حين يذهب من يصف نفسه بالداعية إلى تونس فتقوم مظاهرات تطالب برحيله، وحين يموت أسقف الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس فيقوم الداعية ذاته بسب البابا المتوفى ولعنه وتبشيره بالنار، فإننا نكون بصدد داعية «شارد»، بعيد عن تعاليم الإسلام! ويكون هذا الدّعىأحد خطباء الفتنة، الذين يحركهم البترودولار من طرف خفى! وحين يمتنع الفكر السلفى عن القيام دقيقة حداداً على وفاة البابا فإننا نكون أمام زخم لا يفهم عن دينه إلا اللمم! إن هذا النوع من الفكر المسمى زوراً بالسلفى، هو وليد إبليس المناهض لكتاب الله!
فالله تعالى العظيم أمرنا فقال «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، فما هو نصيب هذا الداعية من فهم هذه الآية؟! إن لعناته حين تصل كل مسيحى فإنه سيهرول بعيداً عن الإسلام ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فهل سبه ولعنه لرمز المسيحية من الحكمة ومقتضيات الدعوة؟ أم من مقتضيات إبليس؟! وهل هو بذلك يلقى موعظة حسنة أم سيئة؟ أم تراه كافراً بكل ما جاء بالقرآن من رحمات أو تمييز لأهل الكتاب عن الكافرين؟! ألم يقل ربنا «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن»، فهل صب اللعنات على كبيرهم وهو ميت من التى هى أحسن؟ أم أننا بصدد داعية داهية له من فكر الدمار للدعوة الإسلامية ما يكفى لعدم وصول أنوارها للقلوب؟ لا يسعنى كمسلم محسوب على الدعوة الإسلامية إلا أن أعتذر عن ذلك الفكر الذى ينهل منه هذا الداعية المفتون بذاته، ونواب مجلس الشعب الرافضون للمشاركة فى استشعار رهبة وقداسة الموت، وعن تلك التصرفات الدخيلة على الإسلام!
لقد قام نبينا لجنازة يهودى مرت أمامه وقال: «أليست نفساً»، فهو يقوم خشوعاً لجلال الموت ويترك أمر الحساب لرب الأرباب، فهذا هو ديننا وتلك هى سنتنا وهذه هى دعوتنا.. إن الأجلاف الفكرية حين تموج فى النفوس المريضة لا يتمخض عنها إلا ذلك الغثاء فى التصرفات، ونحن كمسلمين نترك أمر الحساب لرب الأرباب، فالله سبحانه وتعالى جعل لمخاطبة الكافرين شكلاً معيناً فقال: «يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير» التوبة (73)، بينما أمرنا بأن نقسط لمن لم يخرجونا من ديارنا ولم يظاهروا على إخراجنا فقال سبحانه: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» الممتحنة (8)، فهل فهم هؤلاء شيئاً عن القرآن، هل قرأوه يوماً بتدبر؟ ما الذى يمنعنا من برهم والإقساط إليهم؟ لذلك أهيب بكل مسلم أن يكون على مستوى الفهم القرآنى، وأن يقوم للناس بالقسط، وألا يقدم فقه الأجلاف على فقه القرآن، وأكرر اعتذارى لكل مسيحيى مصر والعالم.. والبقاء لله.
محام بالنقض وكاتب إسلامى
ahmed maher@yahoo.com