سفير ليبيا بالقاهرة: القبض على «قذاف الدم» لم يكن صفقة ومصر أكبر من ذلك (حوار)

كتب: حسين رمزي, خليفة جاب الله ‏ الإثنين 15-04-2013 19:21

قال محمد فايز جبريل، سفير ليبيا الجديد فى مصر، إن بلاده تصر على ترحيل أحمد قذاف الدم، ابن عم الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى، أحد المطلوبين من الحكومة الليبية، لمحاكمته لديها، رافضاً فكرة محاكمته فى مصر، مشدداً على أنه لا يحمل الجنسية المصرية ولا تنطبق عليه شروط اللجوء السياسى فى مصر.

وحذر «جبريل» فى حواره مع «المصرى اليوم» من الانعكاسات السلبية لهذه القضية على العلاقات بين البلدين، مشدداً على أن بعض الآراء المتطرفة فى ليبيا تدعو إلى مقاطعة الدول التى لا تسلم مجرمى النظام السابق.

ونفى «جبريل» أن يكون القبض على قذاف الدم فى إطار صفقة بين الحكومتين المصرية والليبية، مشدداً على أن مصر أكبر بكثير من عقد صفقات أو مقايضات بهذا الشكل، وأن الحكومة الليبية لا تدفع أموالاً فى مجرمين.

وإلى نص الحوار:

■ ماذا عن آخر تطورات قضية «قذاف الدم»؟

- هناك مسؤولون قانونيون فى السفارة يتابعون هذه القضية بكل تفاصيلها، كما أن هناك شخصا مفوضا بها ويتابعها أولاً بأول، وأنا حقيقة لم أطلع على كل جوانب القضية، لكنها مهمة جداً لأن الثورات العربية أوجدت واقعاً جديداً ألا وهو محاسبة كل من أخطأ سواء بانتهاكات لحقوق الإنسان، أو بمخالفات مالية وإهدار فى الثروات.

وهدفنا ليس تصفية حساب أو القضاء على عناصر من العهد السابق، حتى لا ينقلبوا مرة أخرى، أو إنهاءهم حتى لا يعودوا على دبابة، إنما نريد ترسيخ فكرة أن «القانون» فوق الجميع وأنه لا يوجد أحد فوق القانون، ومن يخطئ سيحاسب.

■ ما مدى استجابة السلطات الليبية لمطالب مكتب التعاون الدولى فى مصر الذى طلب إرسال أوراق إدانة «قذاف الدم»؟ وهل يمكن محاكمته أمام القضاء المصرى؟

- فى البداية دعنى أثمن دور الحكومة المصرية فى استجابتها لمذكرة مكتب التعاون الدولى، ونقدر أيضاً تفهم الشعب المصرى جيداً حق الشعب الليبى فى محاكمة كل من أساء إليه، ولدينا نفس الشعور بأن للشعب المصرى الحق فى محاسبة من أخطأ فى حقة، وهو ما يجب احترامه لتبنى عليه العلاقات بين الدول، ولأننا عشنا تحت حكم رؤساء للأسف لا يراعون حرمة الله لا فى نفس ولا فى مال، فمن حقنا محاكمتهم، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن يختبئ مسؤول مصرى فى ليبيا بعد ارتكابه جرائم فى حق شعبه، ليفلت من القانون، فالأصل فى القانون خدمة الصالح العام، وتطبيق القصاص، والقضية لنا بمثابة قضية أخلاق يجب ترسيخها، حتى يصبح المبدأ العام هو: «لا أحد فوق القانون».

■ هل من الممكن أن تسمح ليبيا بمحاكمة «قذاف الدم» فى مصر إذا أثبت أنه مصرى الجنسية أو أنه حصل على اللجوء السياسى؟

