البيت الآمن: فردوس يطل على جحيم التحرش بميدان التحرير

كتب: عبد الله غنيم الثلاثاء 05-02-2013 17:13

يصبح باب حديدى لعمارة تطل على ميدان التحرير فاصلاً بين الفردوس والجحيم اللتين يكونهما ساعتها ميدان التحرير نفسه: باب الفردوس هو باب مدخل يُفضى إلى مصعد لبناية يقع بيت أحدهم بها، البيت يتحول أيام المليونيات لبيت آمن تلجأ إليه الناجيات أو المصابات جراء حوادث التحرش الجماعى.

من عاصر الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الشرطة أو بينهم وبين البلطجية يعرف أن البيت الآمن ساعتها كان المستشفى الميدانى، أطباء وبطاطين ومستلزمات طبية كانت بيتًا آمنا للمصابين رجالًا ونساء، بمرور عامين صار البيت الآمن شقة سرية فى عمارة بباب حديدى يحرسه مجموعة شباب، الشقة يملكها صديق لمجموعة «ضد التحرش» تحت شعار ميدان آمن للجميع. الرجل الذى رفض ذكر اسمه فتح شقته للمجموعة وللناجيات وللمصابات من أحداث التحرش، الشقة تأخذ دورا أخيرا بعمارة تطل على الميدان، للوقوف فى شرفتها عليك ارتداء قناع يحميك من الغاز، ورغم أن الشُرفة تأخذ موقعا جيدًا لتصوير ومتابعة الميدان، ما يجعلها مكسب رزق عظيم لصاحبها من وسائل الإعلام فإنه يرفض استغلالها لكسب الأموال، ومع ذلك فتح شقته بالكامل كمأوى للمتظاهرات الناجيات من حوادث التحرش، مع توفير مستلزمات طبية، وملابس فى حال تمزق ملابسهن.

من الشرفة لك ميزة مراقبة الميدان كاملًا، تقول إحدى المتطوعات إن الشرفة تعتبر برجًا لمراقبة اشتباكات التحرشات، وأنها رأت حوالى خمسة تكتلات بشرية للتحرشات فى وقت واحد تفصل بينها أمتار، جميعها عند مدخل شارع طلعت حرب المفضى للميدان. من الشرفة العالية تدخل إلى شقة كبيرة فى المساحة والغُرف، غُرف للفرق من شباب مجموعة ضد التحرش، وغُرف للفتيات اللائى تعرضن له، من لحظة دخولك الشقة تجد الوجه الهادئ لصاحبها يطمئنك، كرضوان خازن الجنة، تلجأ إليها إذا اشتدت قوة الغاز أو علت حدة التحرش، البعض يتوقف أمام لوحة فنية أو صورة فوتوغرافية تدل على ذوق فنى، أحدهم يوزع المياه، والآخر يجهز الطعام للجميع، الجميع مُنهك بالداخل، بعد اشتباكات مع المتحرشين والتى يجمع البعض على أنها أقوى وأصعب من الاشتباكات الراديكالية مع قوات الأمن أو البلطجية، الاشتباك مع البلطجية يحفظ مسافة بين القوتين المشتبكتين، معركة بها تقاذف وكر وفر ومراوغة، أما الاشتباك مع المتحرشين فيأتى بتكنيك مختلف، أنت تشتبك مع واحد يشبهك، لا تمييز بينكما، المتحرشون دائما بوسطك، دائرة تلتف حول فتاة، دائرة أخرى تحاصر الدائرة الأولى وتدافع عنها، بعضهم يحمل أسلحة خفيفة، أكبر الأسلحة ساعتها هو الوهم بأنهم معك فى الهدف نفسه، يسعون إلى تخليص الفتاة، الفتاة تنهار، تُمزق ملابسها، الدوائر تتحرك فى الزحام، الصخب يملأ الأرجاء ويعقد الأمور، محاولات التدخل من المجموعات بعضها ينجح، المجموعات تحمل أسلحة خفيفة لتواجه المتحرشين، عصيا ومياها، بخاخات الفلفل الأسود، الباعة يمدون العون، يشترك البعض بالمساعدة، يخلصون الفتاة، غالبًا الفتاة فى حالة يُرثى لها، بملابس ممزقة وجسد منتهك، تحاصرها دائرة بشرية للتأمين، تتحرك الدائرة وسط تدافع لتصل بها للبيت الآمن، تدخل من الباب الحديدى ليكتب لها عُمر جديد مع القليل من التأهيل النفسى، والتقاط الأنفاس، بعد الاشتباكات يجلس البعض لأخذ الأنفاس ويدور حوار عن مصطلح البيت الآمن، المخابراتى الأصل، فى البيت الآمن إضافة للوجه المطمئن لصاحبه فإن جميع الوجوه تحاول طمأنة الفتيات، محاولات لفرض حالة من السلام وسط حالات من الصراخ والاشتباكات على بعد أمتار.