قال سفير إريتريا فى القاهرة «فاسيل جبرسيلاس تكلا»، إن بلاده ترفض استغلال أزمة مياه النيل سياسياً، مشدداً على أن عملية الاستفزاز السياسى من بعض الدول مسألة غير مرغوب فيها.
وأضاف تكلا فى حواره مع « المصرى اليوم»: «إن النيل ليس لعبة سياسية، وإذا كان هبة فهذه الهبة ليست مقصورة على دولة معينة وإنما لكل دول الحوض».. وإلى نص الحوار:
■ القضية التى تشغل الرأى العام المصرى حالياً هى الخلافات بين مصر ودول حوض النيل حول الاتفاقية الإطارية، فكيف تنظر إريتريا إلى هذا الأمر؟
- فى البداية أود أن أوضح أن إريتريا تحظى بصفة مراقب فى مبادرة دول حوض النيل، وهذا لا يمنع أننا لنا رأى واضح فى مسألة الخلافات بين مصر والسودان من جهة، ودول المنبع من جهة أخرى، وسبق أن أعلن الرئيس الإريترى أسياس أفورقى هذا الموقف مؤخراً، ويتلخص الموقف الإريترى فى أنه يجب علينا أن ننظر للنيل على أنه ليس مقصوراً فقط على الجيل الحالى وإنما للأجيال المقبلة أيضا، كما أننا نؤكد أن عملية الاستفزاز السياسى من بعض الدول مسألة غير مرغوب فيها،
كما أن هناك ضرورة لأن تكون هناك مشروعات للاستفادة من مياه النيل لكل دول الحوض دون استثناء، لأن مصلحة الشعوب هى الباقية فى النهاية، فالنيل إذا كان هبة فهذه الهبة ليست مقصورة على دولة معينة وإنما لكل دول الحوض.
ونؤكد هنا أن الاستغلال السياسى لأزمة حوض النيل أمر غير مقبول لإريتريا، وكما ذكرت فإن موقفنا معروف، وقد طرحه الرئيس أفورقى بشكل واضح جداً، فالنيل ليس لعبة سياسية، وعلى جميع دول الحوض أن تبحث كيفية إنشاء مشروعات تخدم شعوب الحوض كلها دون استثناء.
■ وماذا تقصد بالاستفزازات السياسية؟
- إذا عدنا للوراء قليلاً لفترة الخمسينيات والستينيات وهى الفترة التى استقلت فيها بعض دول الحوض، نجد أن بعض الأنظمة، خاصة فى إثيوبيا وفى بعض الدول الأخرى فى الحوض كانت تطرح فكرة إنشاء سدود على مجرى النهر، وأثير الجدل وقتها حول تأثير هذه السدود على حصة مصر من مياه النيل، فهذه المسألة كانت فى كثير من الأحيان تستغل سياسيا، ونحن نؤكد من جديد أن هذه الهبة التى منحت لدول الحوض يجب أن تظل بعيداً عن السياسة.
■ هل نبرة العداء التى بدأت تزداد مؤخراً بين دول الحوض، تصب فى صالح الشعوب أم ضدها؟
- من المعروف أن عدد السكان بدأ يزداد فى دول الحوض دون استثناء، سواء دول المصب أو دول المنبع، وبالتالى الطلب زاد على المياه، مما خلق الحاجة إلى كيفية البحث عن سبل للاستفادة القصوى من مياه النيل، خاصة أن هناك كميات ضخمة من المياه تضيع بسبب التبخر، وجزء كبير يضيع فى المستنقعات وهذه المياه أكبر بكثير من حصة مصر، كما أنها أكبر بكثير من كميات المياه اللازمة لتوليد الطاقة الكهربائية لكل دول الحوض،
ولذلك يجب على دول الحوض البحث عن وسائل لاستغلال هذه الكميات المهدرة من المياه عن طريق إقامة مشروعات بنظام الشراكة بين كل دول الحوض، فالشعوب الآن بدأت تنظر إلى مطالبها، وبالتالى يجب أن ننظر إلى كيفية الاستفادة من مياه النيل بأقصى قدر ممكن.
