الرئيس الأسبق لهيئة سوق المال: مصر تحتاج «حكومة حرب» لإنقاذ الاقتصاد.. (حوار)

كتب: أمير حيدر الأحد 17-02-2013 19:22

ما بين السياسة والمصالحات مع رموز النظام السابق دوائر متشابكة لا انفكاك لها، وقد حاولت العديد من حكومات ما بعد الثورة الاقتراب منها، وإيجاد مخرج لها، لكنها سرعان ما آثرت الابتعاد عن سخونة لهيبها، الذى ربما يحرق من يحاول أن يدنو منها، مفضلة إلقاء الكثير من الحالات على عاتق حكومات لا تزال فى علم الغيب هرباً وخوفاً من احتمالات أن تحيط المساءلات القانونية يوماً بمتخذ القرار بشأن إبرام أى تسوية أو مصالحة، لاسيما مع من كانوا يحسبون على رموز النظام السابق. وفى حوار ساخن مع الدكتور هانى سرى الدين، الرئيس الأسبق لهيئة سوق المال، ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الدستور، دارت العديد من التساؤلات حول الوضع السياسى المتأزم وكيفية الخروج منه، وكذلك مستقبل تسوية النزاعات الاستثمارية التى ربما يظل بقاء طول أمدها حجر عثرة فى سبيل جذب استثمارات جديدة وعودة عجلة الاقتصاد مجددا. وأصر سرى الدين على أن الوضع الحالى للبلاد بحاجة إلى «حكومة حرب» للتعامل مع الملفات الاستثنائية والعاجلة على المدى القصير التى لن تنتظر التأجيل لشهر أو شهرين أو ثلاث أو لحين إجراءات انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة جديدة، خلفاً لحكومة قنديل التى وصفها بالفاشلة وغير القادرة على التعامل مع الأزمات الحالية للبلاد.

مؤكداً أن المصالحات الاستثمارية والاقتصادية تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقة وليس مجرد تشريعات أو تعديلات فى القوانين، وكذلك تحتاج إلى توافق بين جميع الأطراف المرتبطة بهذه المصالحات، مشيراً أن العديد من الجهات الرقابية تتعامل للأسف مع الأمر بمنطق الدفاع عن نفسها وليس الدفاع عن مصالح الشعب. وإلى نص الحوار:

■ تعيش البلاد أزمة سياسية حقيقة، وهناك مطالب لقوى سياسية وصلت مؤخرا إلى حد مطالبة النظام الحالى بالرحيل فما تقييمك للوضع؟

- للأسف لدينا دولة ومؤسسات فاشلة بكل ما تعنيه الكلمة، وغير قادرة على إدارة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة، وهذه حقيقة وواقع بعيداً عن انتمائك للحكومة أو للمعارضة.

وفى ظل ما نعانيه من أزمات، أصبح هناك ضرورة إلى تغيير الحكومة الحالية، فنحن أمام مشكلة خطيرة وحالة لا تحتمل التأجيل، هناك إجماع على أن الحكومة الحالية بالتركيبة السياسية القائمة غير قادرة على مواجهة الأزمات التى تشهدها البلاد، والانتظار سيؤدى إلى صعوبة الحل، وبالتالى مزيد من المشكلات.

■ لكن هناك طرحا بأنه سيتم تشكيل حكومة جديدة بعد الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب فى غضون ثلاثة أشهر؟

- الوضع حرج وخطير وكل يوم يخصم من رصيد مصر المزيد، ويؤدى إلى تفاقم الأزمات، يزيد من صعوبة الحل على المستويين السياسى والاقتصادى ناهيك عن المستوى الاجتماعى.

ولابد _فى رأيي_ من تشكيل حكومة إنقاذ وطنى أو حكومة أزمة، وهذا المقترح ليس رفاهية أو مجرد حل سياسى للمشاركة فى السلطة، وإنما هذه الحكومة هى أشبه بحكومة الحرب الاستثنائية، وبالتالى حكومة الإنقاذ هى حكومة «أمل» بتكليفات محددة.

