هل جاء أوان عودة الملكية الفكرية إلى أصولها الأولى؟

كتب: اخبار الأحد 11-04-2010 15:33

حينما قرر البرلمان البريطاني في عام 1709 أن يسن قانونا لحماية الكتب من جرائم القرصنة وسرقة الأفكار، شعر الناشرون و الكتاب في لندن بفرحة غامرة لهذا الإجراء الذي يكفل حمايتهم. و حينما أعطت الملكة "آن" موافقتها في العاشر من إبريل من العام 1710على قانون يشجع الإقبال على التعلم، أصاب الفتور حماس هؤلاء. لقد أعطى البرلمان الحق للناشرين والكتاب في الملكية الحصرية لأعمالهم، و لكن لفترة محددة من الزمن:21 عاما للكتب التي نشرت بالفعل، و 14 عاما للكتب الجديدة، يضاف إليها 14 عاما أخرى اذا كان الكاتب لا يزال على قيد الحياة بعد انتهاء المدة الاولى. بعد انتهاء تلك الفترة الزمنية، تتحول الأعمال المكتوبة الى ملكية عامة يحق لأي شخص أن يعيد إصدارها. وكانت نية المشرع من وراء مثل ذلك القانون هو خلق توازن ما بين حافز الابداع واهتمام المجتمع بتوفر حرية الاطلاع على المعارف والفنون. لذا، فقد ساهم قانون الملكة "آن" في إثراء و تمرير فيضان الابتكار الذي تمتع به رواد حركة التنوير ومن تلاهم.

ولكن ذلك التوازن شهد تغيرا على مدار الخمسين عاما الاخيرة، فبفضل المدافعون عن حقوق صناع وسائل الترفيه، اتسعت رقعة الحقوق الملكية وزادت مدتها. ففي الولايات المتحدة، و طبقا لقانون صدر في العام 1998، أصبح للمبدعون حق الملكية الفكرية لأعمالهم لمدة 95 عاما، وهو القانون الذي سخر منه النقاد فوصفوه بقانون "حماية ميكي ماوس". بل إن هؤلاء المبتكرون لا يزالون يطالبون بالمزيد من الحقوق، وهناك اتجاه في اوروبا لسن قوانين مماثلة.

ثمة ضرورة لمحاربة ذلك التوجه، علينا أن نستعيد التوازن الذي كان موجودا في الماضي. يقول البعض إن مد فترة حماية الملكية الفكرية للعمل تزيد من الحافز على الابداع. ويبدو أن الدخول في عصر التكنولوجيا الرقمية يقوي من تلك الحجة؛ فنظرا لسهولة الحصول على نسخة من العمل بفضل تلك التكنولوجيا، صارت هناك في المقابل مطالبات متزايدة بحمايته. بل إن الدعوة الى تمديد فترة التمتع بالحقوق الفكرية تحمل جانبا أخلاقيا، فالملكية الفكرية تشبه العقار، خاصة إذا كان ملكا لك، وليس ملكا لمؤسسة مجهولة. فالناس حين تملك بيتا، خصوصا اذا كانوا هم من قاموا ببنائه، يسعون للحفاظ عليه أطول فترة ممكنة حتى ينقلوا ملكيته الى ورثتهم. ومن هذا المنطلق، تصبح الملكية شيئا أبديا، مما يجعل تمديد حق الملكية بشكل منتظم أمرا منطقيا لتحقيق تلك الاستمرارية.

وبالرغم من ذلك، فان القول بأن تمديد فترة الملكية الفكرية تساعد على الابداع هو زعم يخضع للتساؤلات. الكتاب والفنانون في عمومهم لا يطلعون على القوانين الخاصة بالكتب قبل أن يشرعوا في تنفيذ أعمالهم. وغالبا ما تؤدي حقوق الملكية الفكرية
طويلة الأمد الى الحد من تأثير وانتشار العمل الإبداعي بدلا من أن تشجعه. فقد يكون من الصعب التوصل إلى صاحب العمل للحصول منه على إذن لإعادة استخدام ابداعاته، مما يجعل الكثير من المحتوى والإبداع ينتهى إلى معضلة قانونية (في حالة الأفلام والتسجيلات القديمة، والتي تترك لمدة طويلة حتى تتدهور حالتها، تعتبر محاولة نسخها بهدف الحفاظ عليها نوعا من التعدي). بل إن العقوبات الموقعة على التعديات الناجمة عن الإهمال تتسم بالقسوة لدرجة أن المبدعون يضطرون الى فرض حماية ذاتية على أعمالهم. كما إن الدخول في عصر التكنولوجيا الرقمية ليس مبررا لتمديد تلك الحقوق. قد تكون هناك ضرورة جزئية الى حماية الحقوق الفكرية لتغطية تكاليف إصدار وتوزيع الأعمال الإبداعية، ولكن التكنولوجيا تخفض تلك التكاليف، وبالتالي تنتفى الحجة المثارة ضدها.

أما عن الجانب الأخلاقي، والذي يسهل التعاطف معه، فهو يجعل المبدع كشخص أعد كعكة ثم أكلها بمفرده. لقد كانت الحقوق الفكرية في الأصل نتاج احتكار مؤقت -مدعوم حكوميا- لعملية الطبع، و ليس احتكارا لحق الملكية نفسه. ومنذ العام 1710، تضمنت مسالة الملكية الفكرية تنازل صاحب العمل أو الناشر عن حقه الطبيعي والأبدي مقابل حماية الدولة لإبداعاته، ولايزال هذا هو الحال. و لكن المسألة تكمن في كيفية تحقيق ذلك بشكل عادل. ففي الوقت الحالي، تنحاز القواعد التجارية لجانب الناشرين بشكل شديد. وقد تبدو العودة إلى قانون الملكة "آن" أمرا تعسفيا بأكثر من صورة، ولكنها لن تكون غير منطقية. ولو كنا سندعم الفترة الطويلة لحقوق الملكية، فليكن ذلك على أساس متجدد، وليس بأن يحبس العمل عن العامة بشكل آلى. إن القيمة التي يوليها المجتمع للإبداع تجعل من الضروري أن تتسع رقعة الاستفادة العادلة من العمل الابداعي، و تخفيف العقوبة المشددة ضد التعديات الناجمة عن الإهمال.

كل ذلك لن يتعارض مع تنفيذ قوانين حقوق الطبع، والتي تبقى أداة حيوية في عملية التشجيع على التعلم، ولكن مثل تلك الأدوات ليست غاية في حد ذاتها.

عن الايكونومست 10/4/2010