قال الدكتور سعدالدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع فى الجامعة الأمريكية، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، إن شوقه وحبه لبلده دفعه لزيارته، حتى ولو تم إلقاء القبض عليه، مشيراً إلى أن هناك أملاً كبيراً فى التغيير. وأضاف فى الحوار الذى أجرته «المصرى اليوم» معه فى منزل الأسرة بقرية «بدين» التابعة لمركز المنصورة فى الدقهلية، أنه لا ينوى الترشح فى انتخابات الرئاسة،معتبراً الإخوان المسلمين البديل القوى للنظام، بشرط أن تطبق الدولة المدنية الكاملة، لكنه طالب الشعب بالالتفاف حول الدكتور محمد البرادعى، والدكتور السيد البدوى، وأيمن نور، والدكتور أسامة الغزالى حرب، لأنهم وجوه ديمقراطية ليبرالية حقيقية وتستحق السير خلفها، وإلى نص الحوار:
■ ما أسباب عودتك إلى مصر؟
- زيارة الأهل والأصدقاء وهذا حقى الطبيعى.
■ هل حدث تنسيق مع أى جهة حكومية فى برنامج الزيارة أو توقيتها؟
- لم أنسق ولن أنسق مع أحد، فأنا مارست حقى كمواطن كامل الأهلية فى العودة إلى بلدى، وزيارة أهلى، وليس هناك أحكام قضائية ضدى تمنعنى من ذلك.
■ أنت لم تدخل مصر منذ 3 سنوات فلماذا هذا التوقيت وليس قبل ذلك؟
- خلال السنوات الثلاث الماضية، كانت هناك أكثر من 20 قضية مقامة ضدى، وطبقاً لقانون الطوارئ، يمكن للسلطة التنفيذية أن تحتجزنى على ذمة التحقيق فى أى واحدة منهم، لكن الآن معظم هذه القضايا تم الحكم فيها لصالحى، أو رفضتها المحكمة، فقلت آن الآوان لأزور أسرتى وعائلتى وأصدقائى، وهذا التوقيت مناسب لأنه خال من الارتباطات بالنسبة لى، حيث كانت هناك ارتباطات فى أوروبا، وأخرى لاحقة فى تركيا.
■ مازالت هناك بلاغات مقدمة ضدك إلى النائب العام، ألا تخشى أن يتم تحريكها ويتم إلقاء القبض عليك كما صرح أحد محاميك؟
- هناك 8 بلاغات مازالت عند النائب العام، وتقدم المحامون بأكثر من طلب للبت فيها، سواء بالإحالة إلى المحاكمة، أو الحفظ، لكن لم يبت فى الطلبات حتى الآن، ويبدو أن النظام يريدها أن تبقى خناجر على رقبتى، ورغم حرصى خلال الفترة الماضية على عدم التعرض لهذا الموقف وتوقعى أنهم ينتظرون عودتى لتحريك هذه البلاغات، فإن حبى لبلدى وشوقى له ولأهلى جعلانى أتخلى عن احتياطاتى السابقة، وقررت زيارة مصر، مهما كانت النتائج، حتى ولو كانت الحبس، وعموما، لم يحدث أى شىء حتى الآن، ودخولى كان سهلاً جداً، وطبقا لتصريحات زوجتى فالأمر لم يستغرق سوى 3 ثوان فقط.
■ ما طبيعة التهم الموجهة إليك فى هذه البلاغات؟
- الإساءة إلى سمعة مصر، وتلقى أموال من الخارج لتمويل مركز ابن خلدون، والادعاء بالباطل أن الانتخابات كانت مزورة فى مصر، وهى التهم المكررة فى كل البلاغات تقريبا.
■ بصفتك ممن يطالبون بالإصلاح والتغيير، كيف ترى المشهد السياسى فى مصر حاليا؟
- أرى بعض ثمار ما طالبنا به على مدى 30 عاماً، حيث كنا نطالب بانتخابات حرة ونزيهة، وتعديلات دستورية، وكنا نطالب بانتخابات تنافسية على كل المستويات بما فيها رئيس الجمهورية، وكنا نطالب بمراقبة الانتخابات أهليا ودوليا، وبعد أن كنا الوحيدين الذين يطالبون بذلك، أصبحت الأحزاب، وكل التيارات السياسية، والشباب يطالبون به، كما يطالب بها الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا يثلج صدرى، فبعد أن كنا نؤذن فى مالطة، أصبحت مالطة كلها تؤذن نفس الأذان.
