استيقظت القاهرة صبيحة الأربعاء 23 يوليو 1952 على أزيز الطائرات تشق عنان السماء.. كانت هناك إرهاصات بحدوث أمر جلل لا يستطيع أحد على وجه اليقين تحديده! احترقت القاهرة يوم السبت 26 يناير 1952 وتوالت الوزارات من على ماهر إلى حسين سرى إلى نجيب الهلالى، ومرة أخرى عادت إلى على ماهر! وجاء خطاب أنور السادات يوم 23 يوليو يتحدث عن الفساد والأسلحة الفاسدة وهزيمة الجيش بفلسطين عام 1948 وأعلن تطهير الجيش من المفسدين والجهلاء! ثم جاء الإنذار الذى قدمه على ماهر إلى الملك فاروق بالتنازل عن العرش ومغادرة البلاد قبل حلول الساعة السادسة مساء السبت 26 يوليو 1952! وعلى الفور بدأت «مرحلة جادة جديدة» قوامها الإخلاص وعمادها الجد والحرية وأساسها الاتحاد والنظام والعمل، وكان كل صباح يعنى قراراً جديداً سعيداً لمصر والمصريين على سبيل المثال.
تطبيق قانون الإصلاح الزراعى فى 9 سبتمبر عام 1952 وتوزيع أراضى الإقطاعيين على الفلاحين.. إلغاء رتب البكوية والبشوية فى أكتوبر عام 1952.. إلغاء الأحزاب السياسية فى يناير عام 1953 بعدما امتلأت ضعفاً وانقساماً وفرقة.. مقاومة الاحتلال الإنجليزى الرابض فى منطقة قناة السويس.. تطبيق مجانية التعليم على المرحلتين الابتدائية والثانوية.. تجديد مدينة القاهرة وافتتاح الكثير من المشروعات وتسمية ميدان التحرير بدلاً من ميدان الإسماعيلية.
كانت الثورة تبغى النجاح والاستقرار وتعلم حجم المخاطر والمؤامرات المحيطة بها لذا كانت إجراءاتها عنيفة حيث ينبغى العنف وتستوجب السرعة! وقد حدث يوم 9 أغسطس عام 1952 بعد أقل من أسبوعين من قيام الثورة أن قام عمال كفر الدوار بمظاهرة كبيرة امتنعوا فيها عن العمل، وأتلفوا بعض الماكينات بتحريض من أصحاب الشركة الناقمين على الثورة! وعلى الفور عقدت الثورة محكمة فى فناء الشركة وحكمت بالإعدام على عاملين ثم نفذت الحكم فى «ساحة المصنع» فى نفس اليوم»، وقد يكون هذا العمل منافياً لكل الشرائع والأعراف ولكنه كان ضرورياً كما تصوروه لدعم الأمن والنظام! وحينما ذهبت لجنة تصفية الإقطاع لتحديد ملكية الأراضى التى تزيد على 200 فدان فقد قابلها الإقطاعى الشهير «عدلى لملوم» وكان يملك اثنى عشر ألف فدان بإطلاق الرصاص، فقامت الثورة بالقبض على عدلى لملموم فى نفس اليوم وهو يرتدى جلبابا حافى القدمين وسط مزارعه، وأصدرت حكماً عليه بالإعدام، ولم ينقذه سوى أنه صهر للملك إدريس السنوسى ملك ليبيا وصدق الشاعر حين قال: ووضع الندى فى موضع السيف بالعلى.. مضراً كوضع السيف فى موضع الندى!!
- مدير عام سابق