عادةً ما تستقبل شعوب العالم العام الجديد بمشاعر التفاؤل والبهجة، لكن الأمر قد يكون مختلفاً فى دول «الربيع العربى»، التى أكملت لتوها عامها «الثورى» الثانى. فرغم أن الثورات فى تونس ومصر واليمن وليبيا حققت مكسبا بالإطاحة بأنظمة حكم استبدادية، مازالت مشاعر الإحباط والترقب تسيطر على شعوب تلك الدول، مع تفاقم الصراعات والانقسامات السياسية والعنف والتعثر الاقتصادى، الذى يكاد يهدد بإفلاس بعض هذه الدول، الأمر الذى ينذر بأن تورّث توابع ذلك الوضع المضطرب عام 2013 خلافات متجددة.
وبطبيعة الحال، قد تختلف التحديات الداخلية التى تواجه دول «الربيع العربى»، لكن معظم الشعوب تشترك فى شعور عام بالإحباط بسبب عدم تحقيق التغيير المطلوب فى فكر الإدارة السياسية، والتخوف من توابع صعود التيار الإسلامى، بما فيه جماعات تهدد باستخدام العنف فى مواجهة التيارات المدنية والليبرالية، وذلك بالتوازى مع تزايد معدلات الفقر والبطالة، التى كانت سبباً رئيسياً فى قيام الثورات.
وإذا ما نظرنا للحالة المصرية، سنجد أنه رغم الانقسام السياسى والمجتمعى وحالة العنف التى سادت العامين الماضيين، ساعد الحراك الميدانى والتحالفات السياسية على بدء عملية قد تؤهل المصريين فى 2013 إلى انتهاج مسار الديمقراطية، ولكن هناك سيناريو آخر أقل تفاؤلاً يقضى بألاّ تتخلى القوى الليبرالية، وربما «الأغلبية الصامتة»، عن شكوكها تجاه محاولة جماعات الإسلام السياسى، بقيادة «الإخوان المسلمين»، السيطرة على مفاصل الدولة بهدف الاستئثار بالحكم لفترة طويلة، بعد «انتصارها» فى معركة الدستور.
كما أنه لا يمكن استبعاد فرضية تفكك التحالف «الضمنى» بين جماعات التيار الإسلامى بصفة عامة، فى حالة محاولة «الإخوان» الانفراد بالسلطة بعد إقرار الدستور، وهو ما قد يحول التحالف إلى مواجهة، فى وقت لا يحتمل فيه الاقتصاد المصرى مزيداً من التدهور وعدم الاستقرار، خاصة مع تخفيض وكالة «ستاندرد آند بورز» تصنيفها الائتمانى لمصر من «بى» إلى «بى سالب» لتقترب من مرحلة الإفلاس.
ورغم أن تونس استطاعت بعد فترة وجيزة من نجاح ثورتها فى إسقاط النظام السابق، تشكيل ائتلاف حاكم من حركة «النهضة» الإسلامية وحزبين علمانيين، وانتخاب مجلس تأسيسى للإشراف على المرحلة الانتقالية ووضع الدستور الجديد، مما قد يجعل التجربة التونسية السياسية هى الأفضل مقارنةً ببقية دول «الربيع العربى»، تبدأ تونس عامها الثالث بعد الثورة دون إقرار دستور، بينما تبرز مخاوف من إمكانية تأجيل الانتخابات المقررة فى 2013 مع تصاعد نبرة التناحر السياسى فى الدولة.
وذلك فى الوقت الذى تقع فيه الدولة فريسة للانهيار الاقتصادى، حيث يعيش نحو ربع سكان تونس حالياً تحت خط الفقر بينما تصل معدلات البطالة إلى 19% لتسجل أعلى مستوياتها منذ 5 سنوات، الأمر الذى يسهم فى زيادة معدلات الانتحار ويفاقم وتيرة العنف.
ولا يزال الوضع الأمنى إحدى أهم الأولويات المطلوبة لتحقيق الاستقرار سواء فى ليبيا أو تونس أو اليمن أو مصر، حيث تواجه بعض تلك الدول خطر استمرار تدفق الأسلحة إلى أراضيها عبر الحدود، مع تصاعد نفوذ التيارات السلفية والجهادية الأكثر تشدداً.
وفى حين تمكنت ليبيا من إجراء انتخابات «المؤتمر الوطنى العام» الصيف الماضى واستئناف إنتاجها من النفط، فإنها مازالت تعانى من انتشار السلاح والميليشيات غير الشرعية وتزايد النزعات الانفصالية والتهديدات الأمنية، فى الوقت الذى يزيد فيه تعطش القوى القبلية والمحلية للسلطة من تصاعد الاقتتال فيما بينهم، فيما تتعالى التحذيرات من تحول ليبيا إلى «عراق أو صومال آخر».
وفى اليمن، تؤكد مصادر فى صنعاء إمكانية طرح دستور جديد للبلاد خلال الربع الثالث من 2013، لكن خيبة الأمل مازالت تسيطر على الشعب اليمنى بسبب تعطل المصالحة الوطنية لعدم قدرة القيادة الجديدة على ردع محاولات انفصال الجنوب واتساع نشاط فرع «القاعدة» فى اليمن.