الحلقة الأولى من مراسلات كيسنجر: «الإخوان».. عصا «السادات» لضرب الناصريين

من بين أكثر من مليون ونصف مليون وثيقة سرية تخص الدبلوماسية الأمريكية فى السبعينيات، تبدأ «المصرى اليوم» بالتعاون مع ويكيليكس نشر المراسلات السرية بين سفارات أمريكا حول أنحاء العالم ووزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بشكل حصرى فى أفريقيا والشرق الأوسط.

وننشر الحلقة الأولى حسب الاتفاق مع «ويكيليكس» - الذى حصل على الوثائق- أُطلق على هذه الوثائق «مراسلات كيسنجر» فى إشارة لأستاذ العلوم السياسية الذى تولى وزارة الخارجية الأمريكية فى الفترة من 1973 إلى 1977 قبل أن يتولى منصب مستشار الأمن القومى فى حكومة ريتشارد نيكسون.

وتقدم المصري اليوم فى الحلقة الأولى وثيقة أرسلتها السفارة الأمريكية فى القاهرة بتاريخ أكتوبر 1975 إلى وزارة الخارجية الأمريكية، تكشف عن استخدام الإخوان والإسلاميين فى الجامعة لضرب وتفتيت القوى اليسارية والناصرية.

عقب سنوات من الإقصاء السياسى لجماعة الإخوان المسلمين فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى بدأ بعلاقة تحالف انهارت سريعاً، نحا السادات فى بداية حكمه إلى المناورة واستخدام الإخوان المسلمين كورقة سياسية يضرب بها التيارات اليسارية، ليمضى بخطى واثبة فى إنفاذ سياساته، وهو ما تكشف عنه وثائق ويكليكس، حيث تكشف المراسلة السرية التى تحمل الرقم 1976CAIRO04727_b بعنوان «الحكومة المصرية تشجع على ظهور يمين إسلامى»، التى أرسلتها السفارة الأمريكية بالقاهرة يوم 9 إبريل 1976 للقنصلية الأمريكية ببورسعيد، وكذلك وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن، وسفاراتها فى تل أبيب، وعمان، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وسوريا، عن قرار الحكومة المصرية تمويل وتأسيس كتلة يمينية تشمل جماعات التيار الدينى، لتبقى على المسرح السياسى فى مواجهة الكتلتين الناصرية والماركسية اللتين أشعلتا المشهد السياسى المصرى آنذاك.

يوضح السفير الأمريكى فى المراسلة أن رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية «توفيق عويضة» اتصل به فى أكتوبر الماضى «1975» ووجه له دعوة للزيارة، مشيراً إلى أن ذلك كان أول اتصال على الإطلاق بين السفارة الأمريكية وعويضة.

وتستعرض الوثيقة ما صرح به عويضة أثناء اللقاء، من أن الحكومة المصرية قررت تنظيم كتلة يمينية تصد بها الكتلة اليسارية والماركسية الناصرية التى تسببت فى نشوب حالة من الاحتقان السياسى بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية، التى رأوا قوانين السادات الانفتاحية سبباً فيها.

فى سياق حديثه أشار عويضة إلى أن الحوار مع الطلاب المتسببين فى حالة الاحتقان هو أفضل الحلول، وليس اللجوء للتعامل الأمنى كما حدث فى يناير 1975، حينما خرج الطلاب للتنديد بأوضاعهم المعيشية، تضامنا مع مظاهرات عمال حلوان والمحلة، موضحاً أن السادات يرى أن المجتمع المصرى متدين بطبيعته، ومن ثم فإنه لن يرفض المحتجون الحوار مع زملائهم من الشباب الجامعى ذوى المرجعية الدينية الذين تدربوا جيدا على استخدام الحوار، مضيفاً: «السادات على يقين بنجاح استراتيجيته خاصة أن عدداً كبيراً من طلاب الجامعة هم من غير المهتمين بالسياسة، والكثير منهم من الموالين لسياساته».

ووفقاً للوثيقة، ضرب «عويضة» مثالاً للتدليل على جهود بسط نفوذ التيار اليمينى الإسلامى لمناهضة نظيره اليسارى، بكلية الهندسة فى جامعة القاهرة، والمعروفة بنشاط الكتلة اليسارية فيها، حيث تقول المراسلة: «أغدق رجل الأعمال المليونير عثمان أحمد عثمان صاحب شركات الإنشاءات، والمعروف بخلفيته الإخوانية من ماله على الكلية وأنشطتها، مستعينا بخلفيته السياسية فى تعامله مع طلاب الكلية، كما تم استقدام المحاضرين من ذوى الانتماءات الدينية إلى الكلية، كان من بينهم محاضر أتى من السعودية، وآخر ينتمى لجماعة الإخوان، والذين أخرجتهم الحكومة المصرية خارج البلاد، وباتت هناك جلسات منتظمة تعقد فى الكلية لقراءة القرآن وتفسير معانيه، وتم إيقاف الجريدة الأسبوعية التى تصدرها الكلية زعماً بأن رئيس تحريرها لا ينتمى للكلية ولا يعمل بمهنة الصحافة، ولم تنطلق أى تظاهرات بالكلية لتندد بالحدث، رغم أن السبب الحقيقى للمصادرة هو الحوار المطول الذى أجرته الجريدة مع الكاتب محمد حسنين هيكل، وتم نشره على حلقتين».