■ وهل ترى أنه مع هذه الأصوات هناك أمل فى الإصلاح والتغيير؟
- بالطبع، هناك أمل ولو لم يكن الأمل موجودا من البداية «ماكنتش تعبت نفسى ولا دخلت السجن ولا اتحبست فى المنفى 3 سنوات»، لكن دائما هناك أمل، وأنا متفائل وعندى ثقة فى أن التغيير قادم، ويكفى أننا نتحدث ولدينا مرشح شعبى لرئاسة الجمهورية.
■ تقصد مَن؟
- البرادعى، وهو مرشح جامد، ولازم ينزل للناس أكثر ويقرب منهم حتى يلتفوا حوله.
■ لكن الدستور لا يسمح له بالترشح مستقلا؟
- هذا صحيح، لكن وجوده أحدث نوعا من الحراك السياسى، وأصبحت هناك أصوات تطالب بالتغيير.
■ هل تعتقد أن البرادعى قادر على إجبار أو إقناع النظام بالتغيير وبالمطالب السبعة للتغيير؟
- البرادعى لا يستطيع وحده، لكن فى حالة توحيد القوى يمكن الاستجابة للتغيير.
■ البعض يعيب على البرادعى أنه اختزل مطالب الإصلاح والتغيير فى المطالب السبعة؟
- هذه خطوة على طريق الإصلاح ولو تحققت ستعقبها خطوات عديدة أخرى، وهؤلاء يذكرونى بحكاية شعبية تقول «كان هناك رجل فقير راجع لزوجته فى البيت، وقال لها إما أنا لقيت تفاح تحفة كنت عايز أجيب منه 10 كيلو، فقالت له ياه 10 كيلو كتير قوى كان كفاية كيلو واحد بس، فقال لها ياستى خلى العيال يأكلوا، والراجل فى الحقيقة ماجابش ولاكيلو ولاعشرة ولاحتى تفاحة واحدة»، فيا ليتنا نحقق هذه المطالب.
■ وهل وقعت على هذه المطالب؟
- طبعا كنت من أوائل الموقعين عليها وأنا فى أمريكا.
■ هل تعتقد أن النظام سيقبل مايحدث من حراك سياسى، وهل سيسمح للحركات الصغيرة بأن تكبر؟
- هذا السؤال يوجه للنظام أولاً، والذى يهمنى كعالم اجتماع هو سلوك الناس، وأنا أرى شباباً بالآلاف لم يعد خائفا، فجدار الخوف تشقق رغم أنه مازال موجودا، لكن أصبح به شروخ، وهذه الشروخ ممكن أن تنفد مياهاً وأصواتاً، وهذا ما حدث فى شرق أوروبا، فالتغيير بدأ فيها بمظاهرة أو إضراب.
■ بصفتك عالم اجتماع لماذا لا يثور المصريون كما يتهمهم البعض؟
- هذه قراءة خاطئة للتاريخ، ففى الـ200 سنة الأخيرة، فى فرنسا مثلا والتى يقال عنها إنها أم الثورات، حدثت فيها ثورة كبيرة واحدة عام 1789، وثورتان فى القرن الـ19، يعنى 3 ثورات، فى المقابل حدث فى مصر ثورة القاهرة الأولى، وثورة القاهرة الثانية، والثورة العرابية، وثورة 1919، وثورة 23 يوليو، وثورة الخبز عام 1977، بالإضافة إلى احتجاجات كثيرة أخرى، وهذا يعنى أننا شعب يثور أكثر من فرنسا نفسها، إذن الشعب المصرى مظلوم بهذه التهمة، فالشعب المصرى يثور، لكنه ليس محترف ثورة، ولا يوجد فى العالم شعب محترف ثورات، فالشعب المصرى يثور عندما يكون هناك سبب حقيقى لثورته.
