«هايد بارك».. رمز لحرية التعبير رغم تراجع دوره السياسي

كتب: محمد هاني الجمعة 11-06-2010 12:48

بنبرة يملؤها الحماس والتشنج، وقف مبشر ستيني يخطب في مئات تجمعوا في «ركن المتحدثين» في متنزه «هايد بارك» اللندني الشهير، مؤكداً قرب نهاية العالم ومحذراً من «الثمن الذي ستدفعه البشرية لخطاياكم»، فيما علت وجوه المجتمعين حوله ابتسامات واسعة لا تتناسب وهول العذاب الذي يتوعدهم به.

يرفع أحد المستمعين كاميرا صغيرة ليصوّر المتحدث، ثم يتبعه معظم الحاضرين، قبل أن ينتقلوا إلى «علي السريالي» الذي يقف على بعد خطوات ممسكاً بكوب من النبيذ وعلى رأسه 3 قرون خشبية، داعياً المارة إلى «تجاهل أصحاب العُقد والاستمتاع بالحياة»، من دون أن ينسى أن يذكرهم بـ«الشر» الذي تمثله الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات.

يتكرر هذا المشهد كل أحد تقريباً، مع اختلاف المارة وبعض المتحدثين الذين يواظب بعضهم على القدوم إلى «ركن المتحدثين» منذ نحو ربع قرن. لكن جمهور هذه الخطب لا ينصت عادة إلى الخطباء الذين باتوا يتنوعون بين مبشرين مسيحيين يشكلون الغالبية الأكثر تنظيماً، وناشطين إسلاميين يروّجون لتطبيق الشريعة في أوروبا، وآخرين يهود يحاولون «إنقاذ» أتباع الديانات الأخرى، إضافة إلى بعض الفوضويين مثل «علي السريالي»، وحتى من يعرضون أحضاناً مجانية على المارة!

وتعكس تركيبة هؤلاء المتحدثين وجمهورهم الذي يتشكل معظمه من السائحين الراغبين في التقاط الصور والتندر على الآراء المتطرفة للخطباء، التغير الذي شهده هذا الركن الذي كان مقصداً لمفكرين بارزين مثل كارل ماركس والروائي الشهير جورج أورويل، ونقطة تجمع لحركات احتجاجية بارزة في تاريخ بريطانيا منذ انتُزع حق التجمع والحديث في الأماكن العامة عام 1872.

وبين بضع عشرات وقفوا يستمعون إلى ناشط إسلامي أميركي أسود كان يتحدث عن مثالب الحضارة الغربية، كان اثنان فقط يشاركانه النقاش، قبل أن يعتلي أحدهما كرسياً صغيراً إلى جانبه ويبدأ في إلقاء خطبة ضد المهاجرين المسلمين الذين «يسرقون بريطانيا ويهددون مستقبلها».

ولا يزال كثيرون يعتبرون «ركن المتحدثين» رمزاً لحرية التعبير، على رغم تراجع أهميته مع ضمان القوانين التي استحدثت خلال القرن الماضي بحق التظاهر في أي مكان وقلة إقبال المهتمين بالسياسة عليه.

ويشير جاريث بن، وهو أحد القلائل الذين كانوا يتابعون النقاش باهتمام واضح، إلى أن «هذه التجربة ألهمت تجارب مماثلة في دول كثيرة بينها هولندا واستراليا وسنغافورة». ويقول لـ «المصري اليوم»: «صحيح أن المكان لم يعد كسابق عهده، لكن هناك نوعاً من الارتباط به يكون غالباً مدفوعاً بالحنين إلى الماضي».

غير أن سامح ناجي، وهو مهندس مصري كان يتجول في «ركن المتحدثين» مع عائلته، ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة. ويقول لـ«المصري اليوم»: «لا يمكنني أن أرى هذا المشهد من دون أن أقارنه مع موجة المظاهرات والإضرابات في مصر. معظم المتحدثين هنا لا يقولون شيئاً مفيداً، لكنهم على الأقل يقولون ما يريدون، والشرطة تتابع كل هذا ولا تجرؤ على التدخل إلا لمنع العنف». ويضيف: «الناس هنا انتزعت هذا الحق، ونأمل أن يحدث هذا في مصر قريباً».

لكن شقيقه أمير يقاطعه قائلاً: «إذا حدث هذا في مصر، سيتحول رصيف مجلس الشورى وسلالم نقابة الصحفيين إلى متاحف فولكلورية للسائحين كما حصل هنا. الحكومة ستتفاخر بأنها تسمح بالمظاهرات، لكنها ستكون في الحقيقة وضعتها تحت السيطرة في محمية طبيعية». ويؤكد أن «حق التظاهر يجب أن يكون في كل مكان».