لست من هواة الذهاب إلى أقسام الشرطة، لكن الظروف اضطرتنى إلى الذهاب إلى قسم الشرطة «الأول» بإحدى المدن السياحية لعمل محضر لصاحب المستشفى الذى كنت أعمل به هناك، استقبلنا أحد الضباط بنظرة معجونة بالقرف، قبل أن يحيلنى إلى أحد أمناء الشرطة، الذى كان مشغولاً بتقفيل أحد المحاضر.. لم أنتظر طويلاً قبل أن يبدأ المحضر الخاص بى!.. كان «الأمين» يتلكأ بشدة وهو يكتب المحضر.. فجأة سمعنا جلبة وصخباً بالخارج، دخل على إثره مجموعة من الشباب بدت آثار المعاملة الخشنة على وجوههم الملطخة بالدماء وملابسهم الممزقة! أدخلهم الضابط إلى غرفة تقع مباشرة خلف مكتب الأمين، الذى بدا وكأنما تحول إلى كتلة من النشاط بعد أن كان متراخياً على كرسيه! ودخل هو وبضع ضباط واثنان من العساكر إلى تلك الغرفة.. وبدأوا يمارسون ذلك الفن الذى يجيده بعض كل رجال الشرطة فى مصر.. فن الضرب.. فن الإهانة.. فن دهس الإنسانية.. وبالرغم من عدم تعاطفى مع هؤلاء الشباب بسبب ملامحهم الإجرامية، إلا أن بدنى اقشعر عندما صك صوت الضرب مسامعى.. ما لفت انتباهى هو تلك الجملة التى صرخ بها أحد الضباط فى وجوه هؤلاء الشباب: «الثورة لسه ماجتش قسم أول يا...».. ثم هددهم بالموت ضرباً إذا سمع لهم صوتاً، قبل أن يخرج هو ورفاقه أفراد كتيبة التعذيب وامتهان الإنسانية، وأغلقت الغرفة على المحتجزين.. عاد بعدها «الأمين» ليكمل المحضر الذى بدأه وعلى وجهه ابتسامة عريضة!.. ودار حوار صغير بينى وبين ذلك «الأمين»، استشففت منه أن السبب الرئيسى لإحجام عدد كبير من ضباط الشرطة عن ممارسة عملهم على الوجه الأكمل، خاصة فى المدن المسلط عليها الضوء مثل القاهرة والإسكندرية، يكمن فى أن الثورة النبيلة التى أسقطت عرش الفساد بقوة، قد أعادت الكرامة للإنسان المصرى وسلبت الثورة من رجال الشرطة حق امتهان الآخرين، ذلك الحق الذى اكتسبته الشرطة فى عهد «العادلى»، وهو ما كان يجعل لهم هيبة مخيفة.. لكن يبدو أن هناك بعض الضباط لا يزالون ينفذون سياسة العهد الفاسد!
مستشفى الساحل التعليمى
doctor_mostafa79@hotmail.com