أصبحوا ملاكاً غير شرعيين لأرصفة وشوارع ميادين رمسيس، والإسعاف، والعتبة ومنطقة الوكالة، ووضعوا بضائعهم فى الطرق، متسببين فى إعاقة حركة المرور، وسير المارة، ما يؤدى إلى نشوب العديد من المشاجرات التى غالباً تنتهى بجرائم متنوعة، فضلاً عن انتشار ظاهرة تعاطى المخدرات.
هم الباعة الجائلون، الذين حولوا ميدان رمسيس إلى منطقة تجارية يفترشون أرضها لعرض بضائعهم المتنوعة، ليصبح خروج ودخول المواطنين إلى محطة السكة الحديد ومحطة المترو مغامرة كبرى، ولم يكتف الباعة بتواجدهم بالميدان، بل افترش البعض منهم مداخل الشوارع المؤدية للميدان.
«خالد»، أحد الباعة، قال: «نحن نقف فى الميدان لمرور الآلاف من المواطنين به، فهناك القادمون من جميع محافظات مصر عبر قطارات السكة الحديد، وكذلك القادمون من محطة مترو الأنفاق»، وأشار إلى أنهم يقفون بجانب الطريق لعدم إعاقة الحركة المرورية وكذلك المارة، لافتاً إلى أنه فى حال توفير فرصة عمل له من قبل الحكومة سيترك هذه المهنة فوراً.
قال سعيد عبدالله، موظف: أحضر يومياً من محل اقامتى بالغربية للعمل بالقاهرة، وأواجه صعوبة بالغة عند خروجى من محطة السكة الحديد وفى السير فى الميدان، بسبب تواجد أعداد كبيرة من الباعة، ما يؤدى إلى تأخرى عن العمل يومياً.
وفى ميدان التحرير أدت الحواجز الحديدية التى وضعها المتظاهرون فى جميع مداخل الميدان، إلى تكدس السيارات بجميع المداخل، ما تسبب فى نشوب اشتباكات بين قائدى السيارات وبعض المتظاهرين.
وقال محمد عيد، صاحب معرض موبيليا بشارع قصر العينى بالقرب من مجلس الوزراء: نؤمن بالثورة ومبادئها لكننا نعانى من العديد من المشاكل، حيث يتمركز الثوار والمتظاهرون فى الميدان، ما ترتب عليه إغلاق المنطقة بالكامل بالأسلاك الحديدية وأسوار من الطوب الأسمنتى، فضلاً عن إطلاق الأعيرة النارية والقنابل المسيلة للدموع والتجمعات والمشاجرات من كل نوع، سواء بين المتظاهرين وأنفسهم، أو بينهم وبين الشرطة من ناحية أخرى، أو بينهم وبين الباعة الجائلين، وأضاف أن ذلك ساهم فى ارتفاع أعداد البلطجية وانتشار حوادث السرقات، وهو ما أثر سلباً على حركة البيع .
وواصل حديثه قائلاً: «لم أبع قطعة أثاث واحدة منذ بداية الثورة، وحتى الآن، بسبب الانفلات الأمنى الذى تسبب فى أعمال عنف كثيرة منها تكسير المحال التجارية، ومنها محلى الخاص، وإغلاق محطة بنزين التعاون، وعدم توصل الحكومة إلى حلول لإنهاء الأزمة، لذا هناك كثير من الأسر ترفض الخروج من المنزل بعد أذان المغرب، خوفا من التعدى عليهم من قبل البلطجية».
وفى منطقتى العتبة والموسكى، كثرت المشاجرات وأعمال العنف والبلطجة بين الباعة الجائلين، ما يؤدى إلى تعطل الحركة المرورية بشكل دائم. وقال على إسماعيل، بائع، إن أعمال البلطجة تزايدت بين البائعين ويتم الاعتداء على الزبائن والمارة، وأصبح جميع الباعة بالمنطقة من الصعيد وتمركزوا بتلك المناطق وعملوا فى البيع والشراء، لافتاً إلى أن المشاجرات العنيفة تنشب بينهم لأتفه الأسباب، وعادة ما ينتج عنها العديد من الضحايا قتلى ومصابين، كما يتنافس «الفتوات» فيما بينهم لتأجير الشوارع فى المنطقة مقابل مبلغ مالى شهريا، وفى حالة المخالفة تحدث «الكوارث».