■ ألا ترى أن حكومة الإنقاذ هذه قد تواجه عقبات التوافق بين أعضائها لاختلاف توجهاتهم؟

- لسنا بحاجة لوزراء يمثلون قطاعا سياسيا هنا أو هناك، وإنما حكومة كفاءات، يدخل ضمن عناصرها أيضا أشخاص عليهم توافق، للحفاظ على الاستقرار قدر الإمكان.

لذلك قلت لابد من حكومة حرب بأولويات محددة للبناء فى الفترة المقبلة، وليس على هذه الحكومة أن تصرح بأنها تبنى وتخطط لـ 2020، وأن هناك خطة إصلاح مالى وضريبى طويلة المدى، فهذا كله عبث فى هذه المرحلة، ولابد من تحرك عاجل لإيقاف الانهيار، فكل يوم يمر يزداد فيه النزيف، وتحقيق الإصلاح الحقيقى يزداد صعوبة،ولو كنت فى مكان الرئيس محمد مرسى، لكان خطاب تكليف هذه الحكومة ينحصر فى أربع تكليفات محددة.

■ وما هذه التكليفات المحددة وعلى أى أساس يتم ترتيبها؟

- أول هذه التكليفات هو مواجهة الوضع الأمنى المتردى بشكل عاجل، وحينما نتحدث عن الأمن نتحدث عن مواجهة البلطجة، وإعادة هيبة الدولة، والتعامل مع الفشل المرورى وإعادة التهيئة النفسية لقوات الأمن، فمن غير المقبول أن يكون المستوى النفسى والتدريبى لضباط وجنود الأمن المركزى بهذه الحالة المتردية، فهيبة رجل الأمن جزء من هيبة الدولة، ولابد من إعادة البناء بشكل قوى.

والتكليف الثانى يتعلق بوضع خريطة طريق على الصعيد السياسى، لاسيما إعادة النظر فى النصوص الدستورية محل الخلاف، وكذلك قانون الانتخابات وتهيئة المناخ السياسى لانتخابات ديمقراطية وتشريعية بشكل محايد بأكبر قدر ممكن لبناء المرحلة القادمة.

والتكليف الثالث يتعلق بمعالجة الوضع الاقتصادى على المدى قصير الأجل، لأن لدينا مشكلات مرتبطة بالاستثمارات القائمة يجب حلها فورا خلال 60 يوما على الأكثر، ولدينا مشكلات مرتبطة بعجز شديد فى الموازنة لابد من مواجهتها، ولدينا كذلك أزمة فى السيولة النقدية، ومفاوضات مع صندوق النقد الدولى لاقتراض 4.8 مليار دولار.

أما التكليف الرابع فمرتبط بالبعد الاجتماعى، حيث وصل الفقر فى بعض المناطق والعشوائيات إلى مرحلة خطيرة جداً، ولابد من معالجة هذه الأمور ومواجهة البطالة على المدى القصير، وينبغى أن يكون التحرك جغرافيا ومدروسا، حيث إن هناك توزيعات جغرافية لأكثر المناطق فقراً والتى ينبغى التحرك للتخفيف من معاناتها.

وهذه التكليفات الأربعة تأتى فى إطار المرحلة الأولى من عملية الإصلاح التى يمكن أن نطلق عليها اسم مرحلة الأمل.

■ ولكن هذه المشاكل قائمة منذ اندلاع الثورة فى يناير 2011 فما الجديد الذى يدفع الرئيس لتشكيل حكومة إنقاذ حاليا؟

- الوضع الحالى لا يحتمل تأجيل هذه الاحتياجات إلى شهر أو شهرين،فضلا عن أنه لا يمكن تشكيل حكومة جديدة فى ظل انتخابات تشريعة قد لا تخوضها المعارضة من الأساس وهو ما يؤجج من الانقسام السياسى الموجود، ويؤثر فى الشرعية مرة أخرى.

واليوم لا يمكن أن تقاد سياسة دولة بلا رؤية سياسية، أو تقاد حكومة بلا تكليفات واضحة وبلا صلاحيات فى هذه المرحلة العاجلة فى رأيى.