- بالنسبة للجوء السياسى فإننى أؤكد أن له عدة شروط، فقد كنت لاجئاً سياسياً فى أمريكا، هرباً من الحكم البائد فى ليبيا وقتها، وعندما طلبت من الحكومة الأمريكية ذلك كانت هناك عدة شروط أساسية، منها أن أثبت أن نظام الدولة الذى يطاردنى نظام ظالم وبائد، وأن تكون صفحتى الجنائية خالية تماماً من أى جرائم داخل دولتى أو خارجها، وأن تكون معتنقاً فكراً سياسياً معيناً وهذه الأفكار تمثل عليك خطراً فى حال إعلانها فى بلدك، قضية قذاف الدم فهى سياسية، ورئيس وزراء ليبيا لم يصدر قراراً بملاحقة جميع الموجودين فى الخارج أو تصفيتهم، وبذلك فإن شروط اللجوء السياسى لا تنطبق على قذاف الدم، وفيما يتعلق بمسألة الجنسية فإنه لا يحمل الجنسية المصرية، فأبوه ضابط شرطة ليبى فى العهد الملكى، ودستور 1951 وقتها كان يحظر على الضباط ازدواج الجنسية، والأمر ينطبق على والدته فهو لم يقدم حتى الآن أى إثبات يفيد بحصوله على الجنسية المصرية.

■ لكن هناك تخوفات من التنكيل بقذاف الدم فى ليبيا وعدم تقديمه لمحاكمة عادلة؟

- من حق أسرة قذاف الدم أن تطلب ضمانات لمحاكمة عادلة، ومعاملة حسنة فى سجن آدمى، وفقا للمعايير الدولية، بالرغم من أن النظام الذى كان مسؤولاً فيه لم يوفر ذلك أبداً لأحد، وبالنسبة لمشاكل السجون الموجودة فى ليبيا، فالسجون التى كان يحتجز فيها معمر القذافى الشعب، لم تكن لائقة على الإطلاق، ولن نقوم باحتجازه فيها، ولن نأخذ بمقولة «هذا ما فعلت يداك فذق منه» وندخله فى نفس السجن الذى سجن فيه الناس، لأن ليبيا الجديدة تبنى دولتها على أساس الحق واحترام حقوق الإنسان.

■ هناك تقارير تشير إلى أن القبض على «قذاف الدم» يتم فى إطار صفقة بين الحكومة المصرية ونظيرتها الليبية، فما حقيقة ذلك؟

- أؤكد أن مصر أكبر من أى صفقة أو مقايضة بهذا الشكل، وأقول لمن يردد هذا الكلام: «حرام عليكم»، فلو كانت سياسة مصر تقوم على المقايضة لقايضت بى عندما طلبت حكومة معمر القذافى تسليمى إليها، ولكن مصر رفضت ذلك، وهذا دين فى رقبتى، والتحدث عن الـ2 مليار دولار والاستثمارات عبث؛ لأن حجم استثمارات ليبيا فى مصر يقرب من 6 مليارات دولار من شركات فى قطاع النفط والعقارات والصناعات، وهى قابلة للزيادة، وكل هذه الاستثمارات لم تكن تفاهمات أمنية أو صفقات، وإنما هى تعاون يعود على البلدين.

■ لكن البعض يتساءل حول أسباب الحديث عن إيداع أموال ليبية البنك المركزى المصرى بالتزامن مع القبض على قذاف الدم؟

- أبدا لم يكن هناك أى غرض من الإعلان عن الاستثمارات الليبية فى مصر بالتزامن مع القبض على فلول القذافى، فالحديث عن الاستثمارات الليبية والتعاون الاقتصادى مع مصر تم التطرق إليه أكثر من مرة قبل ذلك، إلا أن الظروف التى مرت بها ليبيا عقب إسقاط القذافى أعاقت ذلك.

■ هل يوجد تخوف لديكم من انعكاس عدم تسليم قذاف الدم إلى ليبيا بشكل سلبى على العلاقات بين البلدين؟

- لا أخفى عليكم أن هناك رأيا تتبناه بعض الأطراف فى الحكومة الليبية بتجميد أو قطع العلاقات مع الدول التى ترفض تسليم رموز النظام السابق المطلوبين قضائياً، والذين أجرموا فى حق الشعب الليبى، وهذا الرأى كان له صدى وقبول لدى بعض الأوساط، لكن انتصر فى النهاية صوت العقل، بأن يتم إبعاد العلاقات الليبية الخارجية عن قضية تسليم المطلوبين.

