كشف تقرير لإحدى المنظمات الحقوقية تقديم نحو 54 دولة لمساعدات إلى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إيه»، من بينها سوريا وإيران، في عمليات الاعتقالات والتسليم السرية والتحقيق خلال السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001.
ويعد التقرير، الذي نشرته «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح»، ونقلت «الشرق الأوسط» اللندنية، مقتطفات منه في عددها الصادر، الأربعاء، هو التقرير الأكثر تفصيلاً الذي يتناول مساعدة دول أخرى للولايات المتحدة في أمور تشمل السماح لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بإدارة سجون سرية تتم فيها تحقيقات على أراضيها، وكذا السماح للاستخبارات المركزية باستخدام مطاراتها لإعادة التزود بالوقود أثناء نقل المعتقلين حول العالم.
ويذكر التقرير أسماء 136 شخصًا احتجزتهم المخابرات المركزية أو نقلتهم، وتعد هذه هي القائمة الأطول التي تسجل بها التواريخ وتذكر تفاصيل خاصة بتوقيت القبض عليهم وأماكن الاعتقال، كذلك يضيف التقرير تفاصيل جديدة إلى ما يُعرف بالفعل حول التعامل مع أفراد تنظيم القاعدة المخلصين والأبرياء الذين تم القبض عليهم مصادفة خلال حملة مكافحة الإرهاب.
وقالت أمريت سينج، كاتبة تقرير «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح»، الذي يحمل عنوان «عولمة التعذيب»، إنها وجدت دليلاً على تقديم 25 دولة أوروبية و14 دولة آسيوية و13 دولة أفريقية المساعدة إلى المخابرات المركزية الأمريكية، وذلك فضلاً عن كندا وأستراليا، ومن تلك الدول تايلاند ورومانيا وبولندا وليتوانيا، التي تم احتجاز المعتقلين بها، وشملت الدول أيضًا الدنمارك، التي سهلت العمليات الجوية التي تقوم بها الاستخبارات المركزية.
وأضافت «سينج»: «ليست الولايات المتحدة وحدها من تتحمل المسؤولية الأخلاقية لهذه البرامج، بل أيضًا الـ54 دولة التي جندتها لمساعدتها».
ويرى بعض مسؤولي المخابرات المركزية السابقين أن انتقاد مثل هذه العمليات القاسية ضد تنظيم القاعدة هو نوع من الانتقادات التي توجه بعد معرفة النتيجة، ولم تسمح كندا للاستخبارات المركزية الأمريكية باستخدام مجالها الجوي فحسب، بل أيضًا قدمت لها معلومات أدت إلى اختطاف أحد مواطنيها إلى سوريا، حيث تم احتجازه وتعذيبه لمدة عام، كما جاء في التقرير.
وتذكر «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح» مشاركة كل من إيران وسوريا في برنامج التسليم، ويُعرف عن سوريا أنها واحدة من «أشهر الوجهات التي يتم إرسال المشتبه فيهم إليها»، بينما يُعرف عن إيران أنها شاركت في برنامج وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، من خلال تسليم ما يزيد على 15 شخصًا إلى كابول بعد فترة قصيرة من الغزو الأمريكي لأفغانستان، مع علمها الكامل بأنهم سيكونون تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي شاركت فيه دول بمنطقة الشرق الأوسط في برنامج التسليم، لم تشارك إسرائيل، بحسب أبحاث «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح»، وقال مايكل هايدن، المدير السابق للمخابرات المركزية الأمريكية، في نقاش، الأسبوع الماضي، في معهد «أمريكيان إنتبرايز»، إن الأصوات التي دعت إلى وضع قيود خلال الفترة التي اتسمت بالذعر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر قليلة.
وأوضح قائلاً: «كثيرًا ما نجد أنفسنا في موضع اتهام قاس بأننا لا نفعل ما يكفي للدفاع عن أمريكا عندما يشعر الناس بالخطر. وبمجرد أن يعود الناس للشعور بالأمان، نواجه اتهامات بأننا بالغنا كثيرًا»، ومع ذلك تقول «سينج» إن الولايات المتحدة قد انتهكت بشكل سافر القوانين الأمريكية والدولية، وأن محاولاتها للهروب من المساءلة «بدأت في الانهيار».
وتمت إدانة بعض وسائل التحقيق القاسية التي استخدمتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مع المعتقلين خلال فترة إدارة جورج بوش الابن، واعتبارها من وسائل التعذيب، وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما ممن أدانوها وأصدر قرارًا بمنعها، وتم نقل بعض المعتقلين الذين تعرضوا لعملية تسليم تعسفية خارج إطار القانون، إلى دول يعد التعذيب فيها أمرًا معتادًا، وغير شاذ، ولا تزال هذه العمليات محور جدل ساخن مع مسؤولين سابقين في إدارة «بوش» الذين يؤكدون أنها كانت ضرورية من أجل الحفاظ على أمن الدولة، في حين يؤكد المنتقدون عدم قانونية وسائل التحقيق الوحشية وعدم فعاليتها.
وتجدد هذا الجدل مؤخرًا مع ظهور فيلم عن مطاردة زعيم القاعدة اسمه «Zero Dark Thirty»، المرشح لجائزة الأوسكار، الذي يتناول اللجوء إلى التعذيب خلال مطاردة أسامة بن لادن، على الرغم من نفي مسؤولي المخابرات هذا الأمر، وعندما تولى «أوباما» منصب الرئاسة، رفض دعوات لتشكيل لجنة قومية من أجل التحقيق في مثل هذه الممارسات، وقال إنه أراد أن يتطلع إلى المستقبل لا إلى الماضي، وانتهت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ مؤخرًا من دراسة تتألف من 6 آلاف صفحة عن برنامج الاعتقال والتحقيق الخاص بوكالة الاستخبارات الأمريكية، لكنها لا تزال سرية، ومن غير المؤكد ما إذا كان سيتم نشرها حتى ولو كان ذلك بشكل جزئي، وإن كان الأمر كذلك فموعد القيام به غير واضح.