منذ طفولتى فى ستينيات القرن الماضى وحتى الآن، وأنا أرى والدى وأعمامى ليلة عيد الميلاد المجيد، يذهبون إلى إخواننا المسيحيين فى قريتهم المجاورة لنا بمحافظة الشرقية، ليقدموا لهم التهنئة فى كنيستهم.. وفى المقابل يأتون إلينا فى عيدى الفطر والأضحى.. كنا ننتظر سيارتهم فى موعد محدد لم يتغير حتى الآن، ونجلس فى المضيفة التى نسميها الدوار، نصغى إلى أحاديثهم الودية مع كبار عائلتنا.. وتمر السنون وأعمل فى التسعينيات بأحد المراكز الصحية بالسعودية، ويطلب منى مديره أن أبحث له عن ممرض يتصف بالمهارة والأمانة ويقع اختيارى على عمى وهبة المسيحى الذى عمل معى فى مصر، فيتم التعاقد معه ويأتى إلى السعودية، ويقضى بها 8 سنوات يشرفنى خلالها، ويكون محل تقدير الجميع، ويتمكن من بناء مسكن مناسب له فى مصر!.. وتتبدل أحوالى وأعمل فى ليبيا وأعرف الأخ خلف وهو مسيحى من مركز البدارى بأسيوط، وهو بائع الخضروات الذى يحيطه المصريون من المسلمين برعايتهم ومحبتهم ويتبارون لمساعدته وتفريج محنته حين تعرض لإحدى مخالفات الإقامة هنا!!
أما جيرانى من المسيحيين بمدينتى بالشرقية فلا أنسى رعايتهم لأسرتى أثناء غربتى، وسؤالهم الدائم عنى حين وقعت أحداث ليبيا.. هكذا يعيش المصريون مسلمين ومسيحيين معاً فى مصر وخارجها، وهو ما يطمئننا على تماسك نسيج هذا الوطن ويجعل العبث فيه أمراً مستحيلاً.. ولكن هذا ليس مبرراً لأن نغفل عن حل مشكلات تظهر من حين إلى آخر فتستغلها طيور الظلام ودعاة التطرف من الجانبين.. وما نراه الآن ما هو إلا مخطط محكم لإسقاط مصر كلها وليس لإسقاط نظام أو حكومة.. ترى هل يهنأ المصريون مسيحيين ومسلمين بالعيش فى صومال أو أفغانستان أو شيشان جديدة؟
منيا القمح- الشرقية