ما بين «الغلق» و«الحبس» و«الاغتيال» تواجه الصحف الخاصة والحزبية والصحفيون مشهداً أكثر ضبابية زالت ملامحه مطلع فجر ثورة 25 يناير، لتشد تيارات الإسلام السياسى بكل ما أوتيت من قوة العجلة إلى الوراء إلى ما قبل إسقاط مبارك، لتقع قاطرة الإعلام المصرى ورجالها بين سندان «العداء والقمع» ومطرقة «الصدام أو التمكين» أو فتح الباب أمام الفوضى أو ثورة جديدة بانت إرهاصاتها قبل معركة تزوير الدستور. ووسط كل هذا الصراع السياسى بين الصحافة والسلطة الحاكمة، كانت جماعة الإخوان المسلمين تبسط سيطرتها على الصحف والمؤسسات القومية، التى أصبحت تتحدث بلسانها بنفس الصورة التى كانت تتحدث بها أيام الرئيس السابق.
خبراء الإعلام وشيوخ مهنة الصحافة وضعوا عدة ضغوط تعرضت لها الصحافة، خلال العام الماضى، ومازالت تطل برأسها، خلال العام الجديد، سواء التى مارستها السلطة الحاكمة والتيار الإسلامى، لكنهم رغم ذلك أجمعوا على أن الإعلام قادر على الانتفاضة فى وجه الطغيان والتسلط، وقادر أيضاً على حشد وتعبئة الرأى العام ضد النظام إذا أساء استخدام سلطاته، وتجاوز، لافتين إلى حقيقة أن الإعلام هو الذى مهد لثورة يناير تماماً، وكان بمثابة سلاح المدفعية فى الثورة، ثم ساندها منذ اندلاعها وحتى تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك، محذرين من أى محاولة من النظام لقمع الصحافة، مؤكدين أن هذا يعنى نهايته، وأن تعدد وسائل الإعلام تعنى قدرته على خوض المعركة بجدارة.
قال الكاتب الصحفى، صلاح عيسى: «الصحافة شهدت حالة من الحرية الحقيقية عقب الثورة مباشرة، وكانت تعمل فى مناخ ديمقراطى حقيقى يسمح للجميع بطرح الآراء، منها الصحف الحكومية، لكن سرعان ما عادت إلى ما كانت عليه».
ويتوقع «عيسى» حدوث صدام قوى بين الإخوان والصحافة خلال الفترة المقبلة، وقد تتمكن الجماعة من فرض الرقابة على الصحافة والإعلام، بشرط تخلى الشارع السياسى والمنظمات الحقوقية عن قضية حرية الصحافة، مشيرا إلى أنه أمر مستبعد. واستبعد تمكن الإخوان المسلمين من قمع حرية الصحافة، حتى لو فرضوا المزيد من القيود عليها، وسنوا عشرات القوانين التى تهدد الصحفيين، قائلا «جميع الأنظمة الاستبدادية حاولت انتهاك حرية الصحافة لكنها فشلت».
وأضاف عيسى: «الإعلام قادر على مواجهة استبداد الإخوان، بدليل هذة الحزمة المقيدة لحريته والتضييق المستمر عليه. مما يعنى أن النظام الحاكم والتيار الإسلامى يريان أنه أصبح شوكة فى حلقيهما، مشيراً إلى أن وسائل الإعلام نجحت إلى حد ما، خلال وقت قصير، فى كشف قيام هذه جماعات الإسلام بالاتجار بالدين ورفع شعارات دينية لتحقيق مكاسب سياسية.
وأكد «عيسى» أن قوة الإعلام تكمن فى أن الطرف الآخر - وهو التيار الإسلامى - أخفق فى عمل تجارب إعلامية مثل الموجودة على الساحة لافتقادها الموهبة والمهارة المهنية التى تمكنها من التأثير مباشرة فى المواطنين. وتابع عيسى: فى ظل العولمة أصبحت وسائل الإعلام أشبه بالضمير الجمعى للمجتمع الدولى، وأصبحت حريته واستقلاليته حال النيل منها تعرض الأنظمة الحاكمة لكثير من الضغوط الدولية والشعبية الكبيرة وذلك باعتراف الشيخ ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية»، مشيراً إلى إن فرصة الإعلام أصبحت أوسع فى المواجهة عن التى كان عليها أثناء حكم نظام مبارك، خاصة فى ظل تعدد الوسائط الإلكترونية والفضائيات، فأصبح للإعلام مساحة كبيرة جداً للتأثير فى المواطنين يقدر من خلالها غل يد السلطة عنه، وأن محاولات النظام قمح الصحافة تعنى نهايته.
الدكتور صفوت العالم، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، قال: الصحف تواجه ضغوطاً ذات أبعاد مختلفة، مثل التأثير على نسب التوزيع بدعوات الإسلاميين لمقاطعة صحف معينة، ومنع الإعلانات عن وسائل صحفية أو تليفزيونية، ما يتسبب فى عجز مادى للوسيلة الإعلامية، فضلاً عن التلويح برفع القضايا أو البلاغات للنائب العام، مؤكداً أن ذلك يحد من حرية الإعلام.