وإذا اعتقد الإخوان أن لديهم خريطة طريق للتمكين والسيطرة على مفاصل الدولة، يتبقى منها خطوتان تتثملان فى انتخابات مجلس الشعب وتشكيل الحكومة، فإن ذلك سيؤدى إلى مزيد من الفشل وسيكونون أول الخاسرين.

كما أنه فى المقابل إذا استهدفت المعارضة الإطاحة بحكومة أو رئيس منتخب، ومجرد المشاركة من أجل المشاركة وإثبات الذات، بغض النظر عن أى اعتبارات أخرى أقول أيضا نحن فى غنى عن هذه المعارضة من هذا النوع.

ولابد أن يكون للطرفين رؤية سياسية حقيقة، وأن يعلموا أن مصر هى ضحية أزمة انعدام الثقة المتبادلة حاليا، وأنهم فى النهاية سواء حكومة أو معارضة سيكونون خاسرين.

■ ألا ترى أن هناك أزمة ثقة حقيقية بين الرئاسة والحكومة من ناحية والمعارضة من ناحية أخرى؟

- أتفق معك تماماً، ولذا يجب العمل على إزالة هذا الاحتقان السياسى وبناء جذور الثقة، لأنه بدونها لن نستطيع بناء مصر سواء من جانب حكومة أو معارضة، وإن لم يقتنعوا بذلك ستكون النتيجة فى غاية السوء، لأنه سننتقل من مرحلة سيئة إلى ما هو أسوأ منها وسيكون الجميع خاسرين ولن ينجح أحد.

■ لكن يرى البعض أنه على المعارضة عدم تأجيج الشارع والاستعداد للصندوق فى الانتخابات البرلمانية المقبلة؟

- الفكرة لا تتعلق بأننا لابد أن ننتهى من بناء المؤسسات رغم أن الجميع متفق على ذلك، وإنما كيف نبنى هذه المؤسسات وكيف نرتب لها وكيف نحقق توافقا على خريطة طريق قبل أن ننتهى من هذه المؤسسات، وهذه هى المعضلة التى يجب أن يتفق الجميع عليها.

وما نختلف عليه هو وجوب بناء مؤسسات على أسس راسخة وسليمة، لأننا بصدد بناء دولة عصرية حضارية متقدمة وخلق خريطة طريق يتوافق الجميع عليها،وبدون ذلك البناء سينهار المبنى كله. ولو صممت إدارة الدولة على عمل قانون انتخابات تضرب به عرض الحائط أو إجراء انتخابات دون رقابة قضائية حقيقة سليمة أو دون رقابة دولية لضمان الحيادية، سيؤدى ذلك إلى برلمان قد يشكك البعض فى شرعيته، وسينشأ برلمان قد تنسحب المعارضة منه وهنا لن يتمكن أحد من بناء مؤسسات دستورية تحقق للبلاد الاستقرار.

كما أنه إذا تشكلت حكومة من أهل الثقة وليس أهل الكفاءة فستكون البلاد هى الخاسرة، لأن هؤلاء لن يكونوا غير قادرين على قيادة الحكومة وحل المشكلات العصيبة التى نواجهها.

■ من خلال قربك من دوائر صنع القرار ألم يكن هناك محاولات للاعتماد على أهل الخبرة فى الحكومة او مؤسسات الرئاسة؟

- لدى معلومات بأنه تم عرض بعض المناصب على مقربين من النظام ولكنهم رفضوا، لكن لابد أن أوضح أن الرفض جاء فى كثير من الأحيان نتيجة أنه لا توجد فى وجهة نظرهم عوامل للنجاح.

وفى رأيى وزيرا السياحة والاستثمار من الوزراء المشهود لهم بالكفاءة ولهما خبرة كبيرة فى مجال تخصصيهما، لكن هل من المتصور أن ينجح وزير الاستثمار فى مناخ لا تتخذ فيه الحكومة أى قرارات حقيقة تتعلق بحل مشاكل الاستثمار والوضع الضريبى والأمنى.

