حدثت هذه الواقعة عام 1972، أى منذ أكثر من أربعين عاما فى محكمة أبوتيج بأسيوط، حينما قمت بإقامة دعوى حبس لصالح إحدى موكلاتى لعدم سداد زوجها متجمد نفقتها وكان معها فى ذلك الوقت ثلاثة أطفال ذكور. كان زوجها يعمل موظفا بإحدى الشركات بالقاهرة، بالإضافة إلى أنه كان فنانا يعمل بالصدف فيقوم برسم لوحات فنية جميلة مطعمة بالصدف.
وقفت الزوجة بأطفالها الثلاثة أمام القاضى، وكان لهذا القاضى صوت جهورى فطلب من زوجها أن يدفع متجمد النفقة فورا وإلا قام بحبسه، فقام الزوج باستخراج حافظة نقوده وأثناء ذلك سقطت منها قطعة من مخدر الحشيش ملفوفة بورقة سلوفان على منضدة القاضى. كان القاضى ينظر لحظتها فى الأوراق أمامه ليعرف إجمالى المبلغ المستحق، فما كان من كاتب الجلسة إلا أن وضع ساعده عليها، ولمحته فأخذت أتحرك ببطء نحوه إلى أن التقطتها دون أن يشعر القاضى بذلك!! أصيب الزوج بارتباك شديد وتصبب عرقا وأخذ صوته يتحشرج، وسأله القاضى: مالك. فين الفلوس؟ فدفع الرجل ما كان معه وتأجلت الجلسة لسداد باقى المبلغ!!
فخرج الزوج وهو منهاراً باكياً وأخذ يقبلنى على ما فعلت، فلو كان القاضى قد لاحظ تلك اللفافة، لقام بكتابة مذكرة بالواقعة، وإحالة مباشرة إلى النيابة العامة، ولحكم عليه بالسجن خمس سنوات على الأقل!! ثم فوجئت به يقول: «ماذا تريد من أتعاب على مافعلت وإنقاذك لمستقبلى؟». فقلت له: أريدك أن ترجع إلى بيت الزوجية ومعك زوجتك وأولادك! فوافق على الفور، وبكت زوجته كثيراً، وأخذتهم جميعاً لمكتبى،
أحتضن أولاده الثلاثة وقبلهم كثيرا، وقام بتحرير قائمة زوجية بمبلغ أكبر، ثم أخذ زوجته وأولاده وعاد إلى القاهرة.. وأخذ يزورنى على فترات، وفى كل مرة يحضر معه هدية قيمة من الصدف عبارة عن لوحات وفازات، واضعا اسمى على بعضها! ومرت سنوات عديدة لم أره، وفوجئت به منذ حوالى عامين يحضر لزيارتى وقد اشتعل رأسه شيبا، وعلامات كبر السن تملأ وجهه!! وسألته عن أولاده فأبلغنى أن الابن الأكبر أصبح طبيبا بشريا، والثانى طبيبا للأسنان، والثالث أستاذا مساعدا فى كلية الفنون الجميلة!! . ولا جدال كان ذلك نتيجة الاستقرار العائلى والعاطفى. ورب ضارة نافعة!!
المحامى بالنقض - أسيوط