الأزمة الاقتصادية الفلسطينية تنذر بانتفاضة ثالثة

كتب: جيهان فوزي السبت 22-12-2012 16:07

الانتفاضات تندلع عندما يرى الناس أن مصالحهم وأرزاقهم تتعرض لضغط شديد، وأي تفجير للوضع الأمني ليس في مصلحة أحد، لا الفلسطينيين ولا إسرائيل، لكن الكرة فى ملعب إسرائيل.

الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية في الضفة الغربية ساهمت بشكل كبير في تصاعد حدة التوتر بعد سنوات من الهدوء النسبي، بما ينبئ باشتعال انتفاضة ثالثة في الأراضى الفلسطينية.

عزز هذه الفرضية عامير ميزروخ، رئيس تحرير موقع إسرائيلى إخباري يصدر بالإنجليزية، حينما نقل المشهد السياسي الحادث الآن في الأراضي الفلسطينية، قائلاً: «مداهمات في رام الله واعتقالات فى جنين وإطلاق رصاص وأعمال شغب في الخليل. هل هي مشاهد لبداية الانتفاضة الثالثة؟». يضاف إلى كل ذلك الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تجتاح الضفة الغربية وقطاع غزة.

ربما يحدد الإسرائيليون بأنفسهم إلى حد كبير أي كفة سترجح. ومن الممكن أن يؤدي نهج تصادمي بشأن المسائل الأمنية أو العنف من جانب المستوطنين اليهود، أو رد فعل غير متكافئ على الخطوات الدبلوماسية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية إلى إشعال اضطرابات واسعة في الضفة.

فالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية ليست وليدة لحظتها، بل تعانى منها منذ سنوات بفعل امتناع الدول المانحة عن الوفاء بوعودها في تقديم الأموال المقررة كمساعدة للسلطة الفلسطينية، إضافة إلى ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية سياسة المنح والمنع في إدارتها للمفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل كنوع من الضغط على السلطة للقبول بشروط إسرائيل بشأن المفاوضات.

وجاءت الضربة الأخيرة من إسرائيل، حينما حجبت هذا الشهر 100 مليون دولار من رسوم الجمارك التي تحصلها بالنيابة عن السلطة الفلسطينية، بعد الحملة الدبلوماسية التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوضع الفلسطينيين في الأمم المتحدة، والتي رأت إسرائيل أنها تنتهك اتفاقات السلام بين الجانبين، فهددت بحجب 300 مليون دولار أخرى على الأقل لتغطية التزامات مالية لم تسددها السلطة لشركات مرافق إسرائيلية.

هذه ليست المرة الأولى التى يجرى فيها حجز أموال السلطة، لكنها المرة الأولى التي يُجرى فيها التصرف في هذه الأموال، فحكومة بنيامين نتنياهو تقوم للمرة الثانية باحتجاز أموال السلطة، وربما يستمر هذا الحجز حتى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في نهاية الشهر المقبل.

والآن لا يوجد بديل لدى السلطة من حل لهذه المشكلة سوى البحث عن تمويل، والدول العربية هي الجهة الوحيدة التي يمكن التوجه إليها لهذا الغرض. ومثل هذه الإجراءات مارستها إسرائيل قبل ذلك. ففي عام 1997 قامت بهذا الإجراء لمدة أسبوعين، وفي عهد حكومة آرييل شارون عام 2000 لمدة سنتين، ثم إلى 16 شهرًا فى عهد حكومة إيهود أولمرت عامي 2006 ، 2007.

وهذه الإجراءات في حد ذاتها هي انتهاك للقانون الدولي وعدوان سافر على أرزاق الفلسطينيين الذين لم يحتملوا ضائقة العيش أكثر من ذلك، وبدأوا في إضراب مفتوح حتى تلبى مطالبهم العادلة التي تعجز السلطة بدورها عن الوفاء بها، وذلك للأسباب آنفة الذكر.

وتأتي هذه الإضرابات التي تشهدها الضفة مع اقتراب الانتخابات العامة الإسرائيلية المقررة في 22 يناير المقبل، ومع اتجاه المجتمع الإسرائيلي صوب اليمين المتشدد. ويعلم السياسيون أن بإمكانهم الفوز بأصوات من خلال اتخاذ مواقف صارمة وغير مهادنة، ويزيد هذا بدوره احتمالات اتخاذ خطوات غير محسوبة أو سوء تقدير.

وحتى قبل الدعوة للانتخابات كان يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلى «شين بيت»، يدق ناقوس الخطر، فقد قال في مايو الماضي «عندما ترتفع مستويات تركز أبخرة الغاز في الهواء بدرجة كبيرة، يكون السؤال الوحيد هو متى ستأتي الشرارة لإشعاله».

وكانت الشرارة التي أشعلت انتفاضة عام 1987 حادث طريق يبدو عاديًا تمامًا، قتلت خلاله ناقلة دبابات إسرائيلية 4 فلسطينيين. وانتهت تلك الانتفاضة عام 1993 بعد أن فتحت الطريق أمام اتفاقات أوسلو للسلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والتي وعدت بإنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي خلال 5 سنوات. واندلعت الانتفاضة الثانية عام 2000 بعدما فشلت حملة تفاوض قادتها الولايات المتحدة في التوصل إلى تسوية نهائية وعلى مدى السنوات السبع التالية.

وبعد فترة كمون طويلة عاشها الفلسطينيون بفعل عوامل كثيرة، فإن ثقتهم بأنفسهم ازدادت بصورة كبيرة في الفترة القليلة الماضية بدافع عدد من العوامل المختلفة أيضا، يأتي على رأسها فشل المفاوضات مع إسرائيل والوضع الاقتصادي المتدهور ويقين المواطن الفلسطيني بأن الرجوع للمقاومة هو الحل رغم كل الصعوبات والتحديات التي يعيشها حاليًا.

فقد نما اقتصاد الضفة الغربية بنحو 40% منذ نهاية الانتفاضة الثانية،, واتضح هذا بشدة في رام الله، العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية، وتدفقت المساعدات الأجنبية وأصبح مستوى المعيشة مقاربًا لنظيره في بعض الدول الأوروبية، لكن هذه الرفاهية كانت تقوم على أساس هش.

فقد تسببت سهولة الحصول على المال في تضاعف الديون الشخصية للفلسطينيين خلال الفترة من 2008 – 2011، حيث قفزت 40% في العام الماضي وحده، ولا تستطيع الحكومة التي تعتمد على المساعدات معادلة موازنتها، إذ توقع البنك الدولي أن يبلغ عجز الموازنة 12.3% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز القدس للإعلام والاتصال في فبراير الماضي أن 29.3% من الفلسطينيين يؤيدون العمليات العسكرية ضد إسرائيل، بعد أن كانت النسبة 84.6% عام 2010، وقال نحو 72% ممن شملهم الاستطلاع إن الاعتبارات الاقتصادية والوضع السياسي هي أهم عوامل في تحديد ما إذا كانوا يؤيدون مثل هذه العمليات أم لا، وإذا ما استمرت الأوضاع الاقتصادية والسياسية على حالها، فربما يتغير المشهد بما ينذر بانتفاضة ثالثة في الطريق لا محالة.