على مدار العامين السابقين تحدت العديد من الأفلام المصرية التي تم إنتاجها ما يطلق عليه إسم "السينما النظيفة"، لدرجة أن الكثيرين يتوقعون اختفاء ذلك المصطلح من الوجود، الموسم الشتوي السابق على وجه التحديد شهد ظهور عدد من الأفلام التى تتناول موضوعات تقترب من الواقع، وتقدم الكثير من المضامين الجنسية المثيرة للجدل.
ويمكن رصد بداية هذا الاتجاه مع تصاعد التيار الاجتماعي المحافظ فى حقبة السبعينات، وصراع المنتجين مع نقاد السينما الذين اعتمدوا في نقدهم لتلك الأعمال على المعايير الأخلاقية، وبحلول عام 1998، بدأ مصطلح السينما النظيفة في الخروج إلى السطح، ليسيطر بعدها على المشهد الفني في مصر، متسببا في فرض المزيد من القيود على حرية التعبير، ولكن بعد فترة من السيطرة بدأ هذا التيار الأخلاقي المحافظ في التراجع تدريجيا في السينما المصرية منذ عام 2008، وظهر ذلك من خلال عدت أفلام تناقش مواضيعا سياسية واجتماعية وجنسية حساسة مثل "الريس عمر حرب" و"كبارية" وغيرها.
على الجانب الآخر قرر عدد من نجوم السينما كسر حاجز المحرمات الفنية وأصبحوا أكثر إقبالا على الظهور فى أفلام مثيرة للجدل، الأمر الذى أدي إلي اهتزاز عرش أفلام الكوميديا الخفيفة التي سيطرت على الساحة لسنوات طويلة. هذا الاتجاه الجديد جسدته الفنانة منى زكي التي اقتحمت منطقة جديدة عليها فى فيلم "إحكي يا شهرزاد" (إنتاج، 2009) للمخرج يسري نصرالله، و الذي ناقش قضايا المرأة في المجتمع المصري، كما أن هناك العديد من الممثلات الشابات مثل هند صبري ومنة شلبي تمردن على قيود "السينما النظيفة" التى تظلم الممثلات –غالبا- بتهميش أدوارهن ومنح البطولة الكاملة للممثلين الرجال.
في عام 1986، أثار فيلم "للحب قصة أخيرة" للمخرج رأفت الميهي جدلا واسعا، لدرجة أن مجموعة من صغار المحامين طالبت القضاء بمنع عرض الفيلم بسبب مشاهد الحب بين البطلين، زوج وزوجة فى أحداث الفيلم، ونظرا لتاريخ السينما المصرية الطويل، فقد جاء الحكم صادما للكثيرين، وتكرر المشهد نفسه في فترة التسعينات، مع أفلام مثل "طيور الظلام" و"الإرهاب والكباب" لوحيد حامد، و"أسرار البنات" و"يا دنيا يا غرامي" لمجدي أحمد علي، "مواطن و مخبر و حرامي" لداوود عبد السيد، و"جنة الشياطين" لأسامة فوزي.
المخرج مجدي أحمد علي يقول: "لا تتوقف الأفلام على الجوانب الأخلاقية فقط، لكن ما يثير الدهشة أن المهرجان الكاثوليكي للأفلام الذي يقام بالقاهرة سنويا كان أكثر تسامحا مع فيلم "يا دنيا يا غرامي"' في عام 1995، على عكس ما حدث مع فيلم "خلطة فوزية" الذي اخرجته في 2009، وهذا المثال يعني أن التيار المحافظ يتصاعد"، أحدث أفلام مجدي أحمد علي هو فيلم "عصافير النيل"، الذي يتناول علاقة حب بين شاب وفتاة من الطبقة المتوسطة، هذا الفيلم حصل على تمويل من وزارة الثقافة المصرية، وهو ما حدث مع فيلمي أسامة فوزي وداوود عبد السيد الجديدة: "بالألوان الطبيعية" و"رسائل البحر" (إنتاج 2010)، وتناولت هذه الأفلام فكرة العلاقة بين الدين والفن، وكذلك العلاقة بين القيم الإنسانية والمؤسسات الاجتماعية.
و رغم التحول الملموس، يؤمن الكثيرون أن تلك الأعمال تعبر فقط عن المعتقدات الشخصية لصانعيها ولا تعبر بالضرورة عن موجة عامة من الانفتاح في السينما المصرية، ويرى مجدي أحمد علي أن هذه الموجة تضم بعض الأفلام التجارية رديئة الجودة، مثل "أحاسيس" و "بدون رقابة"، لا تعكس احتراما للإبداع أو التفكير التقدمي، ويضيف أن إنتاج أفلام تعتمد فقط على الإباحية أو معالجة موضوعات مثيرة يمثل خطرا على صناعة السينما، وشكك المخرج في صحة الربط بين أفلامه التي تتناول-شأنها شأن أفلام داوود عبد السيد و أسامة فوزي- موضوعات اجتماعية مهمة و تحترم المشاهد، و بين الأفلام الأخرى التي تتبنى السوقية تحت ستار الحرية.
