«شهقة اليائسين» لياسر ثابت.. عن تاريخ الانتحار في العالم العربي

كتب: خالد عبد القادر الخميس 17-01-2013 23:15

صدر حديثًا عن دار التنوير للنشر، كتاب «شهقة اليائسين» لياسر ثابت، ويتناول فيه ظاهرة «الانتحار في العالم العربي»، ويكشف بالحقائق والأرقام مدى تفشي هذا الفعل الذي يعكس أزمة مجتمعاتنا في أوضح صورها.

يحلل المؤلف أولا الأسباب النفسية والاجتماعية والسياسية التي تقف وراء انتشار الانتحار في العالم العربي، وينتقل منها إلى تحليل أبرز أسماء المنتحرين في ثقافتنا وغيرها من الثقافات والذين تنوعوا بين علماء ومفكرين.

يسرد المؤلف أيضـًا تفاصيل عن قرارات الانتحار لدى عدد من المبدعين في العالم ويقول إن بعض المنتحرين من المشاهير، من الكاتب الياباني يوكيو ميشيما (1970) إلى المغنية الإيطالية داليدا (1987)، ومن الروائي الأمريكي إرنست هيمنغواي (1961) إلى الشاعرة الأمريكية آن سيكستون (1974)، ومن الشاعر الروسي فلاديمير ماياكوفسكي (1930) إلى المؤلفة والقاصة الإنجليزية فرجينيا وولف (1941) ، وجدوا أنها رسالتهم الأخيرة وردهم على حياة لم تعد محتملة.. لكنها الحياة، والبقاء فيها على رغم كل شيء، فعل إرادة وليس ترفـًا يمكن الاستغناء عنه في لحظة يأس.

ويرى «ثابت» أنه في ظل أزماتٍ اقتصادية خانقة، وتضييق سياسي على المشاركة في الممارسة الديمقراطية، وغياب ملامح العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في العالم العربي، يلوح الانتحار في الأفق بالنسبة إلى من يشعرون بالقلق والجزع وينشدون الخلاص أو يريدون التعبير عن رفضهم لواقعهم الأليم.

ويقدم «ثابت» صورة عميقة وتاريخية لحالات ومعدلات الانتحار في الدول العربية، ويتتبعها دولة بدولة، مع استعراض نماذج لحالات الانتحار التي هزت تلك المجتمعات العربية في الماضي والحاضر.

ويتجول المؤلف في تاريخ مصر المعاصر، ويرصد حالات انتحار في عصر محمد علي باشا نتيجة سلسلة التحولات الاقتصادية والاجتماعية خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، مشيرًا لتكرار حالات انتحار المزارعين لنقص مياه الفيضان في أعوام 1824 و1825 و1833 وخراب بعض القرى بسبب الجدب الذي أصابها.

ويوضح ارتفاع نسبة حوادث الانتحار وعلى الأخص بين الطبقة الفقيرة الأكثر تعرضـًا من غيرها لآثار أزمة الكساد العالمي التي كانت لها تداعياتها على مصر، ويحلل المكؤلف أرقام حوادث الانتحار، لتبين أن حدة الأزمة كانت في عامي 1931 و1932، إذ وصلت حوادث الانتحار في تلك الفترة إلى أعلى نسبة بالمقارنة بإجمالي حوادث الانتحار خلال الفترة بين عامي 1929 و1933.ونجد أنه في عام 1929 وحده، سجلت في المدن المصرية الكبرى 105 حوادث انتحار، ذهبت أكثرها بأرواح شبان بين العشرين والأربعين من العمر.

ويتطرق الكتاب إلى حالات الانتحار في مصر حديثًا، لنجد أنها زادت بنسبة 12% في عام 2011 عن العام الذي سبقه، وأن نحو 18 ألف حالة انتحار وصلت إلى مركز السموم خلال عام 2011، أغلبهم من الرجال. وأن مصر تشهد سنويـًا نحو 3 آلاف حالة انتحار سنويـًا لمن هم أقل من 40 عامـًا، فيما تقول تقارير أخرى إن 5 أشخاص من بين كل 1000 شخص يحاولون الانتحار بهدف التخلص من مشكلاتهم.وأن عام 2009 وحده شهد محاولات للانتحار في مصر بلغت 104 آلاف حالة، تمكن‏ 5‏ آلاف منهم في التخلص من حياتهم‏. وتقول الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن جريمة الانتحار في مصر، أصبحت ظاهرة خطيرة تتصاعد يومـًا بعد يوم، ثم ينتقل الكتاب إلى نموذج لافتٍ هو التونسي محمد بو عزيزي، ذلك المنتحر فجّر ربيع الثورات العربية، بعد أن أنهى حياته احتجًاجًا على صفعة تلقّاها من موظفة أثناء عمله كبائع متجول.

وينهي المؤلف كتابه بفصل عن «أسبوع الانتحار» في مصر والذي تلا الثورة التونسية وسبق الثورة المصرية، وكيف وظّف النظام المصريّ السابق كل طاقاته لمواجهة من هدّدوا وجوده بإزهاق أرواحهم، وكيف أن ذلك النظام الذي كان قد تحلّل بفعل أخطائه وحماقاته لم يزد الطين إلا بلّة أودت به. ويمضي المؤلف متتبعـًا حالات الانتحار المستمرة بعد يناير 2011 «والتي تمثل أكبر دليل على أن هذه الثورة ما زالت مستمرة وأن أسباب اليأس لم تنضب بعد».