لم تعد عمليات «الدولرة» حكراً على السوق السوداء وشركات الصرافة، بعد أن عرفت طريقها إلى ودائع المواطنين فى البنوك المحلية، إذ اتجه البعض إلى تحويل ودائعه بالجنيه إلى الدولار، تخوفاً من توقعات بهبوط أكثر للجنيه أمام العملة الأمريكية، وتآكل الودائع لأقل من قيمتها.
وتبدو عمليات «دولرة» الودائع واضحة من خلال تقرير البنك المركزى لشهر يناير الماضى، الذى كشف عن ارتفاع حجم الودائع الدولارية بالقطاع المصرفى إلى 218 مليار جنيه، مقابل 197 ملياراً فى نوفمبر الماضى. وفى الوقت الذى رفض فيه هشام عزالعرب، العضو المنتدب للبنك التجارى الدولى، الكشف عن حجم الزيادة فى الودائع الدولارية لدى مصرفه، أكد أن «دولرة» الودائع ظاهرة طبيعية، فى ظل الارتفاعات المتزايدة فى أسعار صرف الدولار أمام الجنيه.
وقال «عزالعرب» إن حجم الزيادة فى تحويل المودعين ودائعهم من الجنيه إلى الدولار ليس كبيراً أو مثيراً للمخاوف، لكن ينبغى أخذه بعين الاعتبار.
وأضاف أن الضوابط التى اتخذها محافظ البنك المركزى هشام رامز، فور توليه المنصب بشأن أولويات الحصول على الدولار من البنوك، ساهمت فى تخفيف حجم تراجع الجنيه فى أسواق الصرف أمام العملة الأمريكية، لافتاً إلى أن الجنيه لم يتراجع أمام الدولار سوى بنحو 3 قروش خلال شهر فبراير الماضى.
وأرجع هشام عكاشة، نائب رئيس البنك الأهلى، الزيادة فى الودائع الدولارية، التى تزامنت مع أزمة نقص المعروض من العملة الأمريكية إلى 3 أسباب، أولها تحويل بعض المودعين ودائعهم بالجنيه إلى دولار، وأن أرقام الودائع المعلنة من جانب «المركزى» يتم الكشف عنها بالجنيه، وبالتالى فإن حجم الزيادة فى الودائع الدولارية يمكن إرجاعه إلى الفارق فى أسعار صرف الجنيه أمام الدولار، منذ بداية الارتفاعات المتتالية له فى ديسمبر الماضى، وبالتالى الفرق بين سعر تقييم الوديعة الدولارية بالجنيه أصبح مرتفعاً.
وأرجع «عكاشة» السبب الثالث لزيادة حجم الودائع الدولارية إلى أن المصريين فى الخارج يحولون ما بين 30٪ و35٪ من العملة الصعبة إلى الجنيه، مع الاحتفاظ بالنسبة المتبقية فى صورة ودائع دولارية. وارتفعت تحويلات العمالة المصرية بالخارج إلى 19.5 مليار دولار نهاية 2012، مقارنة بـ12.5 مليار فى 2011، وهبط الجنيه نحو 10٪ من قيمته فى أسواق الصرف المحلية، منذ بداية العام الحالى. ولم يتمكن البنك المركزى من السيطرة على تراجعات الجنيه أمام الدولار على الرغم من تطبيقه آلية العطاءات لبيع الدولار للبنوك بشكل يومى، خلال فترة المحافظ السابق الدكتور فاروق العقدة، وبعد تعيين هشام رامز محافظاً، مع تقليص عدد العطاءات اليومية إلى 3 أسبوعياً.
وحاول «المركزى» مقاومة «الدولرة» خاصة الودائع، واجتمع هشام رامز مع رؤساء البنوك العامة «الأهلى ومصر والقاهرة»، وأصدر تعليمات شفهية بضرورة زيادة أسعار الفائدة على الودائع بالجنيه، لتصل إلى 12.5٪ سنوياً، بهدف إغراء المودعين، وجذب شرائح أخرى تحتفظ بمدخراتها فى المنازل.
وأشار منير الزاهد، العضو المنتدب لبنك القاهرة، إلى أنه سواء كانت الودائع بالجنيه أو الدولار، فإنها تصب فى صالح القطاع المصرفى. وقال «الزاهد»: «البنوك لا تستطيع منع عملائها من تحويل ودائعهم إلى الدولار»، لافتاً إلى أن «الدولرة» ستتوقف فور تعافى الاقتصاد واستعادته قوته. وأكدت بسنت فهمى، الخبيرة المصرفية، إيجابية زيادة حجم الودائع الدولارية بقولها: «هذا معناه زيادة السيولة بالعملة الأجنبية بالبنوك». وأضافت أن بعض المواطنين كانوا يفضلون إيداع مدخراتهم فى خزائن بالبنوك، مقابل إيجار شهرى قدره 50 جنيهاً، ومع ارتفاع الدولار أمام الجنيه قررت هذه الشريحة إيداع مدخراتها فى الدولار - الملاذ الآمن للاستثمار، وبالتالى ظهرت هذه الأموال فى صورة ودائع.