«عبد الحليم خدام» : ليس في الساحة العربية دولة تحل محل مصر و«كامب ديفيد» أفسدت علاقتنا معها

كتب: فهد الأرغا المصري الجمعة 09-07-2010 10:30

عبدالحليم خدام، المحامى، والقيادى فى حزب البعث العربى، فالوزير ثم النائب للرئيس السورى، الذى استقال من مناصبه السياسية والحزبية بعد مقتل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريرى عام 2005 وخروج القوات السورية من لبنان. غادر خدام دمشق إلى باريس حيث بلغه نبأ انتحار – أو مقتل - قائد قوات الاستطلاع السورية السابق فى لبنان اللواء غازى كنعان، وزير الداخلية، فى مكتبه، وماهى إلا أشهر وأعلن فى لقاء تليفزيونى انقلابه على النظام السورى الذى كان مهندس سياسته الخارجية، قرابة 3 عقود والمسؤول الأول عن الملف اللبنانى لأكثر من 20 عاما، ليتحول إلى صفوف المعارضة.

«المصرى اليوم» التقت نائب الرئيس السورى السابق، فى بروكسل، فى محاولة لإلقاء الضوء على بعض الملفات والمراحل التى عاشتها سوريا والمنطقة حيث لايزال يحتفظ فى جعبته بالكثير من خفايا الساحة السياسة المعاصرة.

■ كيف تجسد التحول فى العلاقات المصرية السورية فى السبعينيات؟

- العلاقات السورية - المصرية لها خصوصية ومتجذرة فى عمق تاريخ المنطقة. البلدان قاوما وهزما الحملات الصليبية والمغولية والتركية، وهما الدولتان الرئيسيتان اللتان تصدتا للمشروع الصهيونى وحملتا عبء الدفاع عن القضية الفلسطينية وحققتا أول وحدة عربية فى المنطقة، ولذلك فلم يكن من السهل التخلى عن هذه العلاقات. وبعد «حرب أكتوبر» والمفاوضات المصرية - الإسرائيلية، ساد قلق لدى الجانب السورى، لكنه لم يتحول إلى اضطراب بالعلاقات ولم تتوقف الاتصالات. وبعد اتفاقية سيناء الثانية فى سبتمبر 1975 خطت الحكومة السورية خطوات مفصلية فى العلاقات مع إسرائيل، وزاد الاضطراب فى علاقات البلدين، واستمر حتى القمة السداسية فى الرياض حول لبنان حيث جرت المصالحة بين قيادتى مصر وسوريا. وظلت العلاقات فى هذا الإطار حتى زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس.

■ وكيف آلت تلك العلاقات بعد اتفاق كامب ديفيد وحتى وفاة الرئيس حافظ الأسد عام 2000؟

- «كامب ديفيد» أفسدت العلاقات مع مصر وبلغ التوتر ذروته، وبعد تسلم الرئيس حسنى مبارك الرئاسة، خف التوتر وأخذ يتراجع بصورة بطيئة، إلى أن عقد مؤتمر القمة فى المغرب عام 1989 وجرى لقاء بين الرئيسين مبارك والأسد لتطوى المرحلة السابقة وتبدأ مرحلة جديدة فعادت العلاقات إلى حيويتها.

■ على أى أساس استندت الدبلوماسية السورية بعد انفراد مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل؟

- ركزت الدبلوماسية السورية جهودها على عزل سياسة الانفراد فى الصراع العربى - الإسرائيلى وتعبئة الرأى العام العربى ونجحت بالتعاون مع العراق والجزائر وليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية واليمن الجنوبى فى إصدار قرار عن القمة العربية، أدى إلى تجميد عضوية مصر فى الجامعة العربية.

■ ماذا عن علاقة سوريا مع منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات فى تلك الفترة؟

- أفضل أن يكون السؤال كيف كانت علاقة سوريا مع ياسر عرفات وليس مع منظمة التحرير الفلسطينية، لأن المنظمة مكونة من مجموعة فصائل وشخصيات وطنية وقسم كبير من هذه الفصائل كان يختلف بشكل دائم مع رئيس المنظمة السيد عرفات، الذى كانت علاقته مع سوريا متماوجة. مثلا اختلفنا حول موقفه من التوترات الدامية فى لبنان بين الفلسطينيين ومجموعة من اللبنانيين بسبب نزوعه للسيطرة. فى المقابل، اتفقنا على مقاومة نهج «كامب ديفيد».