■ البعض يرى أن تبادل الزيارات بين مسؤولين مصريين وإريتريين بين أسمرة والقاهرة بالتزامن مع الخلافات بين مصر ودول حوض النيل خاصة إثيوبيا، هو رسالة تود القاهرة إرسالها إلى أديس أبابا.. ما تعليقك؟
- هذا ما يراه بعض المحللين للأسف الشديد، ولكن لأنهم يعيشون فى أبراج بعيدة عن الواقع فإن كل تحليلاتهم خاطئة، فالعلاقة بين مصر وإريتريا ليست على حساب العلاقات المصرية - الإثيوبية، والعكس فالعلاقات المصرية - الإثيوبية ليست على حساب العلاقات المصرية - الإريترية، ومن المعروف أن إريتريا استقلت منذ ١٩ عاماً وخلال هذه السنوات زار الرئيس الإريترى مصر ١٧ مرة،
فهل فى كل هذه الزيارات كانت هناك خلافات مصرية إثيوبية، هذه علاقات بين دول وبالتالى لا يصح أن نربط العلاقات المصرية - الإريترية بعلاقات مصر مع إثيوبيا، فمن حق مصر أن تكون لها علاقات ممتازة مع إثيوبيا، كما أنه من حقنا أن تكون لنا علاقات أكثر من ممتازة مع مصر، وللأسف هناك الكثير من المحللين المصريين ربطوا الزيارة الأخيرة للرئيس أفورقى لمصر بالخلافات مع إثيوبيا ودول المنبع.
■ من خلال وضعكم كمراقب فى مبادرة حوض النيل فهل تعتقدون فعلا أن هناك رغبة من دول المنبع للإضرار بمصر؟
- لا أعتقد أن هناك مساعى لدول الحوض للإضرار بالمصالح المصرية، فكل هذه الدول لا تستطيع الاستفادة من كل هذه المياه التى تسقط عليها، كما أن الله سبحانه وتعالى جعل النيل يجرى بوضع جغرافى معين، وبالتالى لا توجد أى قوة فى العالم تستطيع أن توقف تدفق المياه تبعا لهذا الوضع،
وإذا ضربنا مثلاً بالسد العالى عندما أقامته مصر فكل المناطق الواقعة خلف السد غرقت، وبالتالى فإذا أقامت إثيوبيا سدوداً لحجز المياه فأين ستضع هذه المياه، وفى الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الكينى رايلا أودينجا للقاهرة أكد بكل صراحة أنه لا توجد أى مساعى لدى بلاده للإضرار بالمصالح المصرية.
■ هل الخلافات حول الاتفاقية الإطارية مرتبط بتدخلات خارجية من بعض الدول الأجنبية لدفعها للتشدد مع مصر؟
- مشكلتنا فى المنطقة أننا نربط الأمور بالعوامل الخارجية، فلماذا لا ننظر إلى أخطائنا قبل أن نلقى الأمور على شماعة العوامل الخارجية، من المعروف أن مصر كان لها دور تاريخى فى أفريقيا فى فترة الخمسينيات والستينيات، ولكن نتيجة لظروف معينة وتغير الأوضاع السياسية فى العالم كان هناك توجه للشمال أكثر من الجنوب،
وبالتالى الأجيال التى كانت تعرف مصر ودورها وما قدمته لأفريقيا بدأت تندثر الآن، إذن كان لابد أن يكون هناك تواصل، ومن المعروف كذلك فى أى منطقة فى العالم أن كل دولة تحاول أن تحصل على مكاسبها، وبالتالى أنا لا أستطيع أن أقول للآخرين لماذا تسعون لتحقيق مكاسبكم.
■ إذا انتقلنا إلى ملف العلاقات الثنائية بين القاهرة وأسمرة نلاحظ أن هذه العلاقات تسير فى الفترة الحالية بخطى متسارعه فهل تتطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين بنفس الوتيرة؟
- الرئيس أفورقى ذكر فى حوار مع التليفزيون المصرى مؤخرا أننا ظللنا كثيراً من الأعوام نعلن عن تطوير العلاقات الاقتصادية بين مصر وإريتريا لكن مرت السنوات دون أن نطور أى شىء، والآن يجب أن تكون هناك آلية معينة بين البلدين لتطوير العلاقات الاقتصادية، وخلال زيارة الرئيس أفورقى للقاهرة عقدت لقاءات مشتركة بين المسؤولين من الجانبين،
وكان هناك حديث صريح بينهما بأن التجارب الماضية كانت بها بعض الأخطاء سواء من الجانب المصرى أو الجانب الإريترى، وهذه الأخطاء هى السبب وراء عدم تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، والجانب المصرى ينتظر حاليا أن تقدم إريتريا مشروعاً لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهذا المشروع يتركز الآن حول التعاون فى مجال الثروة السمكية والثروة الحيوانية كبداية، ونحن فى إريتريا نعتبر أن السوق المصرية هى السوق الأولى بالنسبة لنا.
■ هل يعنى ذلك أن تستورد مصر اللحوم من إريتريا؟
- سيتم هذا بالفعل، وسيتم خلال الفترة المقبلة التوقيع على اتفاقية خاصة باللحوم والأسماك ونتوقع أن يتم التوقيع على الاتفاقية قبل سبتمبر المقبل.