أَبِى..
قُلْتَ لِى إِنَّنِى تَوْأَمُ الْكَوْنِ..
إِذْ وَلَدَتْنَا الْحَيَاةُ عَلَى ضَفَّةِ النِّيلِ..
أَوْ كُنْتُ أَكْبَرَ مِنْهُ بِسَبْعٍ حُقُولٍ..
وَنِصْفِ حَضَارَة
وَقُلْتَ بَأنَّ بََقَايَا الثَّرَى فَوْقَ كَفِّكَ
مِنْ قُبْلَةِ الْكَوْنِ..
حِينَ أَرَادَ صِيَاغَةَ شُكْرٍ خَصِيبٍ عَلَى كَفِّ وَالِدِهِ
فَغَدَوْتَ إِذَا لَمَسَتْ يَدُكَ الأَرْضَ، يُولَدُ حَقْلٌ
وَينسبُ للنِّيلِ أَى حَفِيدٍ مِنَ النَّخْلِ فيهِ
وَعَائِلَةٍ مِنْ سَنَابِلهِ الخُضْرِ..
كَى تَتَقَّبَلَ مِنْهُ ثِمَارَهْ
فَمَاذَا تَغَيَّرَ...
وَالنِّيلُ مَازَالَ فَرْعَاهُ مِنْ مُقْلَتَيْكَ يَمُرَّانِ!!
لَكِنْ أَمَرُّ مِنَ الْمُرِّ دَمْعُكَ..
حَتَّى كَأَنَّكَ تَخْتَصِرُ الْعَجْزَ فِيهِ..
وَلَمْ يَعُدِ الْحَقْلُ يَقْوَى عَلَى شُرْبِ هَذِى الْمَرَارَة
سَمِعْتُكَ ذَاتَ رَحِيلٍ
وَأَنْتَ تُسِرِّ لأُمِّى بِآخِرِ رُوحِكَ..
فَوْقَ سَرِيرٍ مِنَ الْحَجَرِ الْمُتَمَرِّدِ فِى قَاعَةٍ
مِنْ هَرَمْ
وَمِنْ دَمْعِهَا فَوْقَ خَدَّيكَ
حُزْنٌ عَلَيْكَ طَوِيلٌ بِغَيْرِ نُجُومٍ..
وَخَوْفٌ عَلَىّ تَقِلُّ بِهِ خُضْرَةُ الصَّبْرِ..
حَتَّى يَزِيدَ احْمِرَارًا..
وَيُصْبِحَ دَمْ
وَقُلْتَ
بِأَنَّكَ - مَهْمَا ذَهَبْتَ - قَرِيبُ
وَأَنَّ الْفَرَاعِنَةَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ فِى الْخُلُودِ نَصِيبُ
وَأَنَّ الْحَضَارَةَ مِنْ طَبْعِ مِصْرَ..
وَأَوْصَيْتَ أُمِّى عَلَيْنَا..
وَرُحْتَ عَلَى مرْكبِ الشَّمْسِ
فِى بَحْرِهَا السَّرْمَدِى الَّذِى سَالَ مِنْ جَفْنِ أُمِّى عَلَيْكَ..
وَحُمْرَةُ إِشْفَاقِهَا انْبَثَقَتْ...
وَطَغَى فَيْضُهُ عَنْ ضِفَافِ الغُرُوبِ
فَكَانَ الشَّفَقْ
وَلِلدَّمْع سُنَّتُهُ مُنْذُ أَجْفَانِ إِيزِيسَ
فَوْقَ خُدُودِ قُرَانَا
وَمُنْذُ تَقَبَّلْتَ أَوَّلَ مَرَّاتِ مَوْتِكَ فِى عِفَّةِ النِّيلِ..
(يُرمَى بِصَخْرٍ..
فُيُلْقِى عَلَى وَجْهِ رَامِيهِ رَشَّاتِ مَاءٍ تُخَفِّفُ حَرَّ الشُّرُورِ
وَحُمْرَتَهَا فِى مَلامِحِهِ..
وَتَبُلُّ بِهَا جَمْرَةً مِنْ نَزَقْ...)
أَبِى، بَعْدَ أَنْ وَضَعُوا لَكَ
-فِى مَرْكبِ الشَّمْسِ-
نِصْفَ الْمَحَاصِيلِ..
أَرْضُكَ لَمْ تَتَحَمَّلْ بِعَادَكَ عَنْهَا..
