أحتفل العالم أمس الجمعة بالذكرى الـ 30 لرحيل المخرج العالمي «ألفريد هيتشكوك» الذي لا تزال بصماته باقية ومؤثرة في السينما الأمريكية والعالمية، كما أن تيار الإثارة والتشويق الذي برع فيه لا يزال مسيطر على غالبية أفلام هوليود.
نجح المخرج بريطاني المولد، أمريكي الجنسية في اعتماد توليفة بسيطة للغاية قوامها الحبكة البوليسية، البسيطة، مما جعل القائمين على هوليوود يعتبرون أعماله وسيلة ترفيه أشبه بوجبة خفيفة سهلة الهضم. كما أصبح مع الوقت يقدم مفاجآت متوقعة حيث يظهر المجرم في نهاية الفيلم كأبعد شخص ممكن أن يرتكب الجريمة فيتحول الفتى الطيب إلى قاتل يقتل ضحيته بمنتهى الشراسة.
إلا أن النقاد الذين قرأوا ما بين السطور وجدوا أن الأمر لم يكن عند «هيتشكوك» بهذه البساطة والسطحية، بل كان يحمل أبعادا نفسية وتعقيدات جنسية نتيجة تجارب شخصية. وتمكن «هيتشكوك» بعبقريته من نقل السينما إلى عصر جديد من الإثارة والتشويق بل إلى حالة جديدة من الرعب النفسي حيث نجح في وضع المشاهد في حالة تأهب للمفاجأت المتلاحقة ولا يتمكن من التقاط أنفاسه إلا مع المشهد الأخير.
وقدم «هيتشكوك» للسينما العديد من الأعمال الفنية التي تعد علامة بارزة في تاريخها وترك بصمة واضحة، كما أنه واحد من المخرجين القلائل الذين ارتبط الفيلم باسماءهم وليس بأسماء نجومه.
دخل «هيتشكوك» الفن السابع في بادئ الأمر كمصمم للوحات الحوار التي تعرض على الشاشات الجانبية لتخفيف حدة الصمت في عصر السينما الصامتة في العشرينات، ثم أخذ يتنقل بين الاستديوهات المختلفة محاولا اكتساب العديد من الخبرات وهذا ما حدث بالفعل، فعمل في تصميم الدعاية والديكورات، ثم كمساعد في كتابة السيناريو والإخراج. وبدأ «هيتشكوك» مرحلة الإخراج السينمائي عندما قدم فيلمه الأول في الخامسة والعشرين من عمره وكان هذا الفيلم بعنوان "حديقة السرور"، ثم توالت أعماله الفنية بعد ذلك في الفترة مابين عام 1925-1930 وجمعت أفلامه بين العديد من الموضوعات وشملت أيضا أفلام الإثارة والتشويق.
وفي بداية الثلاثينات بدأت شهرة ألفريد هيتشكوك كمخرج سينمائي متألق لأفلام الإثارة والتشويق حيث قدم أفلام مثل «الرجل الذي عرف أكثر من اللازم»، «الدرجات التسع والثلاثين»، «العميل السري»، «تخريب»، «شباب أبرياء»، «اختفاء سيدة».
انتقل بعد ذلك إلى هوليوود عام 1940، حيث بدأ مشواره بفيلم «ريبيكا» والذي كان البداية لمرحلة جديدة من الازدهار والتألق بالنسبة له وأصبحت أفلامه تحظى بشهرة عالمية وتجتذب العديد من جماهير السينما على مستوى العالم ككل.
قدم «هيتشكوك» للسينما العالمية رصيدا ضخما يتجاوز الخمسين فيلما روائيا في حياته المهنية التي امتدت لستة عقود من أبرزها وأكثرها جماهيرية حتى الآن «النافذة الخلفية»، و«نفوس معقدة»، «الرغبة القاتلة»، «سايكو» والذي أعيد تقديمه في التسعينييات ولكنه جاء نسخة باهتة لا تقارن بنسخة هيتشكوك، ثم تحفته «الطيور» التي تمثل قمة الرعب والإثارة.
تميز أسلوب «هيتشكوك» بلمسات الأناقة الفنية الخاصة التي تتجلى في الموضوع والسيناريو، والموسيقى والمونتاج بالإضافة لأسلوب الإضاءة وحركة الكاميرا والتصاعد الدرامي حتى يصل بالأحداث لذروتها، مركزا على النواحي النفسية والمشاعر المختلفة لدى أبطال العمل الفني.
وحصد «هيتشكوك» عدد كبير من الجوائز ولكن لم ينل أي من جوائز الأوسكار حيث رشح فقط لست جوائز منها كأفضل مخرج، ورشح أيضا لعدد من جوائز مهرجان «كان» وجوائز «إيمي»، وفاز «هيتشكوك» بعدد كبير من الجوائز مثل «الجولدن جلوب» و«السعفة الذهبية» كأفضل مخرج ومنتج، والأسد الذهبي من فينيسيا. ووصفه السينمائي الفرنسي المشهور «فرانسوا تروفو» كواحد من أهم الكتاب العالميين وذلك على الرغم من أن «هيتشكوك» لم يكتب سيناريو أو رواية كاملة بمفرده.
ويسلط الكاتب الأمريكي «دونالد سبوتو» في كتابه «نساء هيتشكوك» الضوء على جوانب خفية من حياة المخرج الشهير في تفاصيل حول علاقاته ببطلاته من كبار النجمات أمثال «جريس كيلي» و«تيبي هيدرين»، حيث يقول أن «هيتشكوك» لو عاش في وقتنا هذا لحوكم بتهمة التحرش الجنسي، وذلك في إشارة لعلاقاته بالممثلات الذي احتفظ نحوهن بحالة من الحب جمعت بين الإجبار والاحتقار. و«سبوتو» هو أيضا مؤلف لكتابين عن المخرج الراحل بعنوان "فن ألفريد هيتشكوك" وكتاب "ألفريد هيتشكوك: الوجه الخفي للعبقري"، قد لفت الانتباه في كتابه الجديد إلى صمت هيتشكوك عن علاقته بالممثلين طوال مشوراه الفني الحافل. وقال أن الممثلة الأمريكية الشهيرة «تيبي هيدرين» بطلة فيلمي «الطيور»، و«مارين السارقة»، كانت من أكثر الممثلات اللاتي عانين من تصرفات «هيتشكوك» السادية.