عقب الثورة التى باركها الجميع.. سرت بداخلنا نخوة افتقدناها على مدار عقود من الزمن.. نخوة ارتفعت لها هاماتنا.. وتطاولت لها أعناقنا مشرئبة إلى عنان السماء! ووقف العالم مبهوراً من صنع المصريين.. وأسرع الجميع يحمل مشاعل العمل فى الميدان وكل الميادين.. وأصبح وجه مصر مشرقاً.. وفجأة وبدون مقدمات دوت البلطجة بلا تمييز..
ومنذ ذلك الحين بدأت القيم تتهاوى والمبادئ تتساقط وأوراق الحب تتناثر.. وحبات لياليه تتباعد.. والطمع يظهر بوجهه الخبيث!! فيسرع أبناء الوطن فى وقت يحتاج فيه إلى بنيه.. يسرعون إلى تكبيله بالقيود.. ويلقون بالشراك من خلفه.. ويصنعون العراقيل أمامه.. وينثرون الأشواك فى كل مكان فى طريقه.. حتى أضحى الوطن جريحاً ينزف الدم كل يوم.. بل كل ساعة.
الأرض البكر هتكوا عرضها بالبناء مخالفة لكل اللوائح والقوانين.. الطرق السريعة وغير السريعة ألقوا على جانبيها.. بل بطولها وعرضها.. القمامة والقاذورات ومخلفات الهدم وغيرها.. الأرصفة شغلوها بالأكشاك عنوة وبطرق قبيحة وسافرة.. أملاك الوطن اغتصبوها وأعلنوا أنفسهم ملاكا عليها.. حرم النيل استباحوه فى عز النهار.. السلاح غير المرخص أصبح فى كل قرية ونجع.. بل فى كل دار وبيت وكوخ.. السطو على المحال والشركات أصبح من السهولة بمكان.. التعرض للمارة فى أى مكان وفى أى زمان أصبح غير مستغرب..
مافيا الغاز والسولار والبنزين والبوتاجاز يتلاعبون بالناس كما يتلاعب الرياضيون بالكرة.. حوادث الخطف وطلب الفدية أصبحت عمل من لا عمل له.. انتشرت السرقات بطريقة رهيبة، لأنها أقصر الطرق للغنى الفاحش.. زاد الثأر وتضاعف القتل.. وانتشرت المعارك بين القرى والعائلات.. هانت المصائب ورخصت المشاعر.. وضاعت القيم.. وانزوت المبادئ.. وأصبحت البلطجة بلا تمييز.. وأصبحت الأحكام بلا تنفيذ.
إننا لا نريد إلا الضرب بيد من حديد على يد كل من تسول له نفسه أن يستهين بمصر الحضارة والأصالة.. إننا لا نرغب سوى فى تطبيق القانون على كل من تسول له نفسه انتهاك الحقوق واختراق اللوائح وضرب القانون.. إننا لا نريد سوى عودة الأمن والأمان للشارع المصرى.. حتى يستقيم اقتصادنا ويتعافى مما هو فيه.. فتعود السياحة والتصدير والاستيراد والاستثمار وغير ذلك أقوى مما كانت عليه مصر.. ولنحقق سويا الحلم الذى يراودنا جميعاً فى أن تصبح مصر قوة عالمية لا يستهان بها من أحد.
باحث وخطيب
المنيا- زهرة