أراد الشعب إسقاط النظام، فكان له ما أراد، والحقيقة أن النظام كان يحمل فى طياته أسباب سقوطه وهى أسباب عديدة ليس الآن مجال الحديث عنها، فالأهم فى هذه اللحظة هو الحديث عن الخطوة التالية، وهل تسير الإصلاحات الدستورية فى اتجاه الجمهورية البرلمانية أم الجمهورية الرئاسية؟
فالملاحظ أن هناك اتجاهاً نحو ترويج صيغة الجمهورية البرلمانية عوضاً عن النظام الرئاسى الذى كان سائداً وتركزت فيه السلطات جميعها فى يد شخص الرئيس الذى طغت سلطاته على كل من السلطتين التشريعية والقضائية مما أحدث خللاً واضحاً فى العلاقة بين السلطات، وقاد - مع أسباب أخرى - لسقوط النظام، ومن هنا جاءت دعوة البعض لتبنى النظام البرلمانى كضمانة لتحقيق الفصل بين السلطات وإرساء دعائم الديمقراطية النيابية الفعلية، ولكن ينبغى إيضاح الحقائق التالية بخصوص النظام البرلمانى:
1- من أهم دعائم النظام البرلمانى وجود خريطة حزبية متميزة وأحزاب قوية قادرة على القيام بمهامها الحزبية، كالتنشئة السياسية وتجنيد الكوادر السياسية وتعبئة الجماهير، والأهم تشكيل الحكومة وهو ما لا يتوافر للأحزاب المصرية فى الوقت الراهن، ويحتاج إلى بعض الوقت كى تستعيد خريطة الأحزاب المصرية دورها وحيويتها كما كانت عليه قبل ثورة 1952.
2- إن النظام البرلمانى بما يتطلبه من تحجيم لدور رئيس الدولة ليكون دوراً رمزياً لا يتناسب مع طبيعة الثقافة المصرية، والمزاج المصرى الذى يميل نحو تقديس الحاكم، فمصر كأقدم مركزية عرفها التاريخ لن تقبل بوجود الحاكم الرمز ليحل محل الحاكم الإله أو (نصف الإله).
وبالتالى فإن الحل قد يكون فى تبنى نظام برلماسى (أقرب للنموذج الفرنسى) يشبع حاجة الطبيعة المصرية فى وجود رأس للدولة منتخب وله سلطات فعلية واسعة فى مجال العلاقات الخارجية وما يتعلق بالأمن القومى، وفى الوقت نفسه وجود برلمان قوى يفرز رئيساً للوزارة يمثل الأغلبية فى البرلمان وتكون له سلطات فعلية فى إدارة الشؤون الاقتصادية والأوضاع الداخلية فى البلاد مع وضع الضمانات الدستورية والقانونية اللازمة لتجنب حدوث التضارب فى السلطات بين الرئيس ورئيس الوزراء وآليات تسوية هذا النزاع حال حدوثه.
باحث فى الشؤون السياسية
mdin@piraeusbank.com.eg