أعرب «خالد مشعل»، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة «حماس»، عن أمنيته عدم اندلاع حرب جديدة فى قطاع غزة، لكنه أكد فى الوقت نفسه أن الحركة بكل قادتها وأفرادها «ستقاتل كالرجال» إذا فُرضت عليها الحرب من قبل القوات الإسرائيلية.
وقال مشعل، فى الجزء الثانى من الحوار الذى أجرته معه «المصرى اليوم» فى مكتبه بالعاصمة السورية دمشق، إن خيارات حركة حماس «مفتوحة» فى الضفة الغربية وقطاع غزة، مشيراً إلى أنها تمارس المقاومة «طبقاً للظروف»
وذكر مشعل أن مسؤولاً عربياً أبلغه بموافقة القاهرة على تعديل ورقة المصالحة المصرية، شريطة موافقة «حماس» على ثلاثة شروط هى: «حل الدولتين، وحدود 1967، والمبادرة العربية».
■ هل ما زلتم تعتقدون أن تشديد الحصار على غزة وفرض وقائع جديدة أشد قسوة من ضمنها عزلة شاملة علىالقطاع هدفها إسقاط حركة حماس وتركيعها فىغزة؟
- منذ أن فازت حماس عبر صناديق الاقتراع فى انتخابات نزيهة والشعب الفلسطينى يُعاقب وحماس تُعاقب، وهو أمر عجيب يحدث لأول مرة فىالتاريخ أن يعاقب شعب، لأنه مارس الديمقراطية بحرية واختار من أراد، يُعاقب بالتجويع والحصار وإغلاق المعابر، وما سعى إليه البعض من إحداث فوضى أمنية من داخل غزة، وتأليب الشعب على الحركة، وأيضا بالحرب الصهيونية الأخيرة أواخر 2008، وكانوا يأملون أن تؤدى كل هذه الإجراءات إلى القضاء على حماس والإجهاز عليها، أو على الأقل سقوط حكومتها وانفضاض الشعب عنها وما زالوا يحاولون. ولكن أقول إن هذا الحصار جريمة بحق الشعب الفلسطينى، وإن كل هذه الممارسات لن تفلح فى النهاية فى تحقيق أهداف أصحابها.
■ البعض يتحدث عن تردى الوضع الأمنى فى غزة واحتمال إنهاء سيطرة حماس على القطاع ، فهل نحن مقبلون على انقلاب أمنى جديد؟ ومن الذى يقف وراء هذه الانفلاتات المتكررة؟ وما الذى يستهدفه بالتحديد؟ وما علاقة هذا بالهجمات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة ؟ وهل هى مقدمة لحرب شاملة على القطاع فىالقريب العاجل؟
- مما لاشك فيه أن هناك معاناة يومية فى غزة، بسبب الحصار وتأخير الإعمار والظروف القاسية، وهناك من يحاول تضخيم الصورة من زاوية تمنياته فى حدوث انهيار فى غزة، لكن هؤلاء واهمون، ونحن ستبقى أولويتنا إنهاء المعاناة الظالمة على شعبنا فى قطاع غزة من خلال كسر الحصار واستعادة الوحدة الوطنية، وكذلك إنهاء معاناة شعبنا فىالضفة، الذى يعانى من ضغط الاحتلال والاستيطان والتهويد، ومن ضغط التعاون الأمنى مع الاحتلال.
■ هل المقاومة الفلسطينية على استعداد للدفاع عن نفسها فى ظل الحصار على غزة؟ وهل هناك تنسيق بينها؟ وهل يستطيع الشعب الفلسطينى فى غزة أن يدفع ضريبة صمود أخرى لحرب جديدة على القطاع؟
- نحن لا نتمنى وقوع حرب جديدة ولا نسعى إلى حرب، ولكن إن فُرضت علينا فسنقاتل قتال الرجال وكما يقول الشاعر:
(إذا لم يكن غير الأسنة مركباً ... فماذا على المضطر إلا ركوبها)
فالحرب ليست خيارنا وأهلنا فى غزة عانوا الكثير، ونحن نسعى إلى أن تستقر أوضاعهم بعيداً عن الحصار، وبعيداً عن الانقسام.