■ كيف أثرت اتفاقية «أوسلو» على علاقات سوريا الإقليمية وعلاقتها بمنظمة التحرير؟

- لم يكن لاتفاقية «أوسلو» أى أثر على علاقات سوريا الإقليمية، لأن أيا من الدول العربية لم يكن مقتنعا بأن إسرائيل ستتخلى عن القدس والضفة الغربية. الاتفاقية حققت مكاسب سياسية لإسرائيل عبر الاعتراف بها من قبل المنظمة، فى الوقت الذى أعطت فيه عرفات سلطة وهمية، القرار فيها للإسرائيليين. كنا واضحين فى شرح موقفنا لـ«عرفات»، لكننا اكتفينا بالإيضاح ولم ندخل فى صراع حول الاتفاقية لأننا كنا مدركين أنها ستؤدى إلى عكس ما كان يطمح إليه.

■ يقال إن دمشق كانت تريد نزع سلاح المقاومة من عرفات بينما كان الموقف المصرى والسعودى ضد ذلك؟

- لا صحة للقول إن الخلاف مع «عرفات» كان حول سلاح المقاومة، وإنما كان حول وجود هذا السلاح فى بيروت وطرابلس وفى معظم المناطق اللبنانية. كانت وجهة نظرنا أن السلاح يجب أن يكون فى الجنوب فى مواجهة العدوان الإسرائيلى، بالإضافة إلى أننا رفضنا بصورة قاطعة هيمنة الفصائل على لبنان، لأن ذلك سيؤدى إلى تفكيكها.

كما أنه لا صحة لما يتردد حول انسحاب القوات العربية والسعودية من لبنان بسبب الخلاف معنا على السلاح، إنما كان الانسحاب بسبب عدم تنفيذ قرارات القمة العربية بعد انفجار الأوضاع فى لبنان. أما مصر، فلم تكن لها قوات فى الردع، ذلك أن الرئيس السادات الذى ترأس قمة 1976 لم يضع اسم مصر على اللائحة عند تشكيل قوات الردع العربية، وعندما سأله عرفات أجابه: «أنا وحافظ شخص واحد والجيش المصرى والجيش السورى جيش واحد، وجود الجيش السورى يعنى وجود مصر»، وبالتالى فلم يكن هناك أى خلاف بين المملكة العربية السعودية ومصر وبين سوريا حول هذا الموضوع.

■ بماذا تفسر هدوء الجبهة السورية - الإسرائيلية منذ فك الارتباط حتى الآن، بينما انحصرت المواجهة على جبهتى حزب الله وحماس عبر التنسيق اللوجستى لدمشق؟

- منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، أصبحت الحرب التقليدية معها مسألة فى غاية التعقيد، لأنه لا توجد فى الساحة العربية دولة تستطيع أن تحل محل مصر، فهى شريكة فى مواجهة جميع الغزوات الخارجية للمنطقة، بدءاً من الحروب الصليبية وموجات التتار والمغول، وصولا إلى مقاومة المشروع الصهيونى فى فلسطين.

■ فترة تعاونكم مع الرئيس بشار الأسد كانت قصيرة نسبياً وهناك من يتحدث عن خلافات جوهرية.. ما طبيعتها؟

- قبل تسلم الدكتور بشار الأسد مقاليد السلطة كان يطرح أفكاراً تصب فى مجرى إصلاح النظام فى جميع الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والإدارية بصورة تنقل سوريا إلى مرحلة يكون فيها للشعب والمؤسسات والقانون دور ومكانة. بذلت جهوداً من أجل تحقيق الطموحات التى كان يأملها السوريون لكن الأمور سارت فى اتجاه آخر، مع ذلك بقيت أحاول وفى كل مرة كانت تبرز عوامل جديدة تشير إلى استمرار النظام بطبيعته الفردية، إلى جانب استمرار معاناة الناس سواءً فى أمورهم المعيشية وكذلك فيما يتعلق بحرياتهم، ولذلك تشكلت لدى القناعة بالاستقالة وإعلانها مع أسبابها فى أول مؤتمر للحزب فى يونيو 2005.

■ ما دوافع تحولك إلى صفوف المعارضة؟

- بديهى أن أى جهة تريد تغيير نظام ما فى أى دولة تحتاج مشروعاً للتغيير ولدى جبهة الخلاص الوطنى فى سوريا مشروعها للتغيير وليس المقصود تغيير شخص بشخص وإنما تغيير نظام بنظام، وأنا لست البديل وإنما البديل هو الديمقراطية والتى تؤكد مرجعية الشعب فى عملية التغيير.