فَبَارَتْ..
وَعِرْسَانُهَا
-بَعْدَ أَنْ فَقَدَ الأَهْلُ جَاهَ الضِّيَاءِ-
غَدَوْا يَعْرِضُونَ عَلَيْهَا الأَسِرَّةَ بِالأَجْرِ..
كِدْنَا نَقُول لَهُمْ: لا..
غَيْرَ أَنَّ أَخَانَا الْكَبِيرَ الْوَرِيثَ الْوَحِيدَ لِقَصْرِكَ
مَدَّ يَدَيْهِ إِلَيْهِمْ وَغَسَّلَهَا بِالنُّقُودِ..
وَأَجْبَرَ لَيْلَى عَلَى النَّومِ عَارِيَةً مِنْ قَمِيصِ الْعُرُوبَةِ
فَوْق السَّرِيرِ الْغَرِيبْ
وَأُمِّى
-فِى لَيْلَةِ الْمَطَرِ الْمُسْتَبِدِّ بِرَأْى الْبُرُودَةِ فِى أَهْلِنَا الْفقَرَاءِ-
تُعِيدُ عَلَيْنَا قَصَائِدَكَ الْبِيضَ فِى حُبِّ لَيْلَى..
وَلَكِنَّهَا تَمْسَحُ النُّقَطَ الزُّرْقَ فَوْقَ الْحُرُوفِ..
وَتَنْقطُهَا بِالدُّمُوعِ..
وتُدْمِنُ تَشْكِيلَهَا بِالنَّحِيبْ
وَلَيْلَى تُؤَجَّرُ فَوْقَ الرَّصِيفِ نَهَارًا..
وَمِنْ زَحْمَةِ الْفِكْرِ بالْخُبْزِ..
صِرْنَا نَمُرُّ بِهَا غَيْرَ مُنْتَبِهِينَ لِصَرْخَةِ نَبْضَتِهَا فِى الْقُلُوبْ
********
ذَهَبْنَا
-إِلَى الْكَوْنِ-
نَسْتَبِقُ الذِّكْرَيَاتِ عَنِ التَّوْأَمَيْنِ..
(وَفِى الشَّفَتَيْنِ كَلامٌ يُؤَاخِى كَلامًا..)
فَأَنْكَرَنَا..
وَاسْتَدَارْ
وَجَفَّ عَلَى شَفَةِ الْعُمْرِ رِيقُ انْتِظَارْ
وَطَعْمُ نَهَارْ
وَمَا عَادَ فِى الْكُوبِ قَطْرَةُ أُمْنِيَةٍ غَيْرُ مَالِحَةٍ..
مُنْذَ ذَابَ
-عَلَى شَفَةِ الليْلِ-
آخِرُ ضَوْءٍ لِقِطْعَةِ سُكَّرْ
وَصَارَ الرَّغِيفُ اخْتِصَارًا بَلِيغًا
لأحْلامِنَا..
وَلَعَلَّكَ لَمْ تَدْرِ أَنَّ الرَّغِيفَ عَلَى عَصْرِنَا صَارَ
أَصْغَرَ مِنْ كُلِّ أَصْغَرْ
***
وَحِينَ رَجَعْنَا لِقَبْرِكَ لَمْ نَلْقَ نِصْفَ الْمَحَاصِيلِ..
قَالَ لَنَا كَاهِنٌ:
«إِنَّهَا نِصْفُ وِرْثِ أَخِيكُمْ..
وَدُمْتُمْ!!.................»
وَلَمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْ نِصْفِ مِيرَاثِهِ الْمُتَبَقِّى
تَنَحْنَحَ
ثُمَّ اسْتَعَاذَ بِعَرْشِ أَخِينَا..
وَقَالَ: «بِحكمِ الشَّرِيعَةِ.. أَنْتُمْ!!»
أحمد حسن - الشرقية
مواليد: 1982م - مركَز ديرب نجم محافظة الشرقية
تخرج فى: كلية التربِية – شعبة اللغة العربية
صدر له «نغمات متقَطعة علَى أَوتار ممزقَة، البدل والمبدل منه، مدينة شرق الوريد»
حصل على العديد من الجوائز منها «الميدالية الفضية فى الشعر فى الأولمبياد المصرى الأول 2002، المركز الثانى فى جائزة التضامن العربى، أفضل ديوان عن ديوانه مدينة شرق الوريد فى جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى»