الضابط المصاب يروي تفاصيل مواجهة الموت في «الكلابات»

كتب: حسين رمزي الخميس 24-01-2013 19:13

بعيون تدمع دما وقلب تفحم على فقدان زملائه، بدأ «محمود نجم»، نقيب الشرطة بالأمن المركزى فى أسيوط، حديثه باكياً وهو يسترجع الساعات الأخيرة لعملية اقتحام قرية الكلابات بمركز أسيوط، والتى تعتبر إحدى أخطر البؤر الإجرامية بالمحافظة، والتى راح ضحيتها اثنان من ضباط الشرطة ومجند أمن مركزى.

استعاد «محمود» رباطة جأشه ليقول فى ألم: «اجتمع قائد المعسكر بنا، قبل العملية بساعات، وأبلغنا بأننا سندخل أخطر البؤر الإجرامية بأسيوط، وأكد لنا أن هذا الأمر سيكون بمثابة عملية موت، وأن الهدف الأساسى من حملتنا هناك هو القبض على عدد من الهاربين من أحكام الإعدام والمؤبد والخارجين على القانون، وانتهت مناقشاتنا على أن تبدأ العملية مع أول بزوغ للنهار، فيما تخللت حديث قائد المعسكر تأكيدات عدة على أن المطلوبين بحوزتهم أسلحة جرينوف، وأنهم سيقاومون بكل ما أوتوا من قوة محاولتنا إلقاء القبض عليهم».

واستطرد «محمود نجم» فى هدوء، قائلاً: «منذ أن عملت بالأمن المركزى وأنا متوقع أنى سأموت فى إحدى العمليات أو أتلقى إصابة بطلق نارى، وقبل كل عملية كنت أجمع متعلقاتى الشخصية، وأضعها فى مكان واحد، حتى يتسلمها أهلى بعد موتى، وتعرضت كثيراً لإطلاق النار على، لكن هذه العملية كانت أصعب من الموت نفسه، لأن الموت كان أهون من أن يموت صديقى (باسم) بجانبى، بعد أن أصبت بتهتك بالكتف، وبالرغم من ذلك سأكمل عملى، ولن أندم على اختيارى له».

وبعد لحظات جمع فيها «نجم» قوته استكمل قائلاً: «صلينا الفجر أنا والضباط والمجندون ونطقنا الشهادة وارتدينا ملابسنا والواقى من الرصاص، وتسلم كل ضابط سلاحاً إلى جانب سلاحه الشخصى، وخرجنا فى مجموعات إلى قرية الكلابات، وكنت قائد المجموعة الأولى المسؤولة عن القبض على شخص هارب محكوم عليه بالإعدام ونجله المحكوم عليه بالمؤبد».

وأضاف: «أثناء دخولنا القرية أطلق أحد الأهالى الرصاص علينا، ليلفت انتباه الآخرين لنا، حتى يستعدوا لمقاومتنا، وتفرقت السيارات فى مجموعات على منازل المطلوب القبض عليهم، وكنت قائد إحدى المجموعات، ودخلت أحد المنازل للقبض على اثنين محكوم عليهما بالإعدام والمؤبد، وما إن اقتحمنا المنزل حتى وجدنا سيدة تصرخ فى وجهنا فتركناها، وفتشنا الدور الأول لم نجد فيه أحداً، وأثناء صعودى والضابط (باسم) إلى الدور الثانى قابلتنا رصاصات شخص مختبئ على السلم يحمل مدفع جرينوف، وكان إطلاق النيران كثيفاً علينا ومن مسافة لا تتجاوز مترين، فأصيب (باسم) بثلاث طلقات اخترقت واقى الرصاص لتخترق بطنه وتخرج من ظهره، وأصبت أنا بطلقة فى كتفى خرجت من ظهرى، ودفعتنا قوة الطلقات إلى مسافة كبيرة، فسقطنا فى حجرة الماشية بالمنزل».

واستطرد «نجم»، قائلاً: «بعد ذلك استمر الهارب فى إطلاق النار علينا لمدة حوالى دقيقة ونصف الدقيقة، حتى يتأكد أنه قتلنا وبعد أن انتهى شريط الطلقات الذى يحوى حوالى 200 طلقة تقريباً، تمكنت من الحركة، ورأيت (باسم) يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأحد المجندين مصاباً، فحاولت حمل سلاحى الآلى بيدى اليسرى، لأن يدى اليمنى كانت شبه مقطوعة وكان الواقى متهتكاً، ووجدت السلاح غير صالح للاستخدام، بعد أن أصابته إحدى الطلقات، ولم أستطع إخراج سلاحى الشخصى من البزة، فحملت (باسم) على كتفى ويدى متهتكة خلفى، وأمرت العساكر بإطلاق النار لتأميننا، حتى نخرج لنستقل احدى سيارات البوكس للذهاب إلى المستشفى وإسعاف (باسم) الذى لقى وجه ربه، قبل وصولنا إلى المستشفى».

وعادت الدموع مرة أخرى لعينى «نجم» حين قال: (باسم) كان صديقى منذ الدراسة بالكلية، وعملنا سوياً فى الأمن المركزى منذ تخرجنا، وقبل المأمورية بأيام طلب منى الذهاب إلى السوق فى أسيوط ليشترى بلحاً لأهله، لكن البلح تم تفريقه فى جنازته، بعد أن مات».