مؤرخ بريطاني: «الإخوان» جماعة «خطرة» وسيطرتها على مصر «كارثة» (حوار)

كتب: اخبار الخميس 28-03-2013 21:15

حذر الأستاذ المتقاعد لدراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون في الولايات المتحدة، برنارد لويس، من سيطرة جماعة الإخوان المسلمين، على أنظمة الحكم في البلاد العربية، ووصفها بـ«الجماعة الخطرة»، وقال إن نتائج سيطرتها على مصر «كارثية»، وستجر البلاد العربية الأخرى إلى الغوص فى أوحال القرون الوسطى، على حد تعبيره.

وأضاف «برنارد لويس» في حواره مع جريدة «الشرق الأوسط» الأربعاء، أن التفكير فى الشرق الأوسط وفق المفاهيم الغربية سيؤدى إلى كوارث، وإلى نص الحوار:

■ ما تنبؤاتك للعالم العربى بعد «الربيع العربى»؟

- لا أعتقد أنه يجوز أن ينتظر من المؤرخ أن يتنبأ بالمستقبل بقدر من المعقولية، ولكن هناك أموراً معينة يستطيع المؤرخ فعلها، ويجب عليه أن يفعلها، فهو يستطيع إدراك الاتجاهات، وبمقدوره أن يرى ماذا كان يحدث، وماذا يحدث الآن؟، وبذلك يلحظ التغيرات والتطور، ومن ذلك يتيّسر له أن «يصوغ»، ولا أقول يتنبأ بالسيناريوهات الممكن حدوثها، والأشياء التى يمكن أن تمضى فى هذا الاتجاه أو ذاك بالطبع سيكون من السهل دائماً التنبؤ بالمستقبل البعيد، ولكن ليس المستقبل القريب.

■ إذن الاحتمالات التى ترى أنه من الممكن أن تنبعث من «الربيع العربى»؟

- إلى حد ما أنا متفائل بما يجرى. تطور الديمقراطية عمل بطىء وصعب. لا بد أن نكون صبورين، ونعطى الديمقراطية الناشئة الفرصة لكى تنمو. فى الغرب نعطى أهمية كبرى للانتخابات، معتبرين أن الالتزام بالانتخابات هو أنقى تعبير عن الديمقراطية - ذروة العملية الديمقراطية.

يعتقد كثيرون أن العرب يريدون الحرية والديمقراطية، ونحن فى الغرب نميل إلى التفكير فى الديمقراطية طبقاً لمقاييسنا الخاصة.

هذا أمر طبيعى وعادى، وهنا أقصد الانتخابات الدورية، غير أنه من الخطأ أن نفكر فى الشرق الأوسط طبقاً لهذه المفاهيم التى يمكن أن تؤدى إلى نتائج كارثية، كما شاهدنا بالفعل فى أماكن كثيرة. «حماس» مثلا لم تؤسس نظاماً ديمقراطياً عندما وصلت إلى السلطة، من خلال انتخابات حرة ونزيهة.

■ لماذا تعتقد أن الأحزاب الدينية تمثل انتكاسة محتملة فى الطريق إلى الديمقراطية؟

- الإسلام السياسى يتغير عبر الزمن، ولكن ليس بالضرورة إلى الأفضل. إن الاندفاع نحو الأسلوب الغربى فى الانتخابات، بمعزل عن تقديم حلول لمشاكل المنطقة، يزيد من خطورة هذه المشاكل، ولذا أنا أخشى جاهزية جماعات الإسلام السياسى الراديكالى لاستغلال هذا المسار من دون هداية ورشد، فى انتخابات حقيقية حرة ونزيهة من المرجح أن تفوز بها الأحزاب السياسية الراديكالية.

