«فاينانشيال تايمز»: سياسة مصر الخارجية «براجماتية حذرة».. ونفوذ واشنطن يتضاءل

كتب: ملكة بدر الخميس 20-12-2012 16:28

قالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية إن الصراعات «الإسرائيلية- الفلسطينية» أهانت لعقود القادة العرب، وأذلتهم أمام شعوبهم وكشفت عن ضعفهم على الساحة العالمية، إلا أن الرئيس محمد مرسي حقق في أشهر منذ وصوله إلى السلطة ما استعصى على كثيرين، وبدا أنه قائد عالمي، يعتمد عليه وأنه فاعل في صراع مسلح آخر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من خلال استغلال العلاقات بين الإخوان المسلمين، الجماعة التي ينحدر منها الرئيس، وحركة «حماس» الفلسطينية المسلحة، واستطاعت القيادة المصرية أن تعمل كوسيط ضامن لهدنة هشة منعت عملية «عمود السحاب» الإسرائيلية من التصعيد لشن هجمة برية على القطاع في نوفمبر.

وأضافت أنه في الأشهر التي تلت صعود مرسي، اتسمت سياسات مصر تجاه جيرانها، سواء القوى الإقليمية أو العالمية، بأنها «براجماتية حذرة» لأمة ضعيفة اقتصاديًا لا تملك ترف تكوين أعداء جدد أو فقدان أصدقاء قدامى، خاصة بالنسبة للأمم الغنية بالنفط في الخليج العربي، حيث يعمل ملايين المصريين ويرسلون تحويلاتهم لبلادهم.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله إن هناك «فارقًا بسيطًا في لهجة السياسة الخارجية، لكنك لن ترى تغييرًا راديكاليًا في السياسة الخارجية المصرية».

وأوضحت أنه رغم أن مصر لم تعد لدورها السابق باعتبارها عاملا دوليًا هامًا كما كان يأمل كثير من المصريين عقب رحيل الرئيس السابق حسني مبارك، فإن دور مصر الجديد في الحرب على غزة كشف عن تغيير مهم هو أن مصر بعد مبارك سوف تحافظ على ملفها الدبلوماسي الموسع، لكنها ستكون أقل خضوعًا للمطالب الأمريكية والإسرائيلية وأكثر استعدادًا للتعامل مع الجماعات غير الحكومية في المنطقة وأقل اعتمادًا على الكتلة العربية المدعومة غربيًا والتي تواجه طموحات إيران وشركائها.

وأشارت إلى أن هذه الاتجاهات وضحت في زيارة مرسي إلى إيران لقمة حركة عدم الانحياز 2012 فضلا عن تبنيه الحميم للمعارضة السورية المعتمدة على الإسلاميين ضد بشار الأسد، مضيفة أن الجماهير العربية رحبت بكلتا الخطوتين، معتبرة أن العلاقات الخارجية المصرية الجديدة ستكون أكثر استجابة لمطالب الرأي العام.

ورأت «فاينانشيال تايمز» أن مصر التي كان ينظر إليها باعتبارها تابعًا لواشنطن من قبل، وجدت قوى دولية جديدة تتودد إليها، خاصة تركيا، التي تحاول أن تحصل على دور قيادي بعد ثورات الربيع العرربي التي أطاحت بالديكتاتوريين الذين حكموا طويلا، فقد تودد رجب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، بشكل نشط إلى مرسي الذي زار بدوره العاصمة التركية أنقرة ورحب بوفد دبلوماسي تركي ضخم في القاهرة.

ويقول ستيفن كوك، خبير مصر في المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، إن «القاهرة بشكل ما تريد التعامل مع أي جهة والحصول على أي مكاسب من أي طرف، سواء إقليميًا أو من دول حوض النيل أو روسيا أو الصين، ولن تكون تلك علاقة ذات بعد واحد بالنسبة لبقية العالم».

ونقلت عن محللين قولهم «إنهم يريدون مصر أن تعود لتصبح قوة إقليمية مرة أخرى، وليست اسمًا فقط»، لكن مساحة المناورات الجيوسياسية المصرية تظل محدودة، فرغم أن تركيا ترحب بمصر، فإنها كدولة غير عربية لها تطلعات كبيرة في العالم العربي، تنافس مصر على الريادة الإقليمية.

ولفتت الصحيفة البريطانية أن مؤيدي مرسي الإسلاميين السنة سيمنعون مرسي من احتضان إيران الشيعية بشكل كامل، خاصة بسبب دعمها لنظام الأسد في دمشق، ولأن مصر معتمدة على المساعدة الأمريكية والغربية والقروض لدعم اقتصادها، فقد يكون من الصعب على مصر فعل ما هو أكثر من المداهنة بالكلام للقضية الفلسطينية، حتى عندما يغضب الرأي العام بسبب التجاوزات الإسرائيلية.

وقالت إنه رغم ترحيب مرسي بالقيادة الإسلامية المعتدلة لتركيا، وتوسع في علاقاته مع الصين وأوروبا وسعى حتى لعلاقات أفضل مع الإيرانيين، فإنه في غضون أيام من تنصيبه رئيسًا، سافر إلى السعودية، وبشكل علني وسري حاول مرسي هناك تطمين المملكة الغنية بالنفط وحكامها المتشككين بأن مصر لن تحاول تصدير الثورة، ولن تحاول التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، بنفس الطريقة التي سترفض بها التدخل في شؤونها الخاصة.

