تصاعدت الأحداث داخل مجلس الدولة، عقب صدور قـرار من المستشار «محمد الحسينى»، رئيس المجلس، بالموافقة على تعيين المرأة قاضية، حيث بدأت مساء أمس حملة موسعة بين مستشارى المجلس من أجل الدعوة لعقد جمعية عمومية طارئة للمستشارين، تقرر عقدها غدا، بوصفها أعلى سلطة قضائية داخل المجلس، للتصدى لما اعتبروه «مخططاً خارجياً» لتعيين قاضيات بالمجلس لأول مرة فى تاريخه، كما أعلن مجلس إدارة نادى قضاة مجلس الدولة، رفضه التام تعيين المرأة قاضية داخل المجلس كما أعلن المجلس برئاسة المستشار «يحيى راغب دكرورى»، أنه في حالة انعقاد مستمر لحين انتهاء تلك الأزمة، ووقف قرار «تعيين القاضيات».
كان المستشار «الحسينى» قد أصدر قرارا برقم 92 لسنة 2010، مساء أمس الأول عقب اجتماع مغلق للمجلس الخاص استمر 4 ساعات، بالاستمرار فى استكمال إجراءات تعيين خريجات 2008و2009، بما يعنى الموافقة على تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة لأول مرة فى تاريخه، مستندا إلى قرار سابق للمجلس الخاص بالموافقة بالإجماع على تعيينهن، وهو ما تسبب فى تفجر أزمة حادة وانقسام كبير فى مواقف القضاة بين أقلية مؤيدة لـ «قرار الحسينى»، ترى فيه نقلة مستحقة والتزاما بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فى العمل، وأغلبية معارضة تعتبر «القرار» مخالفاً للدستور والأعراف القضائية، وخطوة تشكل تحديا لتعاليم الدين وتقاليد المجتمع الإسلامى واستجابة للضغوط الخارجية.
ويحاول قطاع كبـير من قضاة مجلس الدولة حاليا تنظيم حملة مضادة «بشكل قانونى» تقطع الطريق أمام تنفيذ قرار «الحسينى» الذى وصفوه بـ «القرار المنفرد» و«المخالف» لرأى الجمعية العمومية للمستشارين يوم 15 فبراير الجارى، كما أنه يتجاهل قرار المجلس الخاص الأخير، الذى رفض بالأغلبية ( 4 ضد 3) تعيين المرأة فى القضاء، وأعرب عدد من المستشارين لـ «المصرى اليوم» عن صدمتهم من قرار المستشار «محمد الحسينى»، الذى يعد سابقة قضائية، حيث خالف أعلى سلطتين داخل المجلس، وهما الجمعية العمومية للمستشارين التى تضم فى عضويتها كل من يشغل منصب نائب رئيس مجلس الدولة أو وكيل للمجلس، بالإضافة إلى منصب مستشار، وهؤلاء عددهم يقترب من الـ 700 عضو، جميعهم أمضوا فى العمل القضائى 15 سنة على الأقل، أما السلطة الثانية، فهو المجلس الخاص أعلى سلطة إدارية بمجلس الدولة، والذى رفض بالأغلبية بعد اجتماع مغلق استمر نحو 4 ساعات، تعيين قاضيات، وأبدى القضاة الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم، اندهاشهم مما يسوقه «الحسينى» عن أن إجماع المجلس الخاص فى اجتماع سابق على تعيين المرأة، ينسخ أو ( يلغى) رفض المجلس بالأغلبية مؤخرا، حيث اعتبروا أن ذلك مبدأ مستحدث فى علم القانون، ويخالف كل الأعراف القضائية.
ويراهن القضاة المناوئون لتعيين المرأة على الجمعية العمومية للمستشارين فى وقف القرار، وأكـد المستشار «يحيى راغب دكرورى» رئيس نادى مجلس الدولة، أن الجمعية العمومية هى السلطة الأعلى وهى المرجعية الأخيرة فى جميع القرارات المهمة والشؤون العليا لمجلس الدولة، فهى التى تختار رئيس المجلس نفسه، وهى التى توافق على ترقيات نواب الرئيس والوكلاء والمستشارين، وغيرها من الأمور المهمة.
وأشار «دكرورى»، الذى يشغل أيضا نائب رئيس مجلس الدولة، إلى أن تعيين المرأة «قاضية» يخالف الشرع، كما يخالف الدستور، وتساءل: «كيف نترك إجماع الفقهاء بعدم جواز تولى المرأة القضاء، ونأخذ برأي الحنفية الذين أجازوا لها ذلك في غير الحدود والقصاص؟.
وأضاف «دكرورى» أن تولى المرأة القضاء يضعنا فى مسائل شائكة مثل الخلوة غير الشرعية داخل غرف المداولة، كما يتناقض مع مبادئ المساواة والمواطنة بالنظر إلى الحقوق الدستورية التى تحصل عليها المرأة، ومنها إجازات الوضع ورعاية الطفل وغيرها، والتى لا يتمتع بها القضاة الرجال.
وأكد أن وجود قاضية على المنصة وهى حامل، سيؤثر على هيبة القضاء ومظهر القضاة عند الناس، كما أن وضعها لطفلها قد يؤثر على سير الدعاوى القضائية التى تنظرها.
فى المقابل، يراهن القضاة المؤيدون لتعيين المرأة فى القضاء، على قوة ومكانة «الحسينى» داخل المجلس، فى حسم تلك الأزمة، ومن ناحية أخرى على تطور وتغير المجتمع وهو ما سيؤدى إلى تعيين المرأة قاضية فى نهاية المطاف أسوة بما حدث فى القضاء العادى عام 2007، كما يرى هذا التيار أنه لا يوجد فى الدستور أو القانون أو الشريعة الإسلامية ما يمنع تولى المرأة منصب القضاء، بل ويؤكدون أن ما يحدث داخل المجلس من رفض تعيين المرأة فى القضاء هو تعد على الحقوق الدستورية العامة والمواثيق الدولية فضلا عن الاختصاصات القانونية للمجلس الخاص، وإهدار للمراكز القانونية للمتقدمات اللاتى تنطبق عليهن الشروط وتقررت صلاحيتهن للعمل القضائى، ويذهب هذا التيار إلى أن شرط الذكورة لتولى القضاء غير صحيح، لأن المرأة يجوز أن تكون مفتية، وكذلك يجوز أن تكون قاضية، وأدلة هذا الرأى أن الأصل فى الأشياء الإباحة، كما أن الخلوة غير الشرعية والحمل والولادة كل هذه الأمور مردود عليها ولا تنال من المرأة أو هيبة القضاء، وأكدوا أن القول بعدم قبول المجتمع لهذا الوضع الجديد أمر مردود عليه بأن المجتمع تقبّل من قبل تولى المرأة مناصب رفيعة عدة كالوزيرة والسفيرة