وصف رئيس أول مرصد لحقوق الإنسان فى السعودية، وليد أبوالخير، وضع حقوق الإنسان فى السعودية بأنه «محتقن»، محذراً من أن غلق السلطات منافذ الحراك السلمى سيؤدى إلى وضع لا يمكن احتواؤه. وأكد الناشط الذى يحاكم حالياً بتهمة «ازدراء القضاء» و«الدعوة إلى إقامة ملكية دستورية»، فى حوار لـ«المصرى اليوم»، أن الملكية الدستورية باتت الحل الوحيد للخروج من الأزمة، وقد خرجت دعوات من منظمات حقوق الإنسان بالمملكة لرفع حظر السفر عنه وعدم ملاحقته. وقال الناشط، الذى تتهمه السلطات السعودية بـ«ازدراء القضاء»، إن الثورات جعلت الشعب السعودى يرفع سقف تطلعاته.. وإلى نص الحوار:
■ تتهمك السلطات السعودية بإهانة القضاء.. ما تعليقك؟
- بخصوص اتهامى، فالحقيقة أن تهمة «ازدراء القضاء» هى التهمة الأولى فى لائحة الادعاء العام ضدى، والخلاف بيننا حول إثبات هذه التهمة، والواقع أننى من جملة الإصلاحيين والحقوقيين، الذين طالبوا باستقلال القضاء السعودى، وكتبوا ووقعوا بيانات فى ذلك رفعت للعاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تطالب أولاً بفصل القضاء عن ولاية الحكم العامة، واقتصر على ذكر واقعة أحاكم عليها حالياً وهى بيان حقوقى، انتقد الأحكام القاسية التى صدرت بحق معتقلين عرفوا باسم «إصلاحيى جدة»، حكم عليهم بعد 5 سنوات اعتقال بمدد وصلت فى مجموعها إلى 228 سنة، فى محاكمة افتقرت إلى الكثير من معايير العدالة.
■ ماذا عن دعواتك لإقامة ملكية دستورية فى السعودية؟
- فى الماضى كانت مثل هذه الدعوة منبوذة اجتماعياً، أما الآن فالدعوة إلى الملكية الدستورية باتت الحل شبه الوحيد للخروج من عمق الأزمة التى نعيشها، وأصبحت مطلباً لتيار عريض من الشعب، بل وعدد من أفراد الأسرة الحاكمة، والعرائض التى طالبت بفصل رئاسة الوزراء عن الملك، يتولاها مواطن من عامة الشعب منتخب، وقع عليها آلاف السعوديين، منها على سبيل المثال بيان «دولة الحقوق والمؤسسات 2011»، فبناء دولة المؤسسات وسيادة القانون أصبحت مطلباً شعبياً عاماً.
■ كيف ترى الأحكام التى صدرت بحق الناشطين عبدالله الحامد ومحمد فهد القحطانى؟ وهل هذه المحاكمات ستؤثر على الدعوات إلى الإصلاح؟
- هى أحكام «مسيسة» هدفها بث الرعب بين الحقوقيين والمطالبين بالإصلاح، ومنع تمدد تلك المطالب الحقوقية شعبياً. فقد تظن الداخلية السعودية أنها كسبت المعركة بسجن هؤلاء الرموز، وهى فى ذلك واهمة، فالتاريخ لا يرحم «الظالمين»، وتوقير الحكام لا يكون طلباً منهم وإرغاماً عليه، إنما بالعدل والرحمة.
■ بماذا تفسر غض المجتمع الدولى النظر عما يحدث فى المملكة من حراك أو انتهاكات لحقوق الإنسان؟
- المجتمع الدولى بشقيه الحقوقى والمدنى، كمنظمات حقوق الإنسان تحديداً، وبعض وسائل الإعلام يتفاعلون بشكل جيد إلى حد ما مع الوضع الحقوقى فى السعودية، أما الدول، خصوصا حلفاء للسعودية، فتتعامل مع قضايا حقوق الإنسان بشكل منافق وتبحث عن مصالحها أولاً، وهذه الدول تنظر إلى السعودية على أنها «بئر نفط» لابد أن يحوطه حالة استقرار.