في فترة التسعينات، مرت السينما المصرية بأزمة تمثلت في تراجع إنتاج الأفلام، ليصل عدد الافلام المُنتجة سنويا إلى عشرين فيلما، بعد ان كان الإنتاج يتراوح من 60 إلى 70 فيلما في العقد السابق. وفي أعقاب ذلك، ظهر جيل جديد من الممثلين الشباب حاولوا إثبات وجودهم علي الساحة، وأدى ذلك إلى بحث المنتجين عن تركيبة فنية جديدة تتلائم مع التغير في السوق.
ويعتبر عام 1997 مرحلة أساسية فى هذا التحول حيث أدي نجاح فيلم "إسماعيلية رايح جاي" (بطولة محمد هنيدي ومحمد فؤاد) إلي افساح الطريق أمام موجة جديدة من أفلام الكوميديا قام ببطولتها عدد من النجوم الشباب الجدد مثل كريم عبد العزيز، وأحمد السقا، ومنى زكي، وهند صبري، ومحمد هنيدي.
فى تلك الحقبة انتشر مصطلح "السينما النظيفة" على نطاق واسع فى الصحافة والإعلام والحوارات الإعلامية مع هؤلاء النجوم الجدد، وعلى عكس الأفلام التي "تتناول مسالة الرغبة بشكل مسف" كما وصفها أحد النقاد، اعتمدت موجة الأفلام الجديدة صعود التيار الاجتماعي المحافظ وتناولت موضوعات تصلح للعرض على جميع أفراد الأسرة دون المخاطرة بوجود مشاهد حب صريحة.
و بالرغم من نجاح تلك النوعية من الأفلام جماهيريا واجتذابها المشاهدين، إلا أن جودتها وعمقها السينمائي ظلت محل نقاش، فهذه الأفلام لم تتجاهل القضايا الرومانسية والجنسية فحسب، ولكنها أيضا تجنبت تناول أي قضية اجتماعية مثيرة للجدل على الإطلاق.
ويرى المخرج داوود عبد السيد أن الأفلام الـ"نظيفة" عكست رغبة المنتجين فى الوصول إلي المشاهد المحافظ في أواخر التسعينات، ويرصد أن الاتجاه لإقامة دور العرض داخل المولات التجارية في تلك الفترة شجع على إنتاج المزيد من الأفلام الموجهة للأسرة، مضيفا أن المصريين العائدين من الخليج بعد تكوين الثروات كانوا الفئة الوحيدة القادرة في تلك الفترة على توفير ثمن تذاكر مثل ذلك النوع من دور العرض. إلا أن عبد السيد يعود ثانية ليرصد أن اطفال التسعينات أصبحوا الآن شبابا لديهم متطلبات ورغبات مختلفة، وإن هذا الجيل شهد ثورة الانترنت التي حققت تحولا ثقافيا كبيرا. يقول عبد السيد: "هذا الجيل يريد مشاهد حب واقعية، ولا يخجل من الأحضان والقبلات طالما جاءت لخدمة الموقف الدرامى".
ويرى عبد السيد ان المفكرين و النقاد صاروا أكثر شجاعة في مواجهة التيار المحافظ الذي ساد السنوات العشر الاخيرة. وأشار إلي أن فكرة السينما النظيفة في تلك المرحلة كانت تمثل الاستثناء، لا القاعدة، حيث اعتبرت محاولات قمع الجانب الانساني في الافلام محاولة لإعاقة سريان مجرى الحياة الطبيعى والذى لا يمكن إيقافه.
يعطي الناقد طارق الشناوي تبريرا آخر لتسامح الرقابة في الفترة الاخيرة مع مشاهد الجنس، مشيرا إلي أن الجنس صار متاحا بشكل واسع عبر القنوات الفضائية والانترنت. كما أشار الى ان النظام الحاكم لم يكن ليسمح بتجاوز الخطوط الحمراء بتلك السرعة لو كان الموضوع متعلقا بمحظورات دينية أو سياسية.
هذا الرأي يمكن تطبيقه إذا نظرنا الى الأفلام الأخيرة للمخرج خالد يوسف، المعروف بمواقفه المعارضة، حيث قدم أفلاما مثل "حين ميسرة" (2007) و"دكان شحاتة" (2009)، تناولت الوضع السياسي في مصر وأحوال الفقراء، إلا أن يوسف تخلى في فيلمه الأخير "كلمني شكرا" عن نهجه السياسي، فقدم قصة عادية مليئة بالمشاهد الجنسية غير المبررة والتلميحات غير اللائقة.
يختتم عبد السيد معلقا: "قد ينجح المرء لفترة، إلا انه لا يستطيع التحكم في طريقة استهلاك المشاهد لجميع هذه الأفكار، تلك الأفكار التى تتجول حول العالم بفضل التكنولوجيا الحديثة".
التقرير مترجم من الطبعة الانجليزية للمصري اليوم
www.almasryalyoum.com/english