■ وماذا حققتم حتى الآن فى المعارضة؟

- مشروع جبهة الخلاص الوطنى يهدف إلى تحقيق تغيير فى بنية النظام والانتقال من مرحلة الانفراد بالسلطة إلى مرحلة ديمقراطية توفر الضمانات لحقوق متساوية بين المواطنين، بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس أو العشيرة، بالإضافة إلى ضمان الحريات العامة والفردية، وأن تكون الدولة دولة مدنية، دولة المؤسسات واحترام القانون وتداول السلطة عبر انتخابات حرة، دولة ينتفى منها الظلم ويتحقق العدل وينتفى منها الفساد وتتحقق الاستقامة ومبدأ تكافؤ الفرص.

طبعا واجهت جبهة الخلاص وأطراف المعارضة عقبات كثيرة، وأهم هذه العقبات حالة الخوف الذى زُرع فى عقول وقلوب السوريين لأكثر من نصف قرن، منذ قيام الوحدة مع مصر، واعتماد النظام الأمنى مروراً بجميع المراحل التى تلتها، ومنها مرحلة الانفصال، وبعد 8 آذار وحتى اليوم فى ظل قانون الطوارئ واستخدام أقسى وسائل القمع، لذلك كان من مهام المعارضة الأساسية العمل على محاربة ثقافة الخوف عبر الوسائل المتاحة لها.

■ ما آلية حق التغيير.. وهل تمتلك المعارضة هذه الآلية؟

- المسألة لا ترتبط بشكل معين للتغيير.. الهدف الأساسى أن يكون التغيير سلمياً وليس عبر زج البلاد فى صراعات مسلحة تؤدى إلى تفكك الوحدة الوطنية وتمزق البلاد. تجربة الصراعات المسلحة الدامية فى العراق كانت أمامنا، ولذلك فإن الطريق الأكثر سلامة هو العمل على تعزيز الوحدة الوطنية وتنمية ثقافة الحرية والديمقراطية وإزالة ثقافة الخوف، وخلق المناخ لعمل وطنى يؤدى إلى تحقيق التغيير.

■ هل تعتقد أن هناك أجنحة داخل النظام يمكن أن تمد لها المعارضة يدها؟

- ليس هناك فى النظام أجنحة، وطبيعة النظام تفرض لأن النظام منذ تأسيسه أسس حالة فى المستويات المختلفة فى النظام تجعل الجميع فى حالة خوف بالإضافة إلى أن النظام خلال سنوات طويلة أدى إلى تنمية شرائح من أصحاب المصالح المرتبطة بالنظام، وبالتالى ليست هناك شرائح لكن هناك عدداً كبيراً من العاملين فى النظام مدركاً للوضع الذى وصلت إليه البلاد، ومنفتحاً على التغيير دون التورط المباشر لأنهم جميعاً تحت الرقابة.

■ ماذا بقى من حزب البعث الذى كنت أحد قادته ومناضليه؟

- حزب البعث فى سوريا عملياً تغير منذ مرحلة الانفصال، إذ انشق آنذاك إلى عدة أحزاب وهى حزب البعث الملتزم بالقيادة القومية وحزب البعث القطرى (التنظيم القطرى)، كما أن جناحاً مهماً من الحزب انفصل بقيادة الأستاذ أكرم الحورانى وأسس حركة الاشتراكيين العرب، وفى ذات الوقت فإن مجموعة من كوادر الحزب الأساسية شكلت حركة الاشتراكيين العرب.

وبعد حركة 8 مارس عام 1963 عقد المؤتمر القومى السادس الذى تبنى نظرية ترتكز على الماركسية وأداتها الثورة، وبذلك جرى التغيير فى مبادئ الحزب، وأصبح الطريق الثورى واستخدام العنف فى الحفاظ على النظام هو الوسيلة، مما تعارض كلياً مع المبادئ الأساسية التى قام عليها حزب البعث العربى الاشتراكى منذ أبريل عام 1947.

وأدى الانفراد بالسلطة لدى البعثيين إلى قمع الحريات، كما أدى إلى الصراع على السلطة داخل الحزب، فاتخذت السلطة أداة لحماية النظام، كما اتخذت السلطة الحزب غطاء لسياساتها، وكانت حركة 16 تشرين الثانى عام 1970 فرصة لاستعادة الحزب دوره عبر استعادة مبادئه، وتحققت بعض انفراجات، ومنها الاعتراف بالأحزاب القائمة، لكن هذه المرحلة انتهت أواخر عام 1973، عندما أصبحت سلطة القرار محصورة بيد رئيس الدولة.