ويقول على محمد، أحد الباعة فى العتبة، إنه يعمل بائعا ويدفع الإيجار أو الإتاوة بشكل دائم كل شهر، إلا أنها ترتفع فى شهر رمضان من 30 إلى 50 جنيهاً يومياً، وذلك لطول فترة البيع وزيادتها فى هذا الشهر، وأشار إلى أنه يعمل فى ميدان العتبة منذ 15 عاماً، ويدفع «إتاوة» 1200 جنيه شهرياً، وإن ما يكسبه من عمله يدفعه للمستحوذ على الأرضية باستثناء جزء بسيط يعيش منه.
وطالب «على» الحكومة بالتدخل وإنصاف الباعة الجائلين من سطوة «الفتوات»، ولفت إلى أن الشرطة تنهى عشرات المشاجرات يومياً بين الباعة والفتوات، إلا أنها تفشل أحيانا أو تتأخر وتصل المشاجرات إلى حد الجرائم التى يقع فيها ضحايا.
أما فى بولاق أبوالعلا، وتحديداً فى وكالة البلح، فتنتشر البؤر الإجرامية وتعاطى المخدرات بين الباعة الجائلين علناً وفى وضح النهار، وقال هانى عبدالعظيم، بائع فى محل ملابس: أعمل فى المنطقة منذ نشأتى، وإن البؤر الإجرامية المنتشرة بها معروفة، منها منطقتا شركس والعدوية اللتان تنتشر فيهما تجارة المخدرات بشكل علنى دون خوف من رجال الشرطة، خاصة بعد الثورة، نظراً لعدم التواجد الأمنى مثلما كان من قبل. وأضاف أن شارع 26 يوليو احتله الباعة الجائلون ووضعوا «بالات» من الملابس فيه ما تسبب فى عرقلة الحركة المرورية بالمنطقة ونشوب مشاجرات بين المارة وأصحاب الملابس المستعملة، فضلا عن فرض الإتاوات، وانتشار جرائم البلطجة، وانتشار السلاح النارى والأبيض مع الباعة بشكل ملحوظ.
وقال جمال طه، صاحب محل ملابس بشارع 26 يوليو، إن الباعة الجائلين يتواجدون فى الشارع 24 ساعة على مدار اليوم ويضعون «استاندات» وحواجز على بضائعهم، لم نقدر نحن أصحاب المحال على وضعها، وإن حدث نجد مسؤولى الحى يحررون مخالفات فوراً، وأشار إلى أن هؤلاء الباعة يتاجرون فى ملابس رخصية لإغراء الزبون، بينما المحال تتاجر فى الملابس القيمة، فضلاً عن أن تلك المحال تقوم بدفع الضرائب والإيجارات وفواتير الكهرباء، لافتاً إلى حدوث مشاجرات يومياً بين الباعة وبعضهم بسبب أولوية البيع، فضلاً عن تعاطيهم المخدرات علناً ليلاً ونهاراً.
وقال الدكتور حازم الببلاوى، نائب رئيس الوزراء، ووزير المالية الأسبق لـ«المصرى اليوم»، إن مشكلة الباعة الجائلين كبيرة جداً منوهاً بأنها أحد أسباب انهيار الاقتصاد المصرى، لأن تجارتهم عبارة عن بضائع معروضة فى الشوارع، وهى بذلك معرضة للإهدار أو الفقدان أو الإتلاف، فضلاً عن أن تجارها لا يدفعون ضرائب عليها أو فواتير كهرباء، كما أن معظمها مهرب من الجمارك.
وأكد وزير المالية الأسبق، أن حل هذه المشكلة لا يتوقف على الجهاز الشرطى فقط، وإنما يحتاج لتكاتف الجميع، خاصة الجهات المعنية، مثل النقابات والوزارات والمحليات، لإيجاد أماكن بديلة لهؤلاء، وبذلك تضمن الدولة مشروعية عملهم، وفى نفس الوقت تحصل على نصيبها منهم بطرق رسمية تضاف للعائد الاقتصادى للبلد.
وقال اللواء إسماعيل عزالدين، مدير الإدارة العامة لشرطة المرافق، أن الإدارة بالتنسيق مع محافظة القاهرة والجهاز الأمنى فى مديرية الأمن، تشن حملات يومية على مناطق (رمسيس، والعتبة، وعبدالمنعم رياض، والتحرير، وبولاق أبوالعلا)، وغيرها من الأماكن التى ينتشر بها الباعة الجائلون، وأن الإدارة نجحت فى تحجيم الظاهرة فى أماكن كثيرة، مشيراً إلى أن آخر الحملات كانت يوم السبت الماضى بمنطقة الإسعاف وشارع 26 يوليو، وتم خلالها إزالة كل الإشغالات وضبط العديد من الباعة.