كم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها الديمقراطية!! كان هذا هو لسان حالى وأنا استمع إلى الشيخ الأصولى، وهو يتشدق بملء لسانه وهو يقول: (ألم ترتضوا بالديمقراطية وهى تعنى حكم الأغلبية؟ ونحن الأغلبية، إذن فالحكم لنا وعليكم الخضوع)!! وهكذا بكل غرور تحولت الديمقراطية التى تكفرها معظم الأدبيات الأصولية- لأنها تعنى حكم الشعب والحكم لله- إلى مطية مادامت تؤدى الغرض للوصول للحكم!! وإذا طرحنا تساؤلاً حول هذه الأغلبية التى فى يدها الآن تحديد مستقبل مصر عبر صناديق الانتخابات- ويا للأسف نجدها- ويا للأسف وبعيداً عن المقولة المتداولة (الأغلبية الصامتة!)- أغلبية تعانى الأمية، وأمية القراءة والكتابة تصل إلى خمسين فى المائة!!.. هذه هى الأغلبية التى من المقرر أن تحدد مستقبل مصر ومستقبل أولادنا وأحفادنا وإذا اعترضنا قالوا هذه هى الديمقراطية، وهنا دعونا نجادل هل الديمقراطية مذهب سياسى بلا عيوب؟ ولماذا لا نتدخل فى فحوى كتالوج الديمقراطية، ونقدم تعديلات تناسب الواقع المر، الذى أفرز لنا أغلبية إذا قادتنا حطمتنا وإذا اعتمدنا عليها سلمتنا إلى يد من لا يرحم؟ فإذا كان أهم شرط للحصول على رخصة قيادة سيارة هو الحصول على شهادة محو الأمية، فكيف يسمح لأمى لا يجيد القراءة والكتابة أن يصوت على الدستور، وهو الذى لا يعرف أن ينطق كلمة الدستور فيقول (كستور)؟، فهل الذى لا يؤتمن على قيادة سيارة يؤتمن على قيادة الوطن، وإذا رفضنا صرخوا قائلين (أين المساواة؟)، وهذه المساواة لا نجدها فى أى من نواحى الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فهل يحصل الشاب الذى يتخرج فى الدبلوم على راتب أو مكانة اجتماعية كالطبيب الحاصل على مؤهل جامعى؟.. فلماذا إذن يتم تحقيق المساواة فى المجال السياسى فقط، دون المطالبة بالأمر نفسه على باقى المستويات والتى تحتاج إلى مزيد من المعرفة والوعى والنضج المجتمعى، وما معنى الأغلبية هنا؟ فهل هى أغلبية بلا ضابط ولا رابط، وبلا شروط؟ فقط المطلوب أن يكون لك صوت وبطاقة رقم قومى يتم بها إحصاء المواليد والموتى، ومن بلغ سن الرشد دون حتى مجرد شرط الحصول على شهادة محو الأمية!!
لقد حرصت الأنظمة الفاسدة الحاكمة بمصر على إبقاء هذه الأغلبية على حالها، تعانى المثلث المدمر: (الجهل والفقر والمرض)، حتى تسهل قيادتها ويمكن الحصول على أصواتها، ولنسقط نحن فى فخ الشكل الديمقراطى، فلا نحصد من الديمقراطية غير لعنتها ونشرب مرارتها، وننتظر صدور حكم الأغلبية الجاهلة على الأقلية المستنيرة، وهذا ليس استعلاء أو كبرياء، بل توصيف صادق لواقع مؤلم يضعنا فى خندق مظلم لا حل للهروب منه سوى قيادة المستنيرين ووضع شروط للتصويت الانتخابى، الذى هو أهم بكثير من قيادة سيارة دون رخصة قيادة!.. لابد ألا يتاح التصويت للجميع ولو لفترة زمنية نتغلب فيها على الأمية!! ويمكن اعتبارها فترة عقاب لمن باعوا أصواتهم، مقابل الأرز والسكر والزيت، ولنضف لتعريف الديمقراطية أنها حكم الأغلبية المتعلمة الواعية الناضجة أو نصمت ونستسلم لـ«اللعنة» أو نبكى على مستقبلنا من الآن!!
elfares_robier@yahoo.com