لدينا أرقام متعددة من الدوائر الانتخابية تشير إلى التأييد المحتمل لجماعة الإخوان المسلمين، وهى جماعة خطرة جداً، والنتائج يمكن أن تكون كارثية على مصر. إننى أتخيل وضعاً تستطيع فيه جماعة الإخوان ومنظمات أخرى من النوعية نفسها أن تسيطر على مزيد من الدول العربية. أنا لا أقول إن ذلك سيحدث حتماً، بل أقول إن مثل هذا الاحتمال غير مستبعد ألبتة. وإذا حدث ذلك فستغوص هذه الدول تدريجيا فى أوحال القرون الوسطى.

■ ما الطريق الذى ترى أن على الشرق الأوسط السير فيه؟

- أفضل مسار هو السير بالتدريج فى تنمية الديمقراطية، ليس عبر الانتخابات العامة، بل من خلال القوى المدنية وتقوية الإدارات المحلية. هناك تراث حقيقى لذلك فى المنطقة. هناك تقاليد إسلامية لا علاقة لها بالأفكار التى ترفعها جماعة الإخوان المسلمين اليوم، على سبيل المثال مفهوم «الشورى» وهو أحد أركان الحكم فى العالم الإسلامى قديماً، ستجد أن مفهوم الشورى يختلف فى ممارسته عن تفسيرات «الإسلام السياسى» له اليوم بوصفه تعبيراً عن الديمقراطية.

■ ذكرت من قبل أن الغرب كثيراً ما يسىء فهم الفارق بين «الحرية» و«العدالة» فى سعيه لدعم التغير الديمقراطى فى العالم العربى.. فما الفرق بين المصطلحين فى مفهومك؟

- فى الغرب نحن نتكلم طول الوقت عن الحرية، ولكن فى العالم الإسلامى الحرية ليست مصطلحاً سياسياً.. إنها مصطلح قانونى.. الحرية مقابل العبودية. فى الماضى كانت العبودية مؤسسة مقبولة فى العالم الإسلامى كله.. أنت تكون حراً ما لم تكن عبداً. كانت الحرية مصطلحاً قانونياً واجتماعياً من دون دلالات سياسية من أى نوع. تستطيع أن ترى فى النقاش باللغة العربية ولغات أخرى، الحيرة التى قوبل بها فى البداية هذا المصطلح «حرية».

ببساطة لم يفهموا هذا المصطلح، وتعجبوا من أن يكون له صلة بالحكومة، وفى نهاية الأمر وصلتهم الرسالة، غير أنها ما زالت غريبة على البعض. فى المصطلحات الإسلامية، العدل هو المقياس للحكومة الرشيدة، وأقرب كلمة عربية لمفهومنا عن الحرية هو كلمة «العدل» «Adl»، والتناقض الحاد ليس بين الحرية والطغيان، وبين الحرية والعبودية، ولكن بين العدل والقمع، وبين العدل والظلم، من هذا المنظور تستطيع أن تفهم آليات التفكير السياسى فى العالم الإسلامى.

■ كيف يمكن للغرب أن يستجيب بشكل أفضل لما يحدث من تغييرات فى العالم العربى؟

- ما يشعرنى بالضيق الآن حول الشرق الأوسط ليس ما يقال فى الأوساط الإعلامية والأكاديمية، بل السياسات التى تطبق على الأرض... نواجه لحظة نحن عاجزون فيها عن التأثير فى الأحداث. إننا نرسل الإشارات الخطأ، فعلينا أن نكون واضحين وأشد إصراراً على الحاجة إلى الحرية فى الشرق الأوسط وعن رغبتنا فى مساعدة أولئك الذين يعملون من أجلها.. هناك سؤال عن نوع الديمقراطية التى تصلح للعالم العربى.

هناك وجهات نظر مختلفة: الأولى التى يطلق عليها أنها متعاطفة مع وجهة النظر العربية تقول: هؤلاء الناس ليسوا مثلنا ولديهم طرق مختلفة، وتقاليد مختلفة، فعلينا أن نعترف بأنهم عاجزون عن إقامة ديمقراطية تشبه ما لدينا، ولذلك يجب أن يكون الهدف لسياستنا هو الحفاظ على الاستقرار والتأكد من أنهم يعيشون تحت حكم طغاة أصدقاء، أو على الأقل ليسوا معادين لنا.