فكل مشاكل الاستثمار هى فى حقيقتها لا ترتبط بحقيبة الاستثمار فقط،وإنما بالصناعة والبترول والأمن وأداء غيرها من الحقائب الأخرى.

لو أتيت بعبقرى لتولى حقيبة مثل السياحة فى مثل هذه الظروف لا يمكن أن ينجح فى ظل عدم الاستقرار السياسى والتردى الأمنى.

■ ماذا عن رؤيتك للمصالحات مع النظام السابق حاليا؟

- نسمع منذ عامين فى الصحف عن مصالحات، ولكن أقول لك على الواقع العملى المحصلة صفر.

وقبل أن تتحدث الحكومة عن المصالحة لابد من الإجابة على هذه التساؤلات،ما هو مفهوم المصالحة وأسسها ومع من تتم والإجراءات القانونية الواجبة لإتمامها ومن صاحب القرار فى الصلح من عدمه؟، وإذا اتخذ أحد قرارا بالتصالح هل سيكون محصنا من الملاحقة القضائية لما قام به من تصالح أم لا، وما هو الإطار السياسى والشعبى لهذه العملية؟

وما الذى يضمن للقائم على عمليات التصالح ألا تأتى النيابة العامة أو الرقابة الإدارية وتقول إن ما تم الاتفاق عليه فيه إهدار للمال العام؟

وما الذى يضمن أيضا ألا يأتى جهاز المحاسبات أو إدارة الخبراء فى جهاز الكسب غير المشروع بوزارة العدل ويشير إلى أن ما تم من تصالح تم بالمخالفة، وما الضامن ألا تأتى حكومة جديدة وترفض ما تم من تصالح؟

ودعنى أقل لك أننا نتحدث أحيانا بلا رؤية، وبالتالى نتحدث أكثر مما نفعل، والتصالح لا يتم بالنوايا الحسنة، وإنما بتعديل القوانين ووجود إرادة سياسية حقيقية.

وأعلم أن هناك الآن مشروع قانون لتعديل قانون الإجراءات الجنائية لإمكانية الصلح بدون الحضور أمام المحكمة إذا كانت هناك أحكام صادرة بشأن الشخص الذى ترغب الحكومة فى التصالح معه، والبعض يعتبر ذلك خطوة إيجابية.

لكن الفكرة ليست فى إصدار قانون، فمنذ عام ونصف تم عمل قانون للصلح، لكن لابد من إطار سياسى ورؤية سياسية للتصالح وهذا ليس موجوداً على أرض الواقع.

■ ولكن الحكومة الحالية تحدثت بالفعل عن قرب إتمام مصالحات مع رجال أعمال محسوبين على النظام السابق؟

- عمليات التصالح لا يصح أن تقوم بها الحكومة المؤقتة، وإذا كان الصلح سياسيا فلابد من تأجيله لما بعد بناء مؤسسات منتخبة وبأسس منتخبة.

كما أنه لا أحد يملك الصلح فى جرائم القتل،إلا باستفتاء الشعب كله ومصر ليست جاهزة الآن لمثل هذه النوعية من الصلح.

أما إذا تحدثت عن الصلح فى جرائم عدوان على المال العام، فهذا أيضا له أسس، وقد يتعلق الأمر بمدى رضى المستثمرين عن ذلك.

وأحد معوقات الصلح مع المستثمرين أن هناك تصورا بوجود تهديد جنائى أحياناً وأن كل ما تم من تصرفات تم بالمخالفة، وبالتالى يطالب البعض بدفع مبالغ مالية لاستكمال مشروعاته وحتى لا يتم تحويله للمحاكمة، ولكن هذا أقرب للإكراه المعنوى.

والصلح لابد أن يقصد به إعادة التوازن المالى والتعاقدى أو جبر الضرر أو معاونة المستثمر، وهذه مسألة ليس مجالها القانون الجنائى، وإنما لابد من دعم سياسى واقتصادى للصلح.

وهذا النوع من الصلح لابد أن يتم بسرعة وأرى أن المجتمع جاهز له ويحتاج إلى ترتيب وخطة واضحة على مدار عام أو عامين مقبلين.