■ ما طبيعة عمل مرصد حقوق الإنسان فى السعودية.. وهل هو معترف به؟
- المرصد يُعد أول مؤسسة حقوقية مستقلة تم تسجيلها خارج السعودية «فى كندا فى 2012» بعد أن استحال الأمر فى الداخل، وقد خاطبنا الملك، مطالبين على الأقل بالسماح لنا بفتح مكتب فى الداخل، لكن المعاملة أُحيلت بشكل سرى لوزارة الداخلية منذ نحو عام، ولم يأتنا رد بخصوصه، وأُحِلت فى أثناء ذلك للتحقيق، وجرى سؤالى عدة مرات عن المرصد وعمله.
فى ظل هذه الأجواء الأمنية وغياب قانون يقر وينظم عمل مؤسسات المجتمع المدنى فى السعودية، فإننا نركز فى عملنا على ما تسمح به ظروفنا المحيطة، وهذا العمل له أهمية قصوى نظراً لتحكم السلطات بالفضاء العام فى الداخل ومحاربتها أى صوت يشكك فى روايتها الرسمية التى غالباً ما تكون رواية مجحفة.
■ بصفتك رئيس المرصد، هل تعتقد أن ملف حقوق الإنسان فى المملكة شهد تراجعاً بسبب الربيع العربى؟
- حقوق الإنسان فى السعودية مهدرة قبل الربيع العربى، وما نشهده بعد الربيع هو أن «الشعب زحزح سقف تطلعاته رويداً رويداً إلى الأعلى، وبات صوته يرتفع أكثر فى كل مرة يكتشف أن المسؤول لم يعد يستمع أو ربما ضعف سمعه، يقترن ذلك بتوسع شريحة المطالبين بالحقوق، وانتقال ذلك من مستوى النخب إلى مستوى الشريحة المتضررة بشكل أكبر والشباب المتطلع إلى قيم الحرية والعدالة، الذى يرقب ويشاهد ما يقوم به أقرانه فى دول الربيع العربى، خاصة مصر، وبعد ثورتكم المشهودة تحديداً ولحظة سقوط نظام حسنى مبارك وفورة الحماسة والغضب التى أصابت الحقوقيين فى السعودية، شهدت الساحة المحلية صدور بيانات عدة تمحورت جميعها على ضرورة الإصلاح السياسى.
فى تلك اللحظة قررت السلطات السعودية بدء حملة قمع جديدة طالت عدداً كبيراً من الحقوقيين وخيرتهم عبر موجة من التحقيقات المرهقة بين الاعتذار والتعهد عما سبق من أعمال حقوقية، ومن ثم التوقف أو المحاكمة والسجن الطويل.
■ اعتادت منظمات حقوق الإنسان فى العالم العربى وصف القضاء السعودى بأنه «مسيس»، هل تتفق مع تلك العبارة؟
- تعمد السلطات السعودية إلى موضوع ثانوى بدلاً من الرئيسى حين تتهم حقوقيين حتى لا تسلط الضوء على الأخير، فى محاولة لكسب تعاطف التيار الدينى وتفتيت أى تحالف حقوقى عابر للتيارات عبر وصف المطالبين بالإصلاح السياسى بـ«أنهم فى عداء مع القضاء الشرعى».
■ ما رأيك فيما تردد حول رغبة الملك «عبدالله» رفع الحظر على قيادة المرأة، وأنه يخشى ردود فعل رجال الدين؟
- قيادة المرأة للسيارة ليست مسألة بسيطة فى حد ذاتها، فأن تقود المرأة السيارة يعنى أن مجتمعاً بأكمله سيتشكل بصبغة جديدة، صبغة يحترم فيها الرجل المرأة كـ«ند» له. مثل هذه الصبغة الجديدة تتفق فيها السلطة السياسية وتتبعها الدينية على عدم الترحيب بها. ولا تزال السلطة تصور للخارج أنها تسعى للإصلاح وحفظ الحقوق وأن المعضلة فى المجتمع السعودى المحافظ والعصى على الإصلاح، وللأسف تنطلي مثل هذه الصورة المزعومة كثيرًا على الخارج.
