عامان من الصراع السياسى على السلطة منذ اندلاع ثورة 25 يناير، شهد خلالهما معدل النمو الاقتصادى تراجعا عنيفا ليصل إلى 0.3% فقط خلال الربع الأول من العام الماضى، فضلا عن تراجع عنيف فى الاحتياطى النقدى الأجنبى، متأثرا بتباطؤ وتيرة العمل والإنتاج والتى قاربت على التوقف فى أهم القطاعات الحيوية وأهمها السياحة، المصدر الرئيسى للنقد الأجنبى، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل امتد إلى ارتفاع سعر الدولار متجاوزاً مستوياته القياسية منذ ثمانية أعوام.
وعلى الرغم من اعتماد الحكومة بنحو كبير على الاقتراض من الدول الأوروبية والدول الإسلامية، إلا أن تلك المحاولات لم تنج من التأثر بالصراع السياسى الذى أطاح بالوعود الأوروبية لمصر، وأهمها وعود الاتحاد الأوروبى بدعم مصر وإعدام ديون ألمانيا التى تقدر بنحو 250 مليون يورو، لتحذو إسبانيا حذو ألمانيا وترفض تسليم رجل الأعمال الهارب حسين سالم نظرا لتفاقم الأحداث السياسية. يأتى ذلك بخلاف إعادة نظر صندوق النقد الدولى حول إمكانية منح القرض لمصر والذى كانت تعتبره الحكومة الحالية شهادة ضمان لاستئناف رحلة الاقتراض.
وبعد استئناف المفاوضات، وفرض الضرائب على السلع الغذائية وزيادة ضريبة المبيعات، بجانب رفع الدعم عن البنزين 95 أوكتين والتى تأتى جميعها فى إطار الاستجابة لتنفيذ متطلبات صندوق النقد الدولى، فاجأت مؤسسة ستاندرد آند بورز الحكومة المصرية بتخفيضها للتنصنيف الائتمانى لمصر إلى مستوى(-B) وإبقائها على النظرة السلبية لمصر ليتفاقم الوضع الاقتصادى المصرى، ويدق ناقوس الخطر فى ظل انحسار السبل، والبدائل الممكنة حول النهضة بالاقتصاد المصرى، ليتحول الشغل الشاغل لدى الحكومة فى كيفية ضمانة الاستمرارية وتلبية الحد الأدنى لمتطلبات المواطن المصرى.
سيناريوهات محدودة أمام الشعب المصرى والحكومة الحالية تتمثل فى هيمنة وتمكين جماعة الإخوان المسلمين، أو أن تعم حالة من الفوضى العارمة فى الشارع المصرى لتظهر «ثورة الفقراء» على حد وصف بعض خبراء الاقتصاد، وهو ما بدأت ملامحه فى الظهور فعليا من خلال الاستيلاء على سيارات نقل الأموال وعمليات السطو المسلح.
الدكتور فخرى الفقى، مساعد مدير صندوق النقد الدولى، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، يرى أن الوضع الاقتصادى فى مصر بات فى مرحلة حرجة ويحتاج إلى الإنقاذ فى أسرع وقت ممكن، مشيرا إلى أن أولى خطوات الإصلاح الاقتصادى تتمثل فى البحث عن رئيس للوزراء ذى خلفية اقتصادية واسعة كبديل للدكتور هشام قنديل الذى يفتقر إلى الحس الاقتصادى والقدرة على البحث عن حلول جذرية فاعلة من شأنها احتواء الأزمة وحلها، يأتى ذلك جنبا إلى جنب مع التوافق بين مختلف التيارات والأحزاب السياسية التى تغفل تماما حقيقة الوضع الاقتصادى لمصر ولم يشغلها سوى الفوز بالنصيب الأكبر من الكعكة دون الالتفات إلى أن العامل الرئيسى فى الوصول لذلك الوضع السيئ هو عدم الاستقرار السياسى.
ويرى الفقى أن الحصول على قرض صندوق النقد الدولى يجب أن يكون الشغل الشاغل للحكومة الحالية، مع ضرورة تنفيذ اشتراطات الصندوق والتى تتمثل فى تحرر سعر الجنيه أمام الدولار وزيادة الضرائب والتى أرجأ تطبيقها رئيس الجمهورية لحين الانتهاء من الحوار المجتمعى، فى خطوة يهدف من خلالها إلى إقرارها بعيدا عن الرئاسة لإلقاء العبء على مجلس الشورى، موضحا أن تلك الإجراءات يجب الانتهاء من تنفيذها قبل منتصف يناير المقبل وتنفيذ خطة الإصلاح على مدار الـ 22 شهرا المقبلة.
