أهالى «الزياتين»: مصنع تدوير القمامة مشروع ضخم لإنتاج الأمراض

كتب: شعبان فتحي السبت 22-05-2010 18:27

ما إن تطأ قدماك قرية «الزياتين»، التابعة لحى المنتزه، حتى تفاجأ برائحة نفاذة لا تستطيع معها البقاء فى القرية، أكثر من نصف ساعة، قبل أن تقرر الرحيل منها، داعياً على من تسبب فى تلك الروائح، التى أحالت حياة القرية إلى جحيم، كما يقول الأهالى.
انتشار روائح القمامة، على أطراف القرية جعل أهالى القرى المجاورة يطلقون عليها قرية «الزبالين» بسبب الرائحة التى قلبت القرية رأساً على عقب، والتى تشبه رائحة البيض الفاسد، بسبب مصنع تدوير القمامة الذى يقع على مقربة من القرية والذى لا يفصله عنها سوى 500 متر. ورغم أن المصنع هدفه الأساسى تدوير القمامة وخلط العديد من المواد الكيماوية عليها ليحولها بعد ذلك إلى سماد يستخدم فى الزراعة، ويزيد من الإنتاج والمحصول ليشق طريقه نحو التصدير، إلا أن ما حدث هو أن الروائح المنبعثة من المصنع، بحسب السكان تسببت فى إتلاف أكثر من 100 فدان، قلت إنتاجيتها بعد أن تسبب المصنع فى انتشار جميع أنواع الحشرات، والحيوانات الضالة، إضافة إلى الغربان التى هاجمت المحصول الذى يقومون بزراعته، فى محاولة يائسة لينمو مثل نظرائه من المحاصيل فى الأراضى التى يشاهدونها، متحسرين على أراضيهم التى كانت تخرج لهم من بين طياتها أفضل المحاصيل فى الحى.
وأشار الأهالى إلى أن من أبسط حقوقهم التى تنادى بها جميع القوانين العيش كـ«آدميين» منتقدين كلام المسؤولين الذين اتهموهم بـ«فبركة» كلام «غير صحيح» بأن المصنع منشأ قبل إنشاء القرية، فى الوقت الذى أكدوا فيه أن القرية أثرية واشتروا أراضيها من «الباشا».
فى البداية قال عبدالله موسى، مزارع من القرية،: إن المصنع الذى تم إنشاؤه على مساحة 36 فداناً، كان فى بدايته قطعة أرض تابعة لمؤسسة اللحوم والدواجن، التى قامت باستئجاره من مديرية الأوقاف، قبل أن تتم تصفيتها عام 1994، لتتولى المحافظة مسؤولية الأرض وتحصل على مساحة 36 فداناً من أجود الأراضى الزراعية، لتحولها إلى مقلب للقمامة، لم تنقطع حرائقه على مدى 5 سنوات متتالية، أحالت القرية إلى منطقة للدخان مما أصاب الأهالى بجميع الأمراض التنفسية من الربو وأمراض الصدر، ولم تفلح الشكاوى التى قاموا بتقديمها لجميع الجهات، بمن فيهم المحافظ الأسبق المستشار إسماعيل الجوسقى، قبل أن يقرر اللواء عبدالسلام المحجوب زرع المقلب بالنجيلة للتغلب على الحرائق المتكررة، لكنها لم تفلح فى القضاء على مشاكل القمامة المتراكمة والتى أصبحت تشتعل تلقائياً نظراً لتراكمها، فكونت تلالاً من القمامة تعيش فيها الحشرات والزواحف.
أضاف موسى أنه عقب مرور 5 سنوات على إنشاء المقلب، وفى عام 2000 قامت شركة «أونيكس» المسؤولة عن نظافة المحافظة آنذاك بمباشرة العمل فى المصنع بالاشتراك مع مصنع حكومى، الذى قام بتصنيع معدات جديدة لتحويل المقلب إلى مصنع لتدوير القمامة عن طريق إضافة بعض المواد الكيماوية عليها، وهوالأمر الذى كان بمثابة الكارثة التى حلت بالقرية، وحرمتهم النوم ليلاً أو نهاراً بسبب انتشار رائحة المواد الكيماوية الكريهة، بخلاف انتشار الحشرات بجميع أنواعها، فانتشر الذباب والناموس، والهاموش، والنمل، والصراصير، والزواحف والثعابين، وانتشرت الكلاب الضالة التى تسببت فى إدخال الرعب فى نفوس الأهالى على أطفالهم أثناء ذهابهم للمدارس أو العودة منها، وهو ما دفعهم إلى تقديم العديد من الشكاوى مرة أخرى ولكن «لا حياة لمن تنادى»، حتى أوصلوا الأمر إلى رئاسة مجلس الوزراء وقام الدكتور كمال الجنزورى، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، بالرد على شكواهم، بحظر إقامة مصانع الأسمدة داخل كردونات المدن.. عدا القائم منها.
وأكد على الزيات، من أهالى القرية، أن هذا القرار كان بمثابة النجاة لأهالى القرية، اعتقاداً منهم أن هذا القرار سيتم تنفيذه عليهم لأن مصنع التدوير فى ذلك الوقت كان فى طور الإنشاء ولم يكن تم إنشاؤه، ولكن رئيس الحى خرج علينا برد عجيب حيث أخبرهم بأن «منازل القرية تم إنشاؤها بعد إنشاء المصنع الذى تم إنشاؤه عام 1994»، رغم أن عدداً من أهالى القرية من مواليد 1952 ومثبت ذلك بشهادات ميلادهم، قاموا بشراء أراضى القرية من الدكتور عبدالحميد الزيات الذى سميت القرية باسمه، والذى اشترى أراضيها من «الخواجة» -على حد تعبيرهم-، منتقداً رفض المسؤولين العرض الذى تقدم به الأهالى لاستبدال أرض المصنع بقطعة أرض أخرى (تقع جنوب القرية) حتى لا تتأثر القرية بالأبخرة والعوادم والمخلفات التى تخرج من المصنع، وهو الرفض الذى أدى لتفاقم مشكلة القرية وصراعها مع مصنع تدوير القمامة.
مشكلة القرية كما يقول الزيات بدأت فى التفاقم عندما تراكمت آلاف الأطنان من القمامة داخل المصنع، الأمر الذى جعلها تتعفن وتخرج منها مياه قذرة مشبعة بكمية كبيرة من الأملاح، حتى إن المسؤولين عن المصنع قاموا بوضع مواسير لصرف المياه الناتجة عن تراكم القمامة فى المصرف الزراعى الخاص بأراضى القرية مما أدى لتعفن مياهه، فأصبحت الأراضى بلا مصرف وهو ما أثر على تربة الأراضى المجاورة للمصنع، بداية من التأثير على إنتاجية الفدان تدريجياً التى هبطت لتصل إلى لا شىء، بفعل عدة عوامل منها دخان المصنع والأكياس البلاستيكية المتطايرة منه، وتأثير الكيماويات والروائح الكريهة التى تنبعث من المصنع، والتى «خربت بيتنا» بعد أن تسببت فى بوار أكثر من 100 فدان كانت من أجود الأراضى الزراعية، حتى لم تعد تجدى فيها أى زراعة.
وأضاف أنهم قاموا بزراعة الأرض أرزاً، فكان إنتاجه ضعيفاً، نتيجة عدم وجود البيئة المناسبة للنمو، وكان الإنتاج سيئاً للغاية لا يستطيع أى شخص تناوله، حتى إنهم قاموا بإلقائه للمواشى، والتى رفضت هى الأخرى تناوله، نتيجة تشبعه برائحة دخان البلاستيك الناتجة من المصنع.
وانتقد أحمد الزيات، مهندس زراعى، ما سماه تجاهل المسؤولين لصرخاتهم، مؤكداً أنهم كل يوم يتحسرون على أراضيهم، وزراعاتهم حتى إن أى محصول له زهور لا يمكن زراعته فى الأرض، لتساقط الزهور بعد يوم واحد من ظهورها الأمر الذى دمر إنتاج أى زراعة، حتى إن مزارعى القرية استبدلوا أشجار الجوافة والموالح التى كانت تشتهر بها القرية بالمحاصيل الحقلية مثل الطماطم والفلفل، بعد تعرض أشجار الجوافة للتلف، مؤكداً أن المحاصيل الحقلية أيضاً لم تنجح فى طرح محصول بسبب تدمير الروائح الناتجة عن المصنع للتربة الزراعية بالمنطقة، وهو ما يمثل كارثة على الأهالى.
وأضاف: أن انتشار الغربان والطيور بسبب تراكم القمامة داخل المصنع أدى إلى فشل أى زراعة فى المنطقة، بعد قيام الغربان بأكل البذور التى يقومون بزراعتها، الأمر الذى تسبب فى أن تقل إنتاجية الفدان من القمح، بعد موسم كامل من الزراعة، إلى 50 كيلوجراماً مقارنة بباقى الأراضى التى تنتج 6 أرادب قمح، لكل فدان على أقل تقدير.
وانتقد الأهالى انتشار الروائح الكريهة التى تسببت فى وفاة العديد من الأهالى بعد إصابتهم بالعديد من الأمراض الصدرية والحساسية والجيوب الأنفية، مؤكدين تسبب المصنع فى وفاة أكثر من 30 من الأهالى بينهم طفلة لم يتعد عمرها ستة أعوام، بعد فترة علاج لمدة 6 شهور فشل الأطباء فى علاجها، بسبب تلوث الهواء بالقرية، حتى أصيب أكثر من 50 شخصاً بالقرية بأمراض صدرية لا قبل لهم بها -حسب تأكيدات الأهالى- وهو الأمر الذى جعل أهالى القرية دائمى التردد على أطباء الأمراض التنفسية والربو، والحساسية. وأضافوا: «أن سيارات نقل القمامة تسببت فى تصدع منازلهم بسبب حمولتها التى تصل إلى أطنان وهو ما أدى إلى تدمير الطريق الذى يصل القرية بالطريق الرئيسى.