■ هل ترى أن وقت المصالحات قد فات بعد قبول النقض فى عدد كبير من القضايا المقدم من مستثمرين ضد الدولة؟

- وقت المصالحات لم يفت بعد، ولكن الحكومة تأخرت كثيرا، وبالتالى هناك قضايا لا تزال معلقة وهناك خلافات لم تصل بعد إلى القضاء،ويجب العمل على تسويتها لإعادة مناخ الثقة مرة أخرى.

وللأسف نحن لا نتحرك بشكل مؤسسى، لأن مؤسساتنا ضعيفة ومعظمها فاشلة.

■ الإشارات التى أطلقها حسن مالك فى لندن مؤخرا لعودة رجال أعمال مصريين منهم هل تحتاج إلى دعم سياسى؟

- لابد طبعا من إرادة سياسية وإطار تشريعى، وأن يكون لدى غطاء سياسى وقانونى لمن سيوقع على هذه المصالحات حتى لا يكون محلاً للمساءلة.

كما أنه لابد أن يكون هناك إطار زمنى محدد وتحديد للأولويات والمشروعات التى نتعامل معها.

ولإتمام عمليات الصلح بنجاح لابد من حوار ليس فقط وطنيا وشعبيا وسياسيا، وإنما حوار مع الجهات الرقابية من رقابة إدارية ونيابة عامة، وأن يكون الجميع على توافق، ولكن هذا لا يحدث.

وما آراه أن الأمر لا يزال لا يخرج عن النوايا الحسنة فى رأيى، والتى لم تترجم إلى واقع ملموس، مما يعطيك للأسف الشديد إحساسا عاما بأن هناك عدم جدية من جانب الحكومة على إبرام مصالحات، وهو ما يؤثر فى مصداقية الحكومة ومصر ومناخ الاستثمار بشكل عام.

■ ما تقييمك للعرض الذى قدمه حسين سالم وغيره للتصالح؟

- فى الحقيقة ليس لدى تفاصيل عن عرض حسين سالم، وبالتالى لا أستطيع أن أعقب على شىء ليس لدى تفاصيله.

ولكن أنت لا تستطيع أن تتصالح مع حالات فردية ما لم يكن هناك إطار عام ومؤسسى سياسى وقانونى ورؤية واضحة لعملية التصالح، ولا يصح أن تتصالح بشكل عشوائى.

■ هل يمكن أن يؤثر الجدل الدائر فى أروقة القضاء حول تعيين النائب العام على المصالحات؟

- علينا أن نعترف أن طريقة عزل النائب العام السابق وطريقة تعيين النائب العام الحالى مهما كانت النوايا السياسية والمبررات مست استقلال القضاء، وأرى أن القائمين على السلطة أقحموا السياسة فى استقلال القضاء وهذا كان خطأ سياسيا كبيرا وفادحا والجميع يدفع ثمنه.

ولا ننسى أنه حينما رفضت المحكمة الفيدرالية السويسرية منذ أيام قليلة رد الأموال لمصر كان أحد أسباب الرفض الرئيسية تحفظ المحكمة الفيدرالية هناك على استقلال القضاء فى مصر وما حدث فى المحكمة الدستوية لدينا.

وأنا كمحام أحضر كثيرا من القضايا،وأصبحت أسمع أن كثيرا من الدفوع أمام المحاكم يتم رفض قرارات الإحالة الخاصة بها من النيابة العامة، لأن النائب العام تعيينه غير مشروع.

وأرى أن هناك خطأ ارتكبته الحكومة حينما وافقت على حصار المحكمة الدستورية العليا ولم تتخذ موقفا رادعاً، والجميع الآن يدفع ثمن غياب القانون، فما يجعل للدولة هيبة هو احترام القانون والقضاء، حتى لو لم أكن معجبا بما يصدر عنها.

■ هل ترى أن هناك تداخلا فى الأدوار بشأن المصالحات بين الرئاسة والحكومة من جانب وجماعة الإخوان من جانب آخر؟

- يحدث التداخل فى الأدوار فى ظل المؤسسات الضعيفة وفى ظل حكومة ضعيفة،ولك أن تعلم أن جزءا من المشكلة فى كثير من الأحيان أنه لا أحد يستطيع أن يأخذ قرارا لا وزيراً ولا وزارة.

