كانت عقارب الساعة تقترب من العاشرة والنصف، صباح الأحد 26 أغسطس، عندما قرر إبراهيم عويضة الخروج من منزله لشراء حلوى لأطفاله من محل صغير فى قرية الخريزة الحدودية، التى يسكن فيها. طلب منهم انتظاره حتى يعود إليهم بالحلوى. وذهب دون أن يعود إليهم حتى الآن، أما هم فمازالوا ينتظرونه، ويجيبون عندما تسألهم عن والدهم بقولهم إنه ذهب ليشترى لهم حلوى وسيعود مرة أخرى.
تبعد قرية الخريزة 15 كيلومتراً عن الحدود الإسرائيلية، وتبعد عن مركز الحسنة التابعة له إدارياً نحو 100 كيلومتر، ويعيش فيها أبناء قبيلة البريكات التى ينتمى إليها «عويضة».
كانت القرية على موعد مساء السبت 25 أغسطس، مع 4 من ضباط الموساد الإسرائيلى الذين اجتازوا الحدود المصرية، بمساعدة 3 من العملاء نجحت المخابرات الإسرائيلية فى تجنيدهم من بين أبناء المنطقة كان كل منهم يحمل عبوة ناسفة تزن 20 كيلوجراماً ومسلحاً ببندقية آلية من طرازM16، بحسب تحقيق أجراه تنظيم أنصار بيت المقدس، الذى ينتمى له «عويضة»، مع أحد العملاء، بثه التنظيم فى مقطع فيديو على موقع الـ «يوتيوب».
عبروا الجانب الإسرائيلى، ثم قصوا الشريط الحدودى المصرى، فيما كانت تنتظرهم سيارة أحد العملاء على الحدود، ليستقلوها فى طريقهم إلى الهدف، الذى وضعه الموساد الإسرائيلى على رأس قائمة الاغتيالات.
لم يكن هذا الاختراق الأول من نوعه، فى عملية اغتيال إبراهيم عويضة، فقد سبقه اختراق آخر، مساء 21 أغسطس، بحسب ما أكده بيان التنظيم الذى ينتمى إليه «عويضة»، والموجودة فى قطاع غزة، ويمارس نشاطه فى سيناء، إلا أن المستهدف كان فى قبضة أجهزة الأمن المصرية خلال تلك الفترة، فى الوقت الذى كان يتم التحقيق فيه معه قبل إطلاق سراحه قبل اغتياله بيوم واحد.
نفذ ضباط الموساد وعملاؤهم العملية بحرفية شديدة، حتى إن الرمال، التى أخرجوها من الحفرة وزعوها على جانبى الطريق، تحت شجيرات صغيرة، كى لا يلاحظ «عويضة» تغيراً فى طريقه، فيشك فى الأمر، وزرع أحد العملاء شريحة أسفل «تانك البنزين» فى دراجة عويضة النارية، وهى الشرائح التى يوجد مثيل لها فى اللغم الموضوع فى الحفرة التى تم حفرها، حتى إذا مرت الدراجة فوق اللغم تغلق الدائرة وينفجر اللغم فى الحال.
من خلال تقصى أثر من قاموا بالعملية وهو عمل يتقنه أبناء سيناء جيداً، تم العثور على آثار لأربعة أشخاص، كما يقول عبدالله فراج، ابن قبيلة القتيل إبراهيم عويضة، يرتدون حذاء «هاى تيك» وهو حذاء لا يأتى إلا من إسرائيل، كما يؤكد، ويرافقهم ثلاثة أشخاص آخرين، استطاعوا تحديد هويتهم، من خلال آثار أقدامهم على الأرض، وامتد أثر الأقدام من مكان اللغم حتى كيلومترين، حيث تنتهى آثار الأقدام عند سيارة كانوا يستقلونها من الحدود.
وحدد خبراء تقصى الأثر مواصفات السيارة كالتالى: أربع عجلات منقوشة بشكل طبيعى، فيما كانت الخطوط المنقوشة على العجلة الرابعة ممسوحة بالكامل، كما أشارت آثار عجلات السيارة إلى تجاوز سائقها دوراناً فى مساحة ضيقة ما يشير إلى أن السيارة حديثة.
هذه المواصفات، سواء كانت آثار الأقدام أو السيارة، توفرت فى شخص يدعى «منيزل»، وهو ابن القبيلة نفسها، التى ينتمى إليها «عويضة» بالإضافة إلى شخصين آخرين.
بعد يوم، وضع رأس منيزل على مفارق القطف، فى الطريق المؤدى لمعبر العوجة، على بعد نحو 5 أو 6 أمتار فى الرمال. يقول مصطفى الأطرش: «منطقة فى مثل هذه الظروف الاقتصادية، وفى مثل هذا الفقر، لابد أن يكون بها شوائب متراكمة، حدودنا غير مؤمنة، اتفاقية كامب ديفيد تحدد القوات الموجودة فى المنطقة ج بـ750 شرطياً، علماً أن من بينهم من هو موجود فى كمائن فى الوسط، ومن يتبقى على الحدود، كل هذا بسبب الاتفاقية التى تنتزع كل الصلاحيات الإنسانية.
الاتفاقية لم تضع الإنسان فى طياتها، فلم يصبح هناك زراعة ولا صناعة ولا غيرهما». فى مثل هذا الوضع الأمنى المتردى على الحدود المصرية ـ الإسرائيلية، لا يمثل اختراق الحدود المصرية من قبل ضباط الموساد (أو غيرهم) أى صعوبة، بالتأكيد يخترقون الحدود (ضباط الموساد) ويذهبون لمصر ويرجعون، لكن ما كشف الاختراق الأخير أن هذه هى المرة الأولى التى تحدث فيها عملية قتل والكلام على لسان الأطرش: «عندما تريد إسرائيل أن تأخذ شخصاً من سيناء هناك اقتحامات لـ(الحدود).
هناك أشخاص افتقدناهم من قبل ولا نعرف أين هم، ويقال لأهاليهم إنهم فى إسرائيل». فى أقل من أسبوع واحد، استطاع التنظيم الذى انتمى إليه «عويضة» كشف تفاصيل العملية وشبكة التجسس التى وشت به، وألقى القبض على زعيمها وحُقق معه، واقتص منه بقطع رأسه ووضعه على طريق عام، عبرة لمن لم يعتبر، فيما تتواصل الحملة «سيناء» التى تقوم بها الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، التابعة لدولة بأكملها، منذ رمضان الماضى، لإلقاء القبض على من قتلوا الجنود المصريين، لحظة إفطارهم، دون جدوى.