على الجانب الآخر، أكد المهندس محمد شعبان، مدير مصنع المنتزه العضوى بقرية الزياتين، أنه أنشأ فى الأساس بغرض التخلص الآمن من المخلفات، وأن عملية تدوير القمامة التى تتم داخل المصنع تهدف إلى إرجاع القمامة لمصادرها الأولية، حيث يتم إعادة الورق لاستخدامه فى صناعة الورق والبلاستيك كذلك، ويتم استغلال المواد العضوية فى عمل أسمدة، أما باقى المواد والتى لا يمكن استغلالها أو التعامل معها، فيتم نقلها عبر سيارات إلى المدفن الصحى ببرج العرب.
وأضاف أن الضرر الوحيد الذى يعود على الأهالى هو إنسداد المصرف، مرجعاً ذلك إلى الفلاحين أنفسهم الذين اتهمهم بالتعدى على حرم المصرف، مما أدى إلى زيادة نسبة الملوحة فى الأرض وهو ما أدى إلى تعفن جذور المحاصيل مما أدى إلى التأثير على إنتاجيتها. ونفى تأثير إنتاج المصنع من السماد على الأرض، مشيراً إلى أن ما ينتجه المصنع عبارة عن أسمدة عضوية تفيد الأرض ولا تضرها.
وانتقد شعبان، ما سماه، رفض الأهالى التعاون مع المصنع فى تطهير المصرف عن طريق حفار أو يدوياً، مما يثير الشكوك حول نية الأهالى تبوير الأرض وتجريفها للبناء عليها.
وأكد أن المصنع يراعى اشتراطات السلامة البيئية، وأن هناك متابعات مستمرة من قبل وزارة البيئة والمحافظة وإدارة المتابعة والرصد البيئى، بخلاف قيام إدارة المنع بعمل قياس للملوثات السمعية والأبخرة المتصاعدة من المصنع، وتلوث الهواء نتيجة الأتربة كل 6 أشهر، والتى تؤكد عدم وجود مشاكل كما يدعى الأهالى.
من جانبه أكد مصطفى محمد مصطفى، عضو مجلس الشعب عن دائرة المنتزه، أن قريتى الزياتين و«دبانة» من القرى القديمة جداً فى ريف المنتزه، وتعانيان معاناة شديدة بسبب مصنع الأسمدة العضوية المقام بجوار القريتين، مشيراً إلى أن المصنع كان فى الأساس عبارة عن مقلب للقمامة يتم تجميع مخلفات شرق المحافظة فيه، وكانت تحدث به حرائق كثيرة، نتيجة الاشتعال الذاتى للقمامة المتراكمة، وتتصاعد منها الأدخنة لتغطى سماء منطقة المنتزه بأكملها.
وأضاف أن تفاقم المشكلة دفع المحافظة لإلزام شركة النظافة بإيجاد حل، إلا أن ما قامت به الشركة لم يكن التخلص من القمامة بالطرق السليمة، حيث قامت بتغطية تلال القمامة والنفايات بطبقة من الأتربة والرمال لتظهر للعيان أنها جبل من الرمال، رغم أنها فى الحقيقة جبل من القمامة والنفايات الخطرة الناتجة من المستشفيات، التى تتحلل نتيجة تراكمها وتتسرب منها المواد السامة إما عن طريق التبخر فى الجو أو التسرب مع مياه الرى والشرب.
وانتقد قيام المحافظة بتحويل خط من مياه الشرب الواصل للقرية إلى المصنع لرى النجيلة التى قام المصنع بزراعتها أعلى جبال القمامة، قائلاً: «إنه فى الوقت الذى تعانى فيه مصر من ندرة المياه ودخولها فى معركة مع الدول الأخرى من أجل عدم المساس بحصتها، يتم رى القمامة بمياه الشرب، الأمر الذى أثر على خط مياه الشرب الواصل للقرية».
وأكد مصطفى، أن جميع أهالى القرية يعانون الأمراض الصدرية بسبب التلوث البيئى الشديد، وأنه قدم طلباً لإغلاق المصنع وتحويله إلى أى مكان آخر بعيد عن الكتلة السكنية، قائلاً: «إنه من غير المنطقى أن تترك المحافظة الأهالى يعانون من التلوث متعللة بأن المصنع تم إنشاؤه قبل القريتين»، مضيفاً أن الحقيقة المؤكدة الآن هى وجود مصنع ضار بيئياً وسط الكتلة السكنية التى تعانى من التلوث البيئى فى المياه والهواء ويجب على المحافظة- وهذا دورها- نقله إلى مكان أكثر أمناً للأهالى، مؤكداً أن المحافظة بها العديد من الأماكن البعيدة عن الكتلة السكنية فى الصحارى التى لا تملك المحافظة أكثر منها.