على الرغم من أن جميع محافظات مصر شاركت فى الثورة، وكانت المظاهرات أثناء الثورة فى (ميادين التحرير) فى طول البلاد وعرضها، إلا إننا اتخذنا ميدان التحرير بوسط القاهرة ممثلاً لكل هذه الميادين، ورمزاً لثورة الشعب المصرى، وقد تعرض الرائع د. أحمد تيمور لميدان التحرير جغرافياً، فبداية فى قصيدته البديعة (مصر تولد من جديد)، إلا أننى سوف أحاول تتبع حركة الثورة جغرافياً، فبداية يجب تسجيل انتقال الثورة من ميدان التحرير إلى كوبرى القبة (وقبل التنحى) حيث المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى اجتمع وبدون قائده الأعلى مؤكداً انحيازه للشعب ولمطالبه المشروعة، ثم تحركت الثورة من ميدان التحرير باتجاه مصر الجديدة حيث قصر العروبة، فكان قرار التنحى أو التخلى (ومجبراً رئيسك لا بطل)، ولأن قصر العينى، حيث مجلسا الشعب والشورى، بينه وبين التحرير خطوات معدودة، فكان قرار حل المجلسين، وعلى العكس، لأن المجالس المحلية منتشرة فى جميع أنحاء البلاد، فقد استعصت على الثورة، ولم تستطع الثورة الوصول إليها وبقيت هذه المجالس لتلعب دوراً غير معلوم، وغير مفهوم لعدة شهور، ولكنه أكيد ضد الثورة ولصالح الحزب المنحل!! ثم تحركت الثورة وبسرعة السلحفاة إلى مجلس الوزراء، رغم أن المسافة بينه وبين ميدان التحرير (فركة كعب)، فكان قرار إقالة حكومة أحمد شفيق، وتعيين حكومة د. عصام شرف استجابة لمطالب الثوار، ولكن عندما انتقل الوزراء الجدد من مجلس الوزراء إلى مقر وزارتهم لم تتحرك معهم الثورة، أو أنهم لم يصطحبوها معهم، رغم أن أغلب الوزارات يحيط بميدان التحرير، فإذا كانت الثورة لم تصل إلى مقر الوزارة، حيث مكتب الوزير، فكيف يتسنى لها أن تصل إلى جميع الهيئات والمؤسسات والمصالح المنتشرة بطول البلاد وعرضها والتابعة لهذه الوزارة، أو تلك؟! وقد رأينا كيف انتقلت الثورة من ميدان التحرير بصعوبة بالغة إلى مصلحة الطب الشرعى التابعة لوزارة العدل، وبعد تدخل الإعلام، وأعتقد أنها ستواجه بصعوبات وعراقيل أكثر عند انتقالها إلى أى مصلحة أو مؤسسة أخرى، فالفساد الذى استمر أكثر من ثلاثين عاماً طال الكثيرين، وأصبحوا لا يستطيعون العيش خارج هذا المناخ، وفى ظل هذه الأجواء الرمادية أجواء الثورة واللا ثورة، فإذا ما أردنا تأكيد الثورة ونجاحها، وبالتالى انتشارها جغرافياً فى طول البلاد وعرضها فى جميع الهيئات والمؤسسات ليشعر بها المواطن فى تعامله معها، فإما الضرب بيد من حديد على يد كل المعوقين الذين لا يقلون خطراً عن بلطجية الشوارع والطرق من قبل المجلس العسكرى ومجلس الوزراء، وإما ميدان التحرير والمليونيات المتوالية كما حدث بالأمس
abdelfattah64@yahoo.com