهل كان هناك تنبيه سياسى على عدم ظهورهم؟

- لا لم تكن تنبيهات لكن أنا معك أن هناك أبطالا ظلموا ولم يحظوا بالتكريم الذى يليق بما صنعوه فمثلا ضباط هيئة العمليات وهى الهيئة التى تعد المخ المدبر والمخطط للمعركة لم يتم التركيز عليهم، صحيح الجنود التى حاربت على الجبهة لها دور ضخم ولكن ما كان لهم أن ينجحوا لو أن الخطة كانت فاشلة، وأذكر أننى سجلت مع اللواء صلاح فهمى نحلة أحد ضباط هيئة العمليات وهو صاحب قرار أن تكون الحرب الساعة الثانية ظهرا وهو الذى اختار عيد الغفران كتاريخ لبدأ الحرب وهما قراران لهما بالغ الأثر فى انتصار أكتوبر ومع ذلك لم يلق الضوء عليه.

■ وكيف لضابط صغير أن يدخل هيئة العمليات فى القوات المسلحة وهى مخ القوات المسلحة كما تقول؟

- القصة طويلة فقد كنت طالبا فى كلية أركان حرب وحصلت على المركز الأول فى الامتحان وكنت أول الدفعة وللمفارقة إننى طلعت الأول على اللواء عمر سليمان وكان عقيدا وقتها وكذلك العميد عمر حماد وجرت العادة داخل الجيش أن أول الدفعة يخدم فى هيئة العمليات باعتباره متميز لكنها المرة الأولى التى يكون فيها أول الدفعة برتبة رائد وهى رتبة صغيرة فأقل رتبة يمكن أن تدخل هيئة العمليات هى رتبة عقيد ولكن أسقط فى يدهم واضطروا إلى إرسالى إلى هيئة العمليات ما أثار إندهاش الجمسى، ولأننى كنت أصغر ضابط فى هيئة العمليات كنت مسؤلا عن تلقى الإشارات من قيادات الجيوش قيادة القوات.

■ خلال وجودك داخل غرفة العمليات للحرب كيف كان شكل الخلاف بين المشير أحمد إسماعيل والفريق سعد الشاذلى؟

- نعم حدثت خلافات عدة بين السادات وأحمد إسماعيل والجمسى من ناحية والشاذلى من ناحية أخرى فكل منهم كان يرى أن قراره هو الأصوب.

■ الآن وبعد خدمتك لسنوات فى الجيش من كان منهم على حق؟

- شهادة لله وللتاريخ الشاذلى كان على حق، ورأيه فنيا وعسكريا كان الأصوب من وجهة نظرى.

لماذا؟

- لم تستطع طائرة واحدة أن تقترب منا حتى يوم التطوير عندما ضغط السادات وقال لنا إن سوريا تعانى تحت قصف مكثف من العدو وأن حافظ الأسد يصرخ له بأن دمشق كانت فى مرمى نيران المدفعية الإسرائيلية لذا رأى السادات ضرورة تخفيف الضغط على الجولان بتطوير الحرب. ولكن سعد الشاذلى كان متحفظا على عملية التطوير وخروج القوات خارج رأس الكوبرى وقد حدث ما توقعه سعد الشاذلى.

■ ماذا قال الشاذلى عن الثغرة فى الفيلم الذى صورته معه؟

- للأسف دور الشاذلى فى الثغرة والتعامل معها همش كما همش دوره فى التخطيط للحرب، فقد حكى الشاذلى كيف تلقى خبر اقتحام أول 7 دبابات إسرائيلية للجانب المصرى، حيث حاول شارون دخول الضفة الغربية من القناة وهى خطة قديمة اسمها «الغزالة» بحيث يقوم باختراق رأس الكوبرى ويصل إلى الغرب إلا أن كتيبة المقدم حسين طنطاوى وهى من اللواء 16 كما قلت لم تسمح لهم باختراق الدفاعات فاخترق شارون منطقة الدفرسوار من البحيرات المرة بسبع دبابات وفوجئنا بضربهم لبطاريات الصواريخ غرب القناه وفى أول يوم لدخول السبع دبابات قال أحد القادة «دول سبع دبابات إيه المشكلة» ولكن سعد الشاذلى قالها بحسم الموضوع ليس سبع دبابات الموضوع أكبر من 7 دبابات، وما توقعه سعد الشاذلى حدث.

وأذكر أنه أثناء مناظرتى مع شارون فى برنامج على قناة الـ«بى بى سى» فى لندن قال إنه دفع بالسبع دبابات حتى يقوم بعمل ثغرة فى حائط الصواريخ ويحدث ذعرا للجيش المصرى وفعلا كان الجيش فى حالة ارتباك لمدة يومين مكتوف الأيدى، بعد ذلك حتى اقترح الشاذلى أن يذهب إلى الجبهة ويرى الموقف فى الجيش بنفسه رغم خطورة القرار وبالفعل شاهد الموقف على حقيقته وذهب إلى كل الفرق والكتائب وكانت أول معلومات صحيحة تصل إلى الجيش من سعد الشاذلى، حيث عاد راسما على الورق خرائط مفصلة عن وضع القوات وأماكن وعدد القوات الإسرائيلية التى اخترقت وحاصرت الجيش الثالث المصرى.

وكانت أول مرة تصلنا معلومات كاملة عن حجم القوات الإسرائيلية التى دخلت.

لكن آن الآوان أن ننصف سعد الشاذلى وننصف كل من شارك فى الحرب وأعتقد أن هذه الأفلام سترد جزءا من الدين الذى فى رقبتنا تجاه هؤلاء الأبطال، وأشعر بفخر شديد أننى كنت صانع هذه الأفلام وأدمعت عيناى عندما علمت بقرار السيسى بالإفراج عن هذه الأفلام.