■ ما موقف حماس إذا شنت إسرائيل حرباً على إيران أو على حزب الله وسوريا على خلفية الاتهامات الإسرائيلية لسوريا بتهريب صواريخ سكود لحزب الله؟
- حماس أولاً: ليست دولة عظمى حتى تُسأل هذا السؤال، ثانياً: نحن بالتأكيد ضد أى حرب إسرائيلية على أى طرف عربى سواء كان ذلك فى سوريا أو على حزب الله فى لبنان أو على طرف إسلامى مثل إيران، فإسرائيل عدو لنا جميعا، ثالثاً: نحن نقاتل على جبهتنا الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيونى، نعم نحن حلفاء لسوريا وإيران، ونعتز بدعمهما لنا وبموقف الإخوة فى حزب الله، ونحن وإياهم نلتقى على أرضية عدم الخضوع والاستسلام للبلطجة والهيمنة الإسرائيلية والتمسك بخيار المقاومة، لأنه الحق الطبيعى لمواجهة الاحتلال الإسرائيلى فى المنطقة، لكن كلاً منا يقاتل على جبهته وبقراره الذاتى.
■ القرار المتعلق بالقدس والخاص بتقديم خمسمائة مليون دولار للقدس من جانب القمة العربية هل يفى باحتياجات القدس والمقدسيين معا؟
- بالتأكيد لا، هذا المبلغ بالتأكيد قليل جداً قياساً بحجم المؤامرة على القدس، فالعدو الصهيونى يوظف إمكانيات الكيان، بالإضافة للدعم الصهيونى الخارجى وكذلك تبرعات المنظمات الصهيونية فى العالم من أجل إحكام القبضة على القدس واستكمال تهويدها، وتعميق الاستيطان فيها، وهدم المنازل والأحياء العربية فيها، وصولاً إلى جهودهم لهدم الأقصى وبناء الكنس اليهودية حول الأقصى كما جرى فى بناء كنيس الخراب، فهذا الجهد الصهيونى الهائل على مستوى الدولة والمستوطنين والمنظمات اليهودية لا يواجهه إلا جهد عربى وإسلامى متواضع ومبعثر، ولا يرقى إلى مستوى المسؤولية، فمجرد الحفاظ على الأحياء والمبانى العربية، خاصة فى البلدة القديمة وتثبيت أهل القدس وسكانها فى أماكنهم والمحافظة على المقدسات والأماكن التاريخية فىالقدس يحتاج لمليارات، فضلاً عن متطلبات الاستنقاذ والتحرير، وبالتالى المسؤولية كبيرة، وكذلك المطلوب ليس المال فحسب، صحيح الأمر يستحق الكثير من المال، ولكن نحتاج أيضاً لدعم سياسى وتبنى استراتيجية حقيقية من شأنها أن تواجه هذا المخطط الصهيونى، وأن تعمل على استعادة القدس والأقصى والأراضىالفلسطينية المحتلة.
■ دعنا لا نبتعد كثيرا عن هذا السؤال البعض يشكك فى كيفية وصول هذه الأموال للدفاع عن القدس، فهل أنتم مع هذه التشكيكات؟
- نحن لا نشكك، هناك قرارات كثيرة تؤخذ فىالقمم وفى اللقاءات العربية والإسلامية، ولكن السؤال: هل بالفعل يتم تنفيذ هذه القرارات؟
■ هناك دعوات متكررة من جانب السلطة الفلسطينية تطالب العرب بزيارة القدس ودعم المقدسيين فهل تعتبرون هذا تطبيعا؟
- بالتأكيد هذا تطبيع.
■ ولكن البعض يراه دعما سياسيا للفلسطينيين؟
- الدعم السياسى ليس هكذا، هناك من يريد تطبيع العلاقات وتفريغ عاطفة العرب والمسلمين نحو القدس بمثل هذه الزيارات. القدس والمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية تحتاج من العرب والمسلمين إلى دعم حقيقى، وإلى استراتيجية حقيقية للإنقاذ، أما مثل هذه الزيارات فى ظل تحكم إسرائيل فى القدس والمقدسات فهذا تطبيع وتفريغ للعواطف باتجاه خاطئ، ومحاولة لاختزال المسؤولية فى مثل هذه الخطوة المظهرية، ومن يشتق لزيارة القدس والمسجد الأقصى فليضاعف جهده لتحريرها أولاً ثم يزرها بعد ذلك.
