الدائرة لا ترى الفرد، الفرد لا يرى الدائرة.. وتحت ثقل ضاغط بأثر الذكريات، وأطلال الخراب، تحيا شخصيات هلال شومان الست فى روايته الثانية «ليمبو بيروت، والصادرة في يناير الماضي».
ويلتقط «هلال»، الذي ولد في بيروت، 1982، نفسَ جيل لم ير الحرب الأهلية اللبنانية، يتجاهلها بحثًا عن ذاته داخل واد بيروت الضيق، لكن «الحرب» التي صارت «أحداث»، لازالت حاضرة تدير اللعبة، وتنتظر الانفجار.
لا تستطيع شخوص «هلال» الهرب من قدر «اللحظة الفارقة» كما عنون الفصل الأخير في روايته، التي يتساءل فيها طبيب المشرحة: «هل عليه أن يميت جثة المسلح» الميت أصلاً كي «يتابع حياته»،«يدفن الموت الذي شاهده».
الهوية الفردية لأفراد رواية «ليمبو بيروت» تبدو دائما مخفية، تمارس حياتها في الظل بعيدًا عن الأعين، متحايلة على رقابة السلطة بأشكالها، فشخصية «وليد» تخفي تصوره عن الذكورة، عن تأثيث بيته، عن اختياره لكليته، وعمله في مقابل تصورات الأسرة.
يمارس «وليد» كل شىء في الظل، ينعكس ذلك في دقته التي تتوخى «تنظيم الأمور» حد المرض في مواجهة «الحياة غير المنظمة»، التي آلت إليها بيروت.
والمسلح «رامي المقعد»، والذي يتقاطع مصيره مع مصائر شخصيات الرواية، يظهر في ثلاث مشاهد دالة حيث تنعقد الرواية ومصائر أبطالها: «المشهد الأول وهو يشهر بندقيته في وجه (وليد)، الذي يرسم الجرافيتي على الحوائط، وسنعرف فيما بعد أنه كان يرغب بالقبض عليه استعادة مجد زائف كمسلح سابق، والمشهد الثاني وهو يصطدم بعربة الكاتب الذي يبحث عن روايته، والثالث وهو جثة تحتاج إلى الموت مرة أخرى».
ترتيب «الفوضى» هو نفس هاجس الكاتب الذى يبحث عن قصته، المتزوج من فتاة يابانية، يعتقد أنها قد تكون قصته، بينما يعتقد مرة أخرى أنه وجد قصته عندما عاد إلى بيروت لكنها تضيع منه عندما ينسى حاسبه الشخصي في الفندق.
وتحت ضغط إلحاح الأسرة تتزوج «سلوى» من مثلي الجنس في اتفاق ضمنى أن يتجاوزوا إلحاح الشكل الاجتماعي المفروض، فتهرب من ضغط هجرها للموافقة على حياة لم تخترها إلى هوايتها «حل الكلمات المتقاطعة».
الشخصية الأخيرة هي طبيب المشرحة، الذي يبدو بمنولوجاته وصداقاته لجثثهم كـ«حارس موتى»، فيجعل «هلال» الموت هو «السيد» المسيطر على أحلام الأحياء.
وتعريف كلمة «ليمبو» وفقًا للرواية أنها «موطن أرواح محرومة من دخول الجنة لذنب لم تقترفه، لكنها تنعم فيه بالسعادة بأشياء بسيطة كالنبيذ والمحادثات البشرية تمامًا».
شخصيات «ليمبو بيروت» المرسومة بعمق واجتهاد، ترسم صورة بانورامية للحياة في بيروت، تلتقط الهامش وتكشف خبايا المتن دون التورط في عاطفية مبالغ فيها أو سرد غير مكثف بلا طائل.
آلية الكلمات المتقاطعة «البازل» لاكتشاف العلاقات بين شخصيات الرواية ببطء خادع ينكشف مع كل فصل هي جزء من تقنية الرواية الممثلة بصريًا عبر رسوم «فادي عادلة، وبراق ريما، وجني طرابلسي، ومحمد جابر، وجورج عزمي»، وعبر حكي يستفيد من تقنيات السرد السينمائي، وهي سمة صارت ممثلة لما يمكن تسميته الكتابة الجديدة.
نبذة عن مؤلف الرواية:
هلال شومان، من مواليد بيروت 1982، له روايتان: «نابوليتانا»، صدرت، 2010، عن دار الآداب اللبنانية، وقبلها رواية «ما رواه النوم»، صدرت، 2008.