ألقت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية الضوء على مخاوف من سيادة الدولة الدينية في مصر بعد الثورة التي أطاحت بمبارك منذ عامين وطالبت بالعدالة والحرية، و«من خلالها وصلت القوى الإسلامية إلى الحكم بعد انتصار وراء انتصار في الانتخابات»، مشيرة إلى محاولات السيطرة على الأزهر، الذي يمثل الإسلام السني المعتدل، من قبل السلفيين الأكثر تشددًا والإخوان المسلمين.
وقالت إنه في مصر والمنطقة تكمن المخاوف الحقيقية من سقوط البلاد في هاوية الدولة الثيوقراطية في مكان غير متوقع: هو الأزهر، المؤسسة الموجودة في القاهرة التي اعتبرت لوقت طويل «منارة الاعتدال»، موضحة أن سمعة الأزهر تلك «في خطر» في الوقت الذي تسيطر فيه عناصر أكثر تشددًا من الفصيل الإسلامي على مجريات الأمور.
ووصفت الصحيفة الأمريكية الاستفتاء على الدستور بأنه «معركة من شأنها أن تكشف قضايا ملحة جديدة، إذا قام الناخبون بالتصويت على تمرير الدستور الذي يمنح الأزهر سلطة غير عادية للحكم على الأمور الدينية في تفسير قوانين الدولة».
وأشارت إلى أن قادة الأزهر يقولون إنهم لم يكونوا يرغبون في هذا الدور لكن تم الضغط عليهم لقبوله من جانب السلفيين المتزمتين، الذين يلتزمون بمدرسة التفسير الإسلامية المتأثرة بالسعودية، والذين ظهروا في الحقبة الديمقراطية الجديدة لمصر».
ونقلت «واشنطن بوست» عن عبد الدايم نصير، مستشار شيخ الأزهر وعضو الجمعية التأسيسية، قوله إن «السلفيين يريدون أن يجعلوا الأزهر جزءًا من النظام السياسي، وهو ما نعارضه، نحن لا نحب أن نخضع القانون للدوجما الدينية التي تقول (هذا صواب وهذا خطأ)».
إلا أن الصحيفة الأمريكية قالت إن الدستور الجديد يضع الأزهر تمامًا في هذا الموقف ويجعله يقوم بما يرفضه، مشيرة إلى ما قاله نصير إن «السلفيين أصروا على هذا لأنهم اعتقدوا أنهم سيسيطرون على الأزهر».
وأضافت أن المعركة حول طبيعة الأزهر ودوره واحدة لها دلالات قوية لمصر، لكنها تتجاوز ذلك أيضا لتشير إلى ما حدث بعد ثورات الربيع العربي واضطراباتها التي تبعتها، حيث ظهر على السطح سؤال عما إذا كان الإسلام يناسب المجتمع ومن المنوط بتفسيره.
ووصفت «واشنطن بوست»، الأزهر، بأنه كان يمثل «الترياق ومشجع التعددية واحترام الثقافات غير الإسلامية وحقوق المرأة والأقليات عندما سادت أشكال أكثر تعصبًا وأقل تسامحًا من الإسلام».
وقالت إن كثيرا من العلمانيين والمسيحيين المصريين قلقون من أن يؤدي التحول المتشدد في أيديولوجية الأزهر إلى تفسير أكثر تطرفًا للشريعة الإسلامية، التي تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع في الدستور القديم والجديد لمصر، مما يعني حريات أقل للأكاديميين والفنانين المصريين وحقوق مقننة للمرأة في بيتها وعملها ومحاكمات أكثر بتهم الكفر والتجديف لأي «إهانات» ضد الإسلام.
ورأت الصحيفة الأمريكية أن المعركة على اتجاه الأزهر «يراقبها القادة العرب المعتدلون في الشرق الأوسط بكثير من الحذر، حتى المسؤولين الحكوميين الذين تعاطفوا مع احتجاجات الربيع العربي العام الماضي قالوا إنهم قلقون بشأن السلطة المحتملة لأزهر أكثر تشددًا يعارض المؤسسات والحكومات الأكثر علمانية».
وأشارت إلى أن الأزهر رغم سمعته وتاريخه الطويل، إلا أنه لطخ سمعته بشكل سيئ بسبب ارتباطه الشديد بالاستبداديين المصريين خلال حكم مبارك الذي استمر 30 عامًا، وعندما سقط مبارك ظهر الأزهر ضعيفًا وبدا أنه قد حان الوقت للاستيلاء عليه لكن ذلك لم يحدث، فقد نجح الإمام الأكبر أحمد الطيب، الذي عينه مبارك، في الاحتفاظ بوظيفته وأصبح من رواد المدافعين عن جسر الحوار بسبب الهوة الشاسعة بين الرئيس محمد مرسي ومؤيديه الإسلاميين من جهة وبين تحالف الليبراليين واليساريين والمسيحيين الذين يعارضونه من جهة أخرى.
أما المنتقدون فيرون أن احتفاظ الطيب بمنصبه يعود لاستعداده للخضوع إلى الحكم الإسلامي الجديد، فقد كانت منارة الأزهر منبرًا لعدد من الإسلاميين منهم رئيس وزراء «حماس»، إسماعيل هنية، والشيخ يوسف القرضاوي، كما كان الأزهر هذا الشهر مشهدًا لجنازات أعضاء الإخوان المسلمين الذين قتلوا في الاشتباكات مع المتظاهرين العلمانيين أمام قصر الاتحادية.