■ هل معنى ذلك أن عدم تسليم قذاف الدم يهدد العلاقات المصرية الليبية؟

- طبعاً ستتأثر العلاقات المصرية الليبية، فهناك أصوات متطرفة تنادى بأنه فى حالة عدم تسليم قذاف الدم والتمسك به يجب إغلاق الحدود، وطرد العمالة وسحب الاستثمارات، ولكننى أؤكد أننا فى الحكومة الليبية نرفض ذلك، ولا نمثله ولكننا نطلعكم عليه، لأن العلاقات بالنسبة لنا تمثل الكثير، ونرى أنها لا تتوقف بسبب شخص

■ الكثير يرى أن قذاف الدم لم يقتل، وقدم استقالته اعتراضا على سياسة القذافى، وأن المطالبة بتسليمه جاءت لأسباب سياسية من الدرجة الأولى؟

- كذلك الكثير قد يرى أن جمال وعلاء مبارك لم يقتلا المتظاهرين، وأيضا صفوت الشريف وزكريا عزمى لم يفعلا ذلك، ومع ذلك فإنكم تحاكمونهم، وبالرغم من أن الفارق كبير بين النظامين السابقين فى مصر وليبيا، فالنظام الليبيى كان أكثر وحشية وديكتاتورية، وغريب الأطوار والشكل ودمويا، وإذا لم يكن علاء وجمال فى مصر لفعلتم المستحيل لإعادتهما للمحاكمة.

■ ما أسباب الاعتداءات المتكررة التى تمت فى ليبيا على المسيحيين؟ واتهامهم بالتبشير؟

- بالنسبة لحادث «مصراتة» كان هناك بعض الصيادين المصريين يجمعون القذائف ليستخلصوا منها المواد المتفجرة كى يستخدموها فى صيد الأسماك، وأثناء قيامهم بذلك خلف إحدى الكنائس انفجرت القذيفة فى حارس الكنيسة، وهو حادث عرضى غير منظم، أما الحادثة الأخرى فهى مضحكة وسببها الخرافات، وهى تتمثل فى أن فتاة مسلمة تعانى من مرض نفسى فأخبرتها إحدى العرافات بأنها «ملبوسة بجن مسيحى»، فذهبت الفتاة إلى أحد القساوسة لمعالجتها، ثم اختفت بعدها.

أما فيما يتعلق بقضية التبشير فالشعب الليبى كما نعلم مسلم ومالكى المذهب، ويرفض التبشير بكل أشكاله، ولكن تم اكتشاف مجموعة من الكوريين والمصريين فى إحدى الكنائس يقومون بالتبشير، وضبطت معهم الشرطة كتباً تؤكد ذلك، ويتم التحقيق معهم حالياً.

■ ما رؤيتك للتعاون فى مجالى الاستثمارات والتبادل التجارى بين البلدين؟ وما مصير العمالة المصرية؟

- بالنسبة لى شخصياً أنا أتمنى أن نشد بعضنا البعض إلى بر الأمان، وأن نطور علاقاتنا الاقتصادية والسياسية؛ لأن ذلك سينعكس على الأمن القومى فى مصر وليبيا، فإصابة أى منهما بخلل ستؤثر بالسلب على الأخرى.

وبالنسبة للعمالة المصرية فى ليبيا نحن نسعى إلى تنظيم هذه العمالة حتى نحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم، ولا نريد أن يتعرضوا لأى أذى أو استغلال من أحد، لأن موجات الدخول غير الشرعية تنتقص من كرامة المصريين، ونحن نرحب بالعمالة المصرية، ولكننا نسعى إلى ضبط الدخول والخروج من البلاد لجميع الجنسيات؛ حتى نسيطر على عمليات تهريب السلاح.

■ ما حجم الاستثمارات الليبية فى مصر؟ وهل ستمد ليبيا مصر بالنفط؟

- يصل حجم الاستثمارات الليبية فى مصر إلى 6 بلايين دولار، ونريد أن نضاعف تلك الاستثمارات، خلال السنوات المقبلة، أما بشأن إمداد مصر بالنفط الليبى فأنا لا أعلم حقيقة الأمر، ولكن بالفعل كانت هناك مباحثات بهذا الشأن.

■ تعرض المئات من العمال المصريين للطرد من ليبيا خلال الأشهر الماضية.. ما سبب ذلك؟

- فى ليبيا هناك مليوناً و600 ألف عامل مصرى، وهناك المئات يدخلون دون تأشيرات دخول وبطريقة غير شرعية، وإذا كانت السلطات الليبية قامت بترحيل عدة مئات من المصريين نظراً لمخالفتهم القوانين، فإن مئات الآلاف من المصريين يعملون فى ليبيا دون أن يمسهم أحد.