■ هناك اتهام من السلطة الفلسطينية بأن حماس لم تشارك فىالوقفات الاحتجاجية فىالضفة الغربية بشأن القدس؟
- منطق مكشوف، السلطة تمنع الناس من التحرك وتقمع المظاهرات والاحتجاجات ثم تتهمهم بالتقاعس.
■ هل أنت مع انتفاضة فلسطينية ثالثة فى ظل رفض «فتح» الانتفاضة الثالثة بحجة أن الانتفاضات أضرت بالشعب الفلسطينى؟
- المهم بالنسبة لحماس أن تكون هناك مقاومة ونضال فلسطينى بصرف النظر عن الشكل، وذلك لمواجهة كل أشكال العدوان التى تمارسها إسرائيل بحق شعبنا المحتل، سواء كان هذا العدوان فى شكل استيطان أو تهويد للمقدسات، ومصادرة الأراضى ونزع الهويات، وحرق المساجد واقتلاع أشجار الزيتون، والتصدى لكل أشكال التغول التى يمارسها المستوطنون الإسرائيليون. ونحن نستنكر الوقاحة التى يتصرف بها بعض القادة الفلسطينيين من السلطة، الذين يجاهرون بأنهم سيمنعون أى انتفاضة أو رد فعل شعبى علىالسلوك الإسرائيلى المتغطرس.
■ هناك من يتهم حماس بالاستكانة لخطة دايتون فىالضفة الغربية، وأنها تقاعست عن الإبداع فى مواجهة الاحتلال وابتكار أساليب جديدة للمقاومة؟
- الشعب الفلسطينى لا يعرف الاستكانة أو التقاعس، والمقاومة الفلسطينية مثل النهر إذا ووجه بعوائق فى طريقه فإنه يتجاوزها ويواصل مسيرته. والضفة الغربية الآن تتكالب عليها ثلاث جهات، الأولى هى إسرائيل بكل ما تقوم به من إجراءات معروفة ضد الأرض والشعب، والثانية هى السلطة الفلسطينية التى تنسق مع إسرائيل ضد رجال المقاومة الفلسطينية، والثالثة هى الولايات المتحدة الأمريكية وجنرالها دايتون ومعه كل الدعم الأمريكى والغربى للكيان الصهيونى. وبلا شك فإن الأوضاع صعبة للغاية فى الضفة الغربية لكن المقاومة هى حالة من المد والجزر، هناك فترات تبدو هادئة، وهو هدوء مؤقت، لكن الشعب الفلسطينى سيواصل المقاومة ما دام هناك احتلال، وهو صاحب اختيار الوقت والطريقة الملائمين للرد على الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية.
■ البعض يتهم حماس بأنها قدمت تهدئة مجانية إلى إسرائيل، لماذا لم تطلبوا ثمناً لهذه التهدئة؟
- هذا استنتاج خاطئ لا يراعى الظروف التى يمر بها شعبنا الفلسطينى، خاصة فى قطاع غزة. فبعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة حاولت حماس -من خلال الوسيط المصرى الذى كان يتوسط بشأن التهدئة- رفع الحصار وفتح المعابر وإعادة الإعمار مقابل هذه التهدئة، لكن إسرائيل رفضت ذلك. ما زالت خياراتنا مفتوحة فى الضفة والقطاع.. وحق المقاومة موجود فى غزة ونمارسه طبقاً للظروف، وشكل المقاومة فىالقطاع يختلف عن شكلها فى الضفة حيث الاحتلال المباشر والاستيطان والتهويد.
■ عاد الحديث من جديد عن الخلاف بين حماس الداخل والخارج مع فشل صفقة شاليط؟
- الحديث عن الخلافات بين حماس الداخل والخارج أسطوانة مشروخة نسمعها منذ 20 عاما، هذه أمنيات أعداء حماس، أن يحدث انشقاق وخلاف، حماس لديها مؤسسات قيادية محترمة وتطبق منذ نشأتها مبدأ الشورى والديمقراطية وحرية الرأى على نطاق واسع داخل مؤسساتها القيادية. أما ما يتعلق بملف شاليط فإن القيادة المصرية تعلم كل التفاصيل، لأن نتنياهو قدم عرضاً فى البداية عبر الوسيط الألمانى ثم تراجع عنه بعد اجتماع حكومته المصغرة، وعندما قدم الوسيط الألمانى العرض المعدل رفضته حماس، نعم كانت هناك آراء متعددة أثناء تداول القرار، وهذا أمر طبيعى، لكن قرار الحركة فى النهاية كان رفض العرض الإسرائيلى، فإسرائيل هىالتى أفشلت الصفقة، كما لعبت الولايات المتحدة دوراً فى إفشال الصفقة خشية أن تؤدى إلى تقوية حماس وإضعاف محمود عباس.
