انشغلت لزمن طويل بـ«الفهلوة»، مصطلحاً وسلوكاً بعيدا عن أصلها الفارسى. حيرنى هذا اللفظ المنحوت من الفاء والهاء والواو، ليس من بينها حرف مستقر عدا اللام. كما لفت نظرى اشتراكها مع لفظ بهلوان فى ثلاثة حروف تشكل مقطعاً متجانساً فى كلا اللفظين.. الفهلوة سلوك مصرى خالص لا يمكنك أن تصنع له إطاراً محدداً، أو تعريفاً جامعاً مانعاً. إلا أنه يعنى فى أبسط تفسيراته أن أعمل أقل مما يجب،
وأن أحصل على أكثر مما أستحق، وهى ثقافة راسخة فى وجدان المصريين مع اختلاف طبقاتهم الاجتماعية!!. فأنت ستجد نماذجاً من كل الشرائح الثقافية تتفنن فى إهدار وقت العمل إما بالوصول بعد الموعد أو (بالتزويغ) مبكراً، أو باستهلاك وقت العمل فى أمور شخصية. ستجد الفراشين يسلكون نفس السلوك، وكذلك مديرو العموم،
كل بطريقته وبثقافته.. الفهلوة تجدها فى الشارع فى أساليب التعامل بين البائع والمشترى، وفى المرور على الطرق، وفى المدارس، والمستشفيات، والجامعات، وفى أقسام الشرطة. لا فرق فى تبنى الفهلوة كمنهج حياة بين أولاد المدارس والبلطجية. الفرق فقط فى الأساليب والممارسات.. رجعت إلى جمال حمدان، والسيد ياسين، لعلى أقع على جذور الفهلوة فى الشخصية المصرية، فلم أجد أيهما تحدث عنها بشكل مباشر، رغم معاصرتهما الظاهرة. ربما ألمح جمال حمدان إلى أنها (الفهلوة).
كانت من الأسلحة التى قاوم بها الفلاح المصرى البسيط الطغاة فى مختلف عصور الظلم والظلام والاستبداد التى مرت عليه، والتى بدأت بالبطالمة، ولم تنته بالإنجليز.. لقد وجد الفلاح تاريخياً الفتوى التى تحلل سرقة المحتل وخداعه، ووجد الفتوى التى تبيح له إهمال عمله وإفساده، لإفساد أمر المحتل ومشروعاته، وفى رعاية تلك الفتاوى ترسخت قيم الفهلوة وانتقلت كميراث قيمى وخلقى من الآباء إلى الأبناء، وسوف يستمر هذا الميراث ما دام احتلال الأرض المصرية. لن تختفى الفهلوة من حياتنا إلا إذا حصل المصريون على حرية حقيقية، واستقلال حقيقى، وإلا إذا شعر المواطن بأنه مرجع الشرعية. وليس حمار وسية!!