كلما قرأت الاعترافات التى يدلى بها المتهمون فى قضايا الإخوان المسلمين أحسست بالإشفاق والألم.. الإشفاق على مصر التى سعت طويلاً نحو الاستقرار، فلما أوشكت أن تحققه أبى فريق من أبنائها إلا أن يحيلوا هذا الاستقرار إلى فوضى، وخراب، ودمار.. سعياً وراء حكم، وجرياً وراء سلطان!.. أما الألم فلا يعنى العطف على هؤلاء الجهلاء!.. أو أن يكون مقدمة للمطالبة بمعاملتهم بالرأفة.. بل لعل ما أريده هو العكس، فقد حان الوقت لكى نطالب كل مواطن بألا ينصاع إلا لضميره، وحكمه الشخصى.. بل يجب عليه أن يسأل نفسه ويقرأ بنفسه إن أمكنه أن يقرأ ويواصل الدرس والبحث قبل أن يبدى رأيه النهائى..
من الخطأ القول بأن الثورة قد قضت تماماً على العقلية القديمة التى كانت تركع بآرائها للزعامات والقيادات، فمازال الانصياع الأعمى قائماً، ومازالت هناك زعامات تسعى إلى إذلال الناس، وجبرهم على الإزعان لآرائهم الخاطئة المضللة!.. لهذا نرى أن هذه الفترة التى تمر بها مصر وهى أخطر فترات تاريخها الحديث يجب أن تكون فترة تطهير من التعصب.. بل يجب أن تكون فترة تطهير من كل الآراء التى يراد فرضها بالدم حتى نظهر فى عهد الاستقلال بمظهر العارفين بقيمة الاستقلال فى الرأى، والفكرة، والمبدأ.. والحكم على الأشياء بحقائقها الكاملة!.. نريد شعباً يقول «لا» يقولها فى كل وقت، وفى كل حين، متى تطلب الموقف أن يقول كلمة «لا» وبغير هذا ما قيمة الاستقلال؟.. ما سبق هو نص ما كتبه الكاتب الكبير جلال الدين الحمامصى عام 1954 عقب حادث المنشية لاغتيال جمال عبدالناصر.. ولا تعليق!