■ الحديث كله يدور حول الوسيط الألمانى.. هل انتهى الدور المصرى؟
- مصر تعلم تماماً أن نتنياهو هو الذى طالب بدخول الوسيط الألمانى عندما جاء إلى السلطة وأراد أن يغير طريقة التفاوض بشأن الجندى شاليط، وقبل الوسيط الألمانى تقدم وسطاء كثيرون وكنا نقول لهم إننا لا نمانع فى وجود جهد آخر لكن بشرط أن يكون من خلال الوساطة المصرية.
■ وهل هناك جديد بشأن صفقة شاليط؟
- لا جديد.
■ يقال إن حماس خففت من شروطها لإنجاح الصفقة؟
- هذا غير صحيح، موقفنا واضح، ومطالبنا عادلة، ومازلنا متمسكين بها، ولا صفقة تبادل بدونها.
■ كيف تنظرون إلى دعوة الأمين العام للجامعة العربية حول حوار عربى مع دول الجوار؟
- ما يطرحه السيد عمرو موسى طرح سليم، لأن التعامل مع دول الجوار الإسلامى لا بد أن يكون بالحوار، نعم هناك خلافات بين بعض الدول العربية وإيران، لكن هذه الخلافات لا بد أن تعالج بالحوار وليس باستدعاء ضربة أمريكية لإيران، وليس مقبولاً الاتجاه نحو خلق عدو وهمى فى المنطقة هو إيران، عدونا واضح تماماً هو إسرائيل، إيران لها موقف داعم للمقاومة الفلسطينية واللبنانية وهى مشكورة عليه، أما الخلافات معها فى بعض القضايا فهذه تعالج بالحوار من ناحية، وبأن نكون أقوياء كعرب من ناحية أخرى، حتى يتحقق توازن إقليمى فىالمنطقة.
■ كيف تنظر إلى خطة سلام فياض للإعلان عن الدولة الفلسطينية فى أغسطس من العام القادم 2011؟
- خطة سلام فياض خطيرة للغاية، لأنه حَرَف للقضية الفلسطينية عن مسارها الحقيقى كقضية احتلال ومقاومة وتحرر وطنى، إلى مسار سلام اقتصادى.
■ ما حقيقة تركيز أبومازن عليك فى أحاديثه، واتهامه لك بأنك وافقت على حل الدولتين؟
- أنا لا أهتم بما يقوله الآخرون عنى، ويكفينى رصيدى عند الله سبحانه وتعالى ورصيدى عند شعبنا وأمتنا. وأما حقيقة هذا الموضوع فإن هناك مسؤولاً عربياً اتصل بى وقال إن الإخوة فى مصر مستعدون لإدخال تعديلاتكم علىالورقة المصرية بشرط موافقة حماس على ثلاثة بنود سياسية: حل الدولتين، وحدود 1967، والمبادرة العربية، وقال لى هذا المسؤول العربى إنه ربما سمع منى الموافقة على هذه البنود السياسية الثلاثة، فنفيت ذلك نفياً قاطعاً، فهذا لم يحصل قط، نعم نحن موافقون على دولة على حدود عام 1967 عاصمتها القدس بسيادة حقيقية مع إنجاز حق العودة، لكننا لا نقبل حل الدولتين لأنه يتضمن الاعتراف بإسرائيل، أما المبادرة العربية فالمشكلة الأساسية لدينا فيها هى مسألة الاعتراف بإسرائيل، لكننا فى حماس، كما قلناها سابقاً، لن نكون عقبة أمام التحرك العربى فى موضوع المبادرة، والذى عطل المبادرة ورفضها هو الطرف الإسرائيلى، فالمشكلة ليست عندنا وإنما عند العدو الصهيونى نفسه.