«10 مايو» آخر فى الطريق

الخميس 23-05-2013 22:04

فى عام 1948 توجه لدير القديس الأنبا صموئيل المعترف بمنطقة القلمون للرهبنة شاب صيدلانى ليتتلمذ على يد الراهب الأب مينا البراموسى، المتوحد الذى كان مكلفاً من قبل الأنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف، برئاسة دير الأنبا صموئيل..

 كان الشاب حينذاك يبلغ من العمر 29 عاماً، وانخرط فى الحياة الرهبانية بجدية، وأخذ اسم «الراهب متى المسكين».. بمرور الأيام حدثت بعض الاختلافات فى وجهات النظر، فتوجه الراهب متى المسكين ومعه مجموعة من الرهبان للتعبد والنسك بمنطقة وادى الريان! فى 10 مايو 1959، أقيم الراهب مينا المتوحد بطريركاً باسم «البابا كيرلس السادس» «1959-1971» البطريرك 116.. لكن فكره ظل مشغولاً بتلميذه الوفى الراهب متى المسكين، ومجموعة رهبانه.. لم يهدأ للبابا البطريرك بال حتى كان 10 مايو 1969، عندما استدعى البابا البطريرك تلميذه ومجموعة رهبانه، وطلب منهم مغادرة منطقة وادى الريان، والتوجه لتعمير دير القديس أنبا مقار بوادى النطرون..

كان الدير فى ذلك الوقت فى حالة يُرثى لها رهبانياً، لقلة عدد الرهبان، حيث لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، ومعمارياً، نظراً لتداعى مبانيه، بالإضافة إلى فقره الشديد.. توجه الأب الراهب متى المسكين - بعد المصالحة مع البابا كيرلس السادس، ومعه رهبانه للإقامة بدير القديس أنبا مقار وتعميره..

فى أوائل السبعينيات توجه أحد المعيدين المتميزين بهندسة القاهرة، يُدعى المهندس الإنشائى «وديد»، وكان تلميذاً لعبقرى الهندسة الإنشائية د. ميشيل باخوم، للرهبنة بدير القديس أنبا مقار والتتلمذ على يد الأب متى المسكين.. المشكلة كانت تكمن فى أن المهندس «وديد» ينتمى إلى عائلة كاثوليكية تقية، ووالده كان مستشاراً مشهوراً!

لكن الأب متى المسكين كان يضع أمامه الرغبة فى تحقيق المصالحة بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية، منذ الانشقاق العظيم الذى حدث عام 1054، فقبل رهبنة المهندس «وديد» وتمت رهبنته بعد فترة اختبار، واحتفظ بنفس اسمه وصار «الراهب وديد المقارى»، وهو أمر غير مألوف فى الرهبنة القبطية، وفى يوم رسامته راهباً قال الأب متى المسكين لرهبان الدير: «نحتفظ فى وسطنا بالراهب وديد المقارى لعل وعسى يكون هو ذبيحة مصالحة بين الكنيستين العريقتين»، وتمر الأيام والشهور والسنون والجميع على رجاء تحقيق المصالحة، ويشاء الله فى يوم 10 مايو 2013، تاريخ رسامة البابا كيرلس السادس عام 1959، وتاريخ المصالحة مع مجموعة تلاميذ الأب متى المسكين عام 1969، أن يتم لقاء بين قطبى الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، وأصبح الطريق ممهداً للمصالحة الشاملة حتى يصير الجميع واحداً، لقد قبل الله الصلوات والذبيحة - غير الدموية التى قُدمت - وتهللت النفوس بتلك المصالحة.. نسأل الله أن تحل المحبة فى قلوب «جميع» أهل مصر، ونبدأ مرحلة جديدة من المصالحة والانطلاق ليعم الخير ربوع بلدنا العظيم.

 أستاذ الرياضيات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

minab@aucegypt.edu