وجهة نظر ثانية تقول: هؤلاء هم ورثة حضارة قديمة، ولقد مروا بأوقات سيئة غير أن لديهم فى مجتمعاتهم عناصر ستساعدهم، وبالتالى علينا أن نغذى هذه العناصر من أجل نمو شكل من أشكال الحكومات المتوافق عليها، ولو بشكل محدود، وذلك من خلال تقاليدهم الثقافية. أعتقد أن ذلك يظهر احتراماً أكبر لطموحات وآمال أهل المنطقة.. فى أوقات التحول. ربما ساعدت الأفكار الغربية على التسريع بحدوث الأزمات، مثل حرب السويس 1956، وحديثاً فى «الربيع العربى» 2011، ولكن الناس هم أنفسهم سيكونون القادرين على حل هذه الأزمات.

■ فيما يختص بمستقبل المنطقة، بعد مائة سنة تقريباً من اشتباكك معها، ما التحديات التى ترى أنها ستواجهها فى الحقب المقبلة؟

- أعتقد أن الشرق الأوسط يواجه مشكلتين حرجتين: الأولى كما ذكرت سابقاً، صراع أفكار وهويات. ووثيق الصلة بذلك البترول عندما يكف العالم عن اعتباره مصدر الطاقة الأساسى فى الاقتصاد العالمى.. حجم صادرات العالم العربى كله، طبقا لإحصاءاتهم، أقل مما تصدره فنلندا، وهى بلد أوروبى صغير.. سيستهلك البترول أو تحل محله مصادر جديدة للطاقة، عندها سيكون لديهم لا شىء تقريباً.

■ ما انطباعاتك عن بشار الأسد؟ وماذا ستكون عليه الطائفية فى سوريا؟

- الأسد رئيس عرضى... لم يكن مفترضاً به أن يكون رئيساً، كان من الأفضل له أن يكون لندنياً «أحد سكان لندن». لقد لاحظت أنه عبر التاريخ عندما تعيش الأقليات تحت التهديد، بدلاً من أن تتجمع معا، كانوا يستخدمون لضرب بعضهم ببعض.

«لويس».. المؤرخ المتهم بالتحريض على غزو العراق.. فبرنارد لويس، الأستاذ المتقاعد لدراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون الشهيرة فى الولايات المتحدة، الأستاذ السابق فى معهد الدراسات الشرقية، والأفريقية بجامعة لندن، المؤرخ المثير للجدل فى العالم العربى منذ الستينيات، هو من جيل الأكاديميين الذين درسوا العالمين العربى والإسلامى، وألف كثيراً من الكتب التى لقيت حفاوة وأصداء نقدية كبيرة، بالإضافة لكونها أكثر الكتب مبيعاً، إلا أن عدد الكتب التى ترجمت إلى العربية له لا تعد على أصابع اليد الواحدة، وموقفه من حرب العراق 2003، حين قدم استشاراته للبيت الأبيض والتى عدّها البعض تحريضاً على الغزو، إلا أن «لويس» ينفى كلتا التهمتين.

ومن بين أشهر مؤلفات «لويس» كتابان تصدرا كلٌ فى حينه قائمة «نيويورك تايمز» هما: «ما الذى حدث خطأ؟» What Went Wrongو«أزمة الإسلام» Crisis of Islam، أما كتابه «الشرق الأوسط: ملخص مختصر للألفى سنة الأخيرة» فقد تصدر قائمة «فورن أفيرز» الأميركية لأكثر من عام، وكان الأول فى التقدير النهائى لدائرة النقاد الذين درسوا هذا الكتاب. ولكن يبقى كتاباه «انبثاق تركيا الحديثة» و«الحشاشون» أبرز عملين لدى تلاميذه وخصومه فى آن واحد.