■ ما رأيك فى مشاريع السلام مع إسرائيل.. وما تصورك للحل المقبول والممكن سياسياً ضمن المتغيرات الإقليمية والدولية؟

- كثرت مشاريع السلام المطروحة فى المنطقة، ولا أرى أياً منها سالك، بسبب طبيعة السياسة الإسرائيلية التى رفضت كل مشاريع السلام المطروحة، والمسألة ليست مسألة الحل الممكن والمقبول سياسياً ضمن المتغيرات الإقليمية والدولية، لأن مثل هذا الحل ستذهب به متغيرات إقليمية ودولية أخرى، لأن ليس فى التاريخ جمود لحالة من الحالات فمرحلة الحرب الباردة أفرزت عدة مفاهيم للسلام ومرحلة انهيار الاتحاد السوفيتى أفرزت مفاهيم أخرى، فلذلك الحل الطبيعى يجب أن يرتكز على مبادئ الشرعية الدولية التى ترفض الاستيلاء على الأراضى بالقوة، والتى تؤكد وجوب إنهاء الاحتلال، الالتزام بالشرعية الدولية وحده يكفل الاستقرار والأمن للجميع.

■ هل تعتقد أن الجانبين السورى والإسرائيلى جادان فى التوصل إلى سلام؟

- يجب أولاً معرفة السياسة الاستراتيجية لإسرائيل تجاه عملية السلام فهل إسرائيل جاهزة لقبول تنفيذ متطلبات السلام، خاصة الانسحاب من جميع الأراضى المحتلة الفلسطينية والسورية واللبنانية بما فيها القدس، فى رأيى أن الإسرائيليين متمسكون بسياسة التوسع ويرفضون الالتزام بالانسحاب وفى الوقت نفسه فإن الجانب السورى لا يستطيع أن يقدم التنازلات التى طلبتها إسرائيل، ومن هنا ليس فى الأفق مايشير إلى أن عملية السلام قادمة على الأقل فى ظل الأوضاع القائمة فى المنطقة.

■ إلى أين تتجه المنطقة فى رأيك وفى قلبها سوريا؟

- منطقة الشرق الأوسط منذ الحروب القديمة حتى الآن لم تشهد الاستقرار، بسبب موقعها الاستراتيجى وثرواتها وازدادت أهميتها بعد اكتشاف النفط.. فى المنطقة 3 قوى لها أهداف كبرى على حساب الشعوب، هى الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وإيران، لكل منهم استراتجيته ومشاريعه المبنية على عوامل القوة.

وفى المنطقة مشكلتان كبيرتان، الأولى الصراع العربى - الإسرائيلى، والثانية التزاحم عليها بين الغرب وإيران والعنوان هو الملف النووى الإيرانى، أما المضمون فهو كسر إيران وتحجيمها.

■ ما رؤيتك للموقف التركى من العالم العربى منذ موقف «أردوجان» فى منتدى دافوس وصولاً إلى مسألة قافلة الحرية؟

- الموقف التركى من القضية الفلسطينية لم يكن مستغرباً فقد تبلور منذ وصول حزب العدالة إلى السلطة، ولا شك فإن هذا التطور أمر مهم بالنسبة للمنطقة، وأيضاً بالنسبة لتركيا والتى بيننا وبينها حدود تقارب 800 كيلومتر، بالإضافة إلى تاريخ مشترك لمدة 4 قرون، وأريد هنا أن أذكر بقول للسلطان عبدالحميد عندما جاءه هرتزل، وعرض عليه تقديم مساعدات مالية للدولة العثمانية لوفاء ديونها على أن يقبل بهجرة اليهود إلى فلسطين فأجابه إذا وافقت على ذلك أكون كمن يأخذ سكيناً ويمزق من لحم جسده.

■ أخيرا ما الذى جناه عبدالحليم خدام القيادى المعارض بعد 5 سنوات من الانشقاق.. ومتى موعد التغيير الموعود؟

- الأمر ليس ما جنيته خلال 5 سنوات، إنما يتعلق بمسألة وطنية، ذلك أن انتقال سوريا من مرحلة الخمول وفقدان المبادرة وغياب الحريات إلى مرحلة الحركة والنهوض والتقدم والمبادرة أمر يفرض على كل وطنى فى سوريا أن يكافح من أجله والكفاح الوطنى لا يرتبط بزمن تحقيق الأهداف وإنما بالعمل على خلق الظروف لتحقيقها.