■ هل تؤمن بالاستثناء الخليجى فيما يتعلق برياح الربيع العربى؟
- حكاية الاستثناء هذه «أقرب للخرافة»، فالشعوب كلها تتوق للحرية والعدالة.
■ أيهما يفضل المجتمع السعودى الإصلاح أم التغيير؟
- بكل تأكيد الإصلاح الجاد الذى ينتهى بملكية دستورية هو أفضل الخيارات الممكنة حالياً، والكرة الآن فى ملعب السلطة، إلا أنها إن ظلت على تعنتها وسجنها لكل صوت غيور بعد غلق جميع منافذ الحراك المدنى السلمى فستصير لا محالة النار الكامنة تحت الرماد إلى شىء آخر لا يمكن احتواؤه.
■ هل كسرت مواقع التواصل الاجتماعى مثل «فيس بوك» و«تويتر» حاجز الخوف فى السعودية؟ وهل بدأت المملكة ثورة التعبير عن الرأى؟
- فى الوقت الذى كان فيه المواطن السعودى لا يعبر عن رأيه إلا عبر قنوات تحكمها السلطات، ووسيط يسمى تجاوزاً بـ«رئيس تحرير»، أصبح «تويتر» هو «رئيس تحرير الرأى السعودى»، وأصبح المواطن السعودى ولأول مرة يكتب ما يشاء دون تدخل من أحد.
■ ما رأيك فى الاحتجاجات التى تخرج فى بعض المدن الشيعية؟ وهل يمكن أن تكون شرارة ثورة فى المملكة؟
- الحديث عن ثورة فى السعودية هو «حديث رغبوى» على الأقل فى الوقت الراهن، فهى احتجاجات قد تساعد فى تحسين الوضع الحقوقى للطائفة الشيعية، لكن لن يكون لها تأثير كبير خارج الطائفة للعزلة التى تعيشها ولطبيعة المناخ الطائفى الذى خلقه النظام فى الداخل.
■ هل تعتقد أن الحراك الذى تشهده بعض المدن السعودية يحركه الإخوان المسلمون كما يرى البعض؟ وهل صحيح أنك كنت معهم؟
- لا علاقة لحركة الإخوان المسلمين بهذا الحراك أبداً، بل هى تحذر كوادرها المنخرطة من المساهمة فى المطالب الحقوقية العلنية.. نعم هناك إسلاميون كثيرون يشاركون بشكل كبير فى الحراك الحقوقى، لكن لا علاقة لهم بالإخوان، أو كانت لهم علاقة تنظيمية ثم انفصلوا عنهم تماماً، كما حصل معى منذ عام 2003، وعموماً الإخوان المسلمون فى السعودية يفتقرون إلى رؤية سياسية واضحة ولا يملكون مشروعاً، وبات التنظيم السرى خطراً عليهم أكثر من كونه خطراً على السلطة، خاصة بعد انكشافه تماماً للجهات الأمنية.
■ كيف تقيم أوضاع المصريين فى المملكة والمعتقلين خاصة بعد ثورة يناير؟
- فى اعتقادى أن الأمر الوحيد الذى استجد هو أن المصرى ما قبل ثورة يناير بات له «كاركتر» جديد له تبعاته، لعل أهمها ردة الفعل الشعبية المصرية إزاء أى انتهاك لحقوق الإنسان المصرى فى السعودية، وهذا ما يجب أن تعيه السلطات السعودية جداً وتتأقلم معه، فالشارع المصرى عامة، والحقوقى خاصة، بعد الثورة لا يمكن الاستهانة به، وكم أتمنى أن يستغل السياسى المصرى ذلك، ويستفيد منه بدل أن يضغط عليه، بحجة الأعراف السياسية.