■ ما هو تقييمك للتجربة الحزبية فى مصر؟
- التجربة الحزبية فى مصر رغم أنها مازالت مخنوقة، لكنها أفضل من غيرها فى العالم العربى، ولا تعلو عليها إلا تجربة المغرب والعراق، رغم ماتعانيانه، وفى الشرق الأوسط هناك تجربة ممتازة فى إيران، لكن التجربة الحزبية فى تركيا هى الأفضل على الإطلاق، ودائما أقول إن هذا هو الطريق الذى ينبغى أن تسير فيه مصر، لأن المنطقة لا يوجد بها سوى 3 دول هى مصر وإيران وتركيا، وأفضلهم تركيا لأنها حققت الدولة المدنية وفى نفس الوقت فتحت الباب للإسلاميين دون هلع أو خوف، وثالثا أنها أعلى دولة فى أوروبا فى النمو الاقتصادى، وأنا أحتفى بتجربة حزب العدالة والتنمية هناك، وأدعو الإخوان إلى أن يتعلموا منهم، وسعيت فى وقت ما إلى ترتيب لقاء بين قيادات حزب العدالة، وبعض قيادات الإخوان من الإصلاحيين على رأسهم الدكتور عصام العريان، ورحبوا، وبالفعل تم تحديد الموعد، لكن تم إنزالهم من الطائرة قبل توجههم إلى تركيا، وكنت شاهداً على هذه الواقعة، لأننى كنت أحد أطرافها، فالنظام لا يريد تعاون أو تنسيق بين الإخوان وأى جهة خارجية.
■ بمناسبة الحديث عن الإخوان ما هو تقييمك لأداء الجماعة فى مصر وهل يمكن أن تكون بديلاً للنظام ؟
- طبعاً الإخوان بديل جيد وقوى، لكن بشرط تطبيق الدولة المدنية الكاملة دون شروط، وتعديل بعض الآراء التى تثير المجتمع المدنى مثل ولاية القبطى أو المرأة.
■ فى ظل عدم وجود إشراف قضائى على الانتخابات، ما هى رؤيتك للانتخابات المقبلة ؟
- ستكون أكثر تنافسية، لأن هناك رقابة دولية سواء أراد النظام أم لا، بالإضافة إلى رقابة المجتمع المدنى، وأنا أعلنها من الآن أننا سنقوم فى مركز ابن خلدون بمراقبة الانتخابات علنا، ولدينا تمويل لذلك.
■ من أين حصلتم على التمويل؟
- من إحدى الهيئات الدولية؟
■ لكن هذا من التهم الموجهة إلى المركز؟
- أنا لم أنف هذه التهمة، وأؤكد أن مركز ابن خلدون ممول من الخارج و«اللى عايز يمولنى من الداخل أهلا وسهلا به وساعتها لن أتلقى تمويلا من الخارج، لكن تخنقنى داخليا، وكمان مش عاوزنى أمد إيدى بره، ده كلام مش منطقى»، والنظام نفسه يحصل على مساعدات من الخارج، وهذا جزء من «الفُجر» أن النظام يحلل لنفسه الحصول على تمويل من الخارج بالمليارات، ويعاقب من يتلقى 100 ألف دولار، هذا كيل بمكيالين، وعندما يتوقفوا عن تلقى التمويل سوف نتوقف نحن أيضاً.
■ لماذا خفضت الولايات المتحدة الامريكية من دعمها للديمقراطية خلال الفترة الماضية ؟
- لا يوجد سبب محدد، لكن هناك توجهاً فى إدارة الرئيس باراك أوباما بالخفض بشكل عام، وليس مقصودا ضد أحد، وعموما إدارة أوباما تعامل الحكومات المستبدة بنوع من اللين والود على أمل تحقيق السلام فى الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية، لكنه سيدرك أنه لم يحقق لا الديمقراطية ولا السلام، لأن هذه الحكومات لا تريد سوى بقائها على كراسيها ولا تريد سلاماً ولاغيره.
■ كلمة أخيرة للرأى العام؟
- لدينا حركة ديمقراطية واعدة، وأرجو من الشعب أن يلتف حول زعماء هذه الحركة، سواء كان البرادعى، أو الدكتور السيد البدوى، رئيس حزب الوفد، أو أيمن نور، مؤسس حزب الغد، أو الدكتور أسامة الغزالى حرب، رئيس حزب الجبهة، فكلها وجوه جديدة على الساحة، وهى وجوه ديمقراطية ليبرالية حقيقية وتستحق السير خلفها وهذه فرصة ذهبية إذا لم ننتهزها ستضيع وسنندم عليها لمدة 10 سنوات مقبلة.