والبعض يتطوع بكتابة تقارير لإثبات دور فى مرحلة لم يكن له دور فيها، والبعض الآخر يحاول أن يظهر ولاءه للحكومة الجديدة، والبعض يحاول أن يغسل أدوارا بأنه لم يتحرك من قبل ويتحرك الآن، والبعض خائف، ومن هنا يأتى تداخل الأدوار.

وهناك كثير من الأطراف لهم نوايا حسنة، ولكن ليس بالنوايا الحسنة تحسم الأمور.

وقد تعاملنا ما بعد الثورة بفكرة الحكومات المؤقتة، وبالتالى كلها تؤجل الملف ولا تأخذ فيه قرارا لأنها تعلم أنها موجودة لفترة قصيرة ولا تتمتع بدعم سياسى، وليس للقائمين عليها إطار قانونى فى ظل ملاحقات قضائية لا يعلم أحد مداها، وبالتالى قرارات التسوية تؤجل ولا يتم حسمها.

وغياب الرؤية السياسية والأطر القانونية والسياسية واضح، مما جعل الملفات مفتوحة وستظل كذلك، لأنه طالما لم تكن هناك رؤية واضحة لن يتخذ أحد أى قرار.

كما أن المناخ العام خلال العامين الماضيين جعل من بعض المؤسسات الرقابية هيئات تدافع عن نفسها وليس عن المجتمع، فأصبحت التقارير الصادرة عنها فيروسا يصيب صاحب القرار بالشلل التام.

■ ألا ترى أن عدم يقين بعض المستثمرين بحل منازعاتهم دفعهم لاتخاذ قرارات بالخروج من مصر كما يتحدث البعض عن صفقة استحواذ شركة هولندية على أسهم أوراسكوم للإنشاء والصناعة فى مصر؟

- لست مفوضاً للحديث نيابة عن أوراسكوم للإنشاء، لكن دعنى أقل لك إنه لا توجد علاقة بين نزاع أوراسكوم للإنشاء الضريبى، وتقدم شركة هولندية بعرض للاستحواذ على الأسهم المحلية للشركة فى مصر.

وحقيقة الأمر، وفقاً لما أعلنته أوراسكوم فإن الشركة خرجت من المحلية إلى العالمية بكل ما تعنيه الكلمة وأصبحت متعددة الجنسيات، فأكثر من 80% من نشاطها فى الخارج، وهى تريد إعادة هيكلة نفسها تنظيمياً ومؤسسياً وإدارياً.

وقد أعلنت الشركة أن المساهمين الرئيسيين لن يخرجوا بملكياتهم، وإنما سيقومون بزيادتها، كما أشاروا إلى أن المشروعات ستظل قائمة، وأن لديهم خطة للتوسع فى مصر، وأعلنوا كذلك عن مشروع لإنشاء مصنع للفوسفات بتكلفة تصل إلى 3 مليارات جنيه بالتعاون مع إحدى الشركات العالمية، لتصبح مصر مصنعة للفوسفات لأول مرة بدلاً من أنها مصدرة للمادة الخام.

وعندما تنظر إلى هذا فإن المحصلة أنه ليس هناك خروج من مصر،والشركة لديها 45 ألف عامل فى مصر لم تفقد نصف عامل واحد، ولديها 90 ألف عامل حول العالم.

وبالتالى عملية الحديث عن الخروج من مصر مسألة غير حقيقية لا تمت للواقع والأنشطة الموجودة فى مصر ستظل موجودة طبقاً لما أعلنته الشركة فى مصر بل بالعكس ستتوسع فى نشاطها.

وما تقوم به أوراسكوم للإنشاء والصناعة حالياً سبق أن حدث مع شركات كثيرة كبرى بالدول النامية، كما حدث مع تاتا الهندية عندما خرجت لتصبح شركة دولية وتصير الشركة الأم فى إحدى الدول الأوروبية.