واستبعد «الفقى» أن يسهم تمكين «الإخوان» فى تقديم الحل السحرى للأزمة الطاحنة التى تمر بها مصر خاصة فى ظل تخفيض التصنيف الائتمانى لمصر للمرة الخامسة على التوالى منذ ثورة يناير، وما له من آثار سلبية طاحنة على ارتفاع تكلفة الاقتراض الخارجى، علاوة على التأثير السلبى للعملية الاستيرادية وارتفاع سعر الفائدة على التسهيلات الائتمانية الممنوحة للمستوردين لتصل إلى 4.5% بدلا من 3.5% علاوة على ارتفاع سعر الدولار والذى قفز بنحو 1.5% خلال شهرى نوفمبر وديسمبر، وسينعكس على تفاقم موجة الغلاء التى تجتاح السلع الاستراتيجية.
وحول لجوء الحكومة لطرح مشروع الصكوك الإسلامية لعلاج الفجوة التمويلية بين الإيرادات والمصروفات، أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن الصكوك سلاح ذو حدين، الأول أنها ستكون بمثابة استكمال لمشروع الخصخصة الذى أدى إلى استياء جميع قوى الشعب، علاوة على أنه ليس بالأمر المبتكر وإنما هو استكمال لما بدأه وزير الاستثمار الأسبق محمود محيى الدين، ونددت به مختلف الأحزاب السياسية، وفى حالة إصرار الحكومة الحالية على تطبيقه لن ينجح إلا فى حالة ضمانه بالأصول السيادية وأهمها قناة السويس، فى تكرار للأحداث التاريخية فى عصر الخديوى إسماعيل الذى اضطر لبيع 25% من القناة، لدفع قيمة الصكوك لمالكيها، وهو ما قد يحدث بالفعل فى حالة طرح تلك الصكوك، والتى من المتوقع أن يقبل عليها المستثمرون القطريون.
وأكد «الفقى» أن الرؤية منعدمة للعام المقبل، ومستقبل مصر الاقتصادى خلال 2013 لن يتحدد إلا بعد توافق مختلف التيارات السياسية فى مصر، وقال إن تراجع الاحتياطى النقدى وارتفاع الدولار والذى من المتوقع أن يسجل 6.75 جنيه فى غضون الأيام القليلة المقبلة وما سيتبعه من آثار على المواطن البسيط، سيدفع الشعب لثورة تختلف فى جوهرها عن ثورة التحرير، لكونها ثورة من شأن الحصول على لقمة العيش، فى ظل وجود ما يزيد على 93 ألف بلطجى فى الشارع المصرى، مشددا على أنه لا مفر من التواؤم السياسى للسيطرة على الوضع الاقتصادى الذى وصفه بالكارثى.
شيرين القاضى، الخبير الاقتصادى، رئيس مجلس إدارة أحد بنوك الاستثمار، استبعد أن يلجأ «الإخوان» إلى التمكين فى ظل تردى الوضع الاقتصادى، موضحا أن التمكين لن يكون إلا بعد النهوض، وما تشهده مصر حاليا يحول دون تمكين أى فصيل فى الوقت الراهن الذى يتطلب التصدى بقوة للمتغيرات السلبية التى يشهدها الاقتصاد المصرى.
أكد «القاضى» خطورة الوضع الاقتصادى المصرى، مشيرا إلى أن مديونية الحكومة من القطاع المصرفى وصلت إلى الحدود القصوى لها، وهو ما دفعها للاتجاه نحو إصدار الصكوك الإسلامية، مشددا على نجاح تلك الآلية فى توفير التمويل اللازم شريطة أن يتم إصدارها بطرق صحيحة لا تؤدى إلى هيمنة أى جهة على الأصول المصرية.
وأوضح الخبير الاقتصادى أن إجمالى قيمة الصكوك حول العالم تصل إلى 85 مليار دولار، تستأثر ماليزيا بما يقرب من 50% منها، إلا أن نجاح طرحها مرهون بإقامة مشروعات استثمارية تدر عوائد نقدية تعمل على تشجيع المستثمرين للإقبال عليها، مشيرا إلى أن نجاح طرح أى أدوات مالية جديدة مرهون بالحصول على قرض صندوق النقد الدولى والذى يعد آخر ورقة ضمان للحكومة أمام العالم العربى ودول الاتحاد الأوروبى، الذى تراجع عن جميع وعوده لمصر فى ظل إخلال الحكومة الحالية بالحفاظ على الحرية وتطبيق الديمقراطية، متوقعا استمرار خروج الاستثمارات الأجنبية من مصر، إذا لم تسع الحكومة قدما فى دعم الديمقراطية وعدم تغيير وجهتها نحو الوسطية.
وحول لجوء الحكومة لزيادة ضرائب المبيعات على السلع الاستراتيجية، أكد «القاضى» أن ذلك الاتجاه سيأتى بنتائج عكسية على المدى القصير، حيث سيؤدى ارتفاع أسعار السلع الرئيسية إلى استغناء شريحة عريضة من المواطنين عن السلع، بالإضافة إلى أن ارتفاع أسعار المدخلات فى الصناعات سيؤدى إلى تسريح عمالة بنسبة كبيرة لتفاقم نسبة البطالة عن معدلاتها الحالية، والتى ستؤدى بدورها إلى المزيد من الركود، ليؤدى ذلك إلى انتشار الفوضى بين المواطنين.