ويرى «العالِم» أن نتيجة ما تقدم هى سيناريو «الفوضى» واستمرار توجيه الاتهامات المتبادلة، فى ظل عدم قدرة الإخوان على التمكن من السيطرة على وسائل الإعلام. جمال فهمى، وكيل أول نقابة الصحفيين، أكد أن معركة الإخوان المسلمين الحقيقية مع حرية الصحافة ستبدأ، عقب انتخاب مجلس الشعب وتمكين الإخوان من كل مؤسسات الدولة، وقتها ستبدأ الحرب بشكل علنى على حرية الصحافة والصحفيين، متوقعا سن المزيد من القوانين التى تفرض الرقابة على الصحافة والصحف.
مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين السابق، قال إن وضع الصحافة أصبح أكثر سوءاً عقب انتخاب مجلس الشورى، نتيجة سعى نظام الإخوان المسلمين للسيطرة على الصحافة والمؤسسات القومية، بتعيين رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء تحرير للصحف تابعين لهم، بل أصبح «الشورى» يتدخل فى أمور ليس له الحق فيها، منها تأديب الصحفيين وسلب هذا الحق من نقابة الصحفيين، وظهر هذا بوضوح فى قضية جمال عبدالرحيم.
وأكد أن النظام الحالى لا يخجل من الإعلان عن عدائه للصحافة والإعلام، وظهر هذا بوضوح من خلال تصريحات مرشد الإخوان، بل رئيس الجمهورية نفسه، حينما وصفوا الصحفيين بأنهم «سحرة فرعون ومرتشون.. فاستشبروا خيراً».
سيناريو «التمكين» وقمع الصحافة يراه نقيب الصحفيين السابق هو الأقرب إلى التوقعات وسط مشهد ضبابى، قائلاً: «فى ظل الدستور الجديد أكملت الكارثة بمواد فضفاضة تعمل على قمع الصحافة، وربط حرية الصحافة بالأمن القومى وضوابط المجتمع، الأمر الذى يفتح الباب على مصراعيه أمام قمع الصحافة ومصادرة الصحف وحبس الصحفيين، رغم أن كل الدول العربية رفعت عقوبة الحبس عن الصحفيين». وقال الدكتور عمرو حمزاوى، رئيس حزب مصر الحرية، عضو جبهة الإنقاذ، إنه فى ظل الوسائط الإعلامية المتعددة يستطيع الإعلام مواجهة دولة الإخوان، عبر الانتقاد الموضوعى والرأى الحر، مشدداً على أن الإعلام ليس حزباً سياسياً كى يدخل فى صراع سياسى حاد. وأكد «حمزاوى» أن تنوع المشهد الإعلامى الحالى وتعدد القنوات الفضائية ووسائل التكنولوجيا الحديثة تسمح للإعلام خوض معركتة بجدارة حال قيام الرئيس أو جماعتة بسن مزيد من التشريعات المقيدة لحرية الإعلام أو قمع حرية الرأى والتعبير، موضحاً أن وسائل الإعلام أصبحت أعلى بكثير مما كانت عليه قبل ثورة يناير ما يمكنها من ممارسة دوراً أكبر من الذى قامت به لمواجهة نظام مبارك نفسه، فضلاً أن باستطاعة الإعلام مواجهة سياسيات التشويه والتكفير والتخوين التى يمارسها الرئيس وجماعته تجاه المعارضين أو الإعلاميين.
وقال الدكتور عمار على حسن، أستاذ علم الاجتماع السياسى، خبير الحركات الإسلامية، إن الإعلام أصبح قوة ناعمة لا يستهان بها ولدية قدرة على تشكيل الرأى العام وحسم المعارك السياسية والحربية أيضاً، ومثال ذلك وصف يوسف بطرس غالى، سكرتير عام الأمم المتحدة الأسبق، قناة «c.n.n» الأمريكية بأنها العضو السادس الذى يمتلك حق الفيتو فى مجلس الأمن .
وأكد حسن أن القنوات الفضائية والصحف الخاصة لديها تأثير كبير زادت حدته بعد صناعة وسائط إعلامية جديدة مثل شبكة الإنترنت والتى خلقت وسائط أخرى من خلال فيس بوك» و«توتير»، فضلاً عن قدرة هذا الإعلام الجديد على التأثير وبلا حدود فى إعادة توجيه الرأى، ومن ثم فإن جزءاً من المعركة الحالية ضد الفساد والاستبداد والطغيان يقع على عاتق وسائل الإعلام .
وأضاف: «الإعلام من صحف وفضائيات قادر على مواجهة دولة الإخوان، خاصة أنه لعب دوراً كبيراً فى فضح الفساد وإظهار حجم قبح نظام مبارك، وهو يعمل حالياً على إظهار الجوانب المظلمة لدى جماعة الإخوان، سواء أفكارها أو تصرفات رجالها أو شبكة علاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية. والإعلام يلعب هذا الدور من منطلق مقاومة الفساد وممارسة الشفافية والحفاظ على حق المواطن المصرى فى معرفة الحقائق والمعلومات.