يتبادر إلى ذهن كل من تقابله فيسألك عن من سترشحه لرئاسة الجمهورية، وعندما تخبره بما يتفق مع رؤيتك تجد إجابات عكسية من باب أننا لم نعرفه من قبل، أو ليس لديه الكاريزما اللازمة لرئاسة بلد بحجم مصر، أو أنه غير محبوب.. إلخ!
وهى أسباب، وإن بدت منطقية عند بعض الناس، لكنها تتسم بالسطحية الشديدة لدرجة السذاجة عندما تضعها فى أول ميزان أو تحليل سياسى.. الناس تعتقد أننا نحتاج إلى زعيم يقود مصر فى المرحلة المقبلة، والحقيقة أننا أبعد ما يكون عن احتياجنا لهذا الزعيم، لأننا المفروض - إذا نجحت أهداف الثورة - أن نخطو بمصر من مرحلة الدولة الشمولية الفاشلة، إلى مصاف الدول الأكثر حرية وديمقراطية، وأول الفروق بين الدولتين هى مهام وطرق اختيار رئيسها.. ففى كل دول العالم المتقدمة ديمقراطياً يكون رئيس الدولة هو فى الأساس مديرها، ومايسترو العلاقات والتوافقات بين المؤسسات المختلفة، فلا يهم أن تكون لها كاريزما أو لا، وليس مهماً أيضاً أن يكون ذا تاريخ سياسى عريض، أو حديث العهد بالسياسة..
الأهم من ذلك أن يقدم برنامجا يدير من خلاله الدولة، ويضع آليات مقنعة لتنفيذه، وأن يثبت أنه إدارى ناجح يجيد التعامل مع كل مؤسسات الدولة، وأن يضع لها خططاً لسياسات تنهض بهذه الدولة.. أما فى الدول الشمولية المتأخرة ديمقراطياً فإنها ترتبط بشخصية رئيس الدولة ومدى قبوله لدى رجل الشارع، ويصبح بعدها زعيماً للأمة، وتختصر الدولة فى حزبه ويختصر حزبه فى شخصه، وتنتمى الدولة بأسرها إليه! فيطول جلوسه على الكرسى حتى يصدق أنه رسول العناية الإلهية لهذه الدولة، ولا يتخيل لحظة حياة الشعب دونه، فيصبح فرعوناً جديداً ولا يقبل بالخروج من الحكم حتى لو طالبه العالم أجمع بذلك!
إننا بالطريقة التى نريد أن نختار بها الرئيس القادم إنما نستبدل الفرعون بفرعون جديد مع الإبقاء على العبيد.. أما إذا أردنا أن ننقل مصر إلى بر آخر، وحلم أكثر اتساعاً فلابد من أن نختار مديراً للبلاد إن لم يعجبنا نقم باختيار غيره، لا زعيماً عندما لا نعجبه، يفتح علينا آليات إبادته ليأتى هو بغيرنا!