وتضيف الوثيقة: «جهود الحكومة المصرية لدعم التيار الإسلامى لم تقتصر على الحرم الجامعى، بل امتدت لتشمل السماح بإصدار جريدة (الاعتصام) وهى جريدة إسلامية كانت تصدر شهرياً، وتم من خلالها إفساح المجال للترويج لمواقف وأفكار إسلامية متطرفة، كان من بينها تحذيرات عنيفة وجهتها الجريدة من ممارسة الأنشطة التبشيرية داخل مصر وفى العالم العربى، هذا إلى جانب إطلاق المحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية التى تدعو للعودة إلى تعاليم الإسلام».

وأشارت الوثيقة إلى أن «السياسة التى انتهجتها الحكومة المصرية على هذا الصعيد هى سياسة ذات حدين، فرغم أنها تحد من هيمنة الناصريين وتأثيرهم على الساحة، ولكن العودة مرة أخرى إلى الحركات السياسية التى تخرج من المساجد ستهدد مسيرة الإصلاح العلمانية التى خطط لها السادات ضمن أجندة الانفتاح الاقتصادى والسياسى والاجتماعى، فالغالبية العظمى من المصريين سيفضلون التعامل مع الغرب المسيحى على الشرق الملحد، ولكنهم فى الحين ذاته سيخشون الانصهار الثقافى الذى قد ينتج عن المسار السياسى والاقتصادى والاجتماعى الجديد الذى يسعى إليه السادات».

ووفق الوثيقة، فإن «عويضة علق على هذا التوجه المصرى بأن الحكومة المصرية، رغم سيطرتها على الوضع الأمنى، تستخدم الحقوق المشروعة، قاصداً حق التيارات الدينية فى المشاركة كأدوات تسيطر بها على الأوضاع الداخلية وإدارتها ما قد قد يجعل الدواء أخطر من الداء».

وتقول الوثيقة إن: «عويضة أصبح وفق منصبه ووفق توجه الحكومة المصرية الجديد هو المسؤول عن رعاية شؤون الشباب المصرى، ولكنه لا يزال فى حيرة من أمره بشأن الاقتراب الأنسب لأداء مهمته الجديدة». وعلى جانب آخر، تشير المراسلة الأمريكية إلى موقف المملكة العربية السعودية التى قالت «إنها ترحب بتبنى الحكومة المصرية مبادرة تخصيص برنامج أو مشروع سياسى للشباب المسلمين فى مصر، إلا أنها فى الوقت ذاته متخوفة من تخبط (عويضة) وعدم قدرته على تحديد الاقتراب التنظيمى الذى سيسير البرنامج وفقه».

واستعرضت الوثيقة التقسيم الذى وضعته السفارة السعودية بالقاهرة لليمين الإسلامى فى مصر، حيث صنفتهم إلى ثلاثة تيارات: «الصف الإخوانى القديم، ومعظمهم يعيش خارج مصر، والنخبة المثقفة التى تتراوح أعمارها ما بين 30 و40 عاماً ومعظمهم يشغل مناصب عليا بالهيكل الإدارى للدولة، وتأتى بعدهم الشريحة الأكبر من شباب المسلمين المثقفين وغير المنتمين لتنظيم إسلامى بعينه، وهؤلاء الذين ينبغى التخطيط لـ(توجيههم)، خاصة أن جزءاً كبيراً منهم لا ينتمى إلى الطبقة العمالية الكادحة، وإنما ينتمى إلى الطبقة المتوسطة، التى يمكن اجتذابها وتوجيهها».

وتضيف الوثيقة: «ترى الحكومة السعودية أن الحكومة المصرية شقت لنفسها طريقا لا تدرى مدى وعورته، وأنها أفسحت المجال للعديد من القضايا الخلافية التى سيصعب عليها حسمها أو معالجتها، ورغم ذلك فإنها تعلم فى الوقت ذاته أن الحكومة المصرية تسعى إلى تطبيق اقتراب شامل يمكنها من السيطرة على النخبة اليمينية الجديدة».