من ناحية أخرى، تغيرت ملامح العلاقة بين مصر وأهم جيرانها وشركائها الاقتصاديين، وذهب الدفء الذي ميز العلاقات بين مصر في عهد مبارك وحكام المملكة السعودية، وأصبحت العلاقة الثنائية الآن بين القاهرة والرياض تعتمد على الخوف المتبادل بدلا من الاحترام أو النوايا الصادقة، ويوضح اللباد قائلا إن «السعودية خائفة من أن تصدر الإخوان المسلمين أيديولوجيتها، بينما يخشى مرسي والإخوان أن تقطع السعودية شريان الحياة الاقتصادي عن مصر».

وعلى الصعيد الغربي، وجدت الولايات المتحدة نفسها لها نفوذ محدود على القاهرة وخيارات أقل للتعامل مع مصر، كما إن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يكن لديها فكرة حقيقية عما يمكن توقعه من مرسي بعد انتخابه في يونيو الماضي، لكنها وصلت إلى قناعة مفادها أنه ليست هناك خيارات إلا محاولة التعامل مع الحاكم الإسلامي الجديد للبلاد.

وقالت الصحيفة البريطانية إن المسؤولين الأمريكيين تبنوا الرأي الذي يقول إنه إذا أرادوا تشجيع الأقسام الأكثر اعتدالا من الإخوان المسلمين والحصول على دعم لمعاهدة السلام مع إسرائيل، فإنه يحتاجون إلى صياغة «علاقة عمل قوية مع الرئيس الجديد».

وبعد شهر حافل ساعد فيه مرسي على حل الأزمة في غزة وأحكم قبضته على السلطة في مصر، وجد البيت الأبيض نفسه في ذات المكان الصعب الذي بدأ منه، غير واثق من نوايا مرسي وليس لديه إلا خيارات قليلة للغاية معه ونفوذ محدود عليه.

ووصفت «فاينانشيال تايمز» بداية علاقة أوباما بمرسي بأنها كانت «صعبة»، عندما هجم المحتجون على السفارة الأمريكية في القاهرة 11 سبتمبر الماضي، بسبب فيديو معاد للإسلام، وبينما توقعت واشنطن إدانة سريعة لاقتحام سفارتها، كان مرسي هادئًا، معلنًا انتقاداته فقط بعدها بأيام، وكان غضب أوباما واضحًا عندما صرح لقناة تليفزيونية إسبانية في الأسبوع نفسه قائلا: «لا أعتقد أننا نعتبر مصر حليفًا، لكننا لا نعتبرها عدوًا».

أما مرسي، فكان هو الآخر لديه ملحوظاته بشأن واشنطن عندما حضر اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة نهاية سبتمبر، حيث قال في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إن «الإدارات الأمريكية المتعاقبة اشترت بأموال دافعي الضرائب الأمريكيين رفض، إن لم يكن كراهية، شعوب المنطقة».

ورأت الصحيفة أن العلامة الأولى على أن القائدين، المصري والأمريكي، يبدآن علاقة قوية جاءت مع أزمة نوفمبر في غزة، عندما هددت إسرائيل بشن غزو ردًا على هجمات صاروخية، وتحدث أوباما مع مرسي ثلاث مرات في يوم واحد وست مرات في غضون عدم أيام ثم توصلا إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ورغم أن الإدارة الأمريكية لم تكن متفائلة بشكل خاص بشأن استمرار وقف إطلاق النار، فإن المسؤولين الأمريكيين كانوا «معجبين بما رأوه من قدرة مرسي على حل المشكلات».

وأضافت أنه أصبح من الواضح لماذا تريد الولايات المتحدة التعامل مع رئيس معتدل من الإخوان المسلمين، فبالإضافة إلى ضمان استمرار معاهدة السلام مع إسرائيل، فإنها ستعيد لمصر مركزيتها السياسية في العالم العربي، وبالتالي المساعدة في تحجيم نفوذ إيران في المنطقة، ولهذا سعدت واشنطن عندما حضر مرسي مؤتمر قمة حركة عدم الانحياز في طهران وطالب الديكتاتور السوري بشار الأسد بالتنحي.

وتابعت «فاينانشيال تايمز» قائلة إن التفاؤل استمر لأيام قليلة فقط بعد أن أصدر مرسي الإعلان الدستوري الذي منح نفسه بموجبه سلطات غير عادية، وأجج بسببه احتجاجات شعبية كبيرة، موضحة أنه بينما هناك تفسيرات محتملة لإحكام قبضته على السلطة، فإن إعلانات مرسي الدستورية وسلوكه الغريب تعيد مخاوف الولايات المتحدة من أن تتحول مصر ببطء إلى ديكتاتورية إسلامية.

ورأت الصحيفة أن واشنطن أحجمت عن انتقاد مرسي حتى الآن، وفي خضم الوتيرة المتسارعة والمعقدة للموقف، يعتقد المحللون أن الولايات المتحدة ليست لديها قدرة كبيرة على التأثير على الأحداث، مشيرة إلى ما قالته مارينا أوطاوي، خبيرة مصر في معهد كارنيجي للسلام الدولي، إن «الولايات المتحدة ليس لديها أي نفوذ فيما يتعلق بالسياسة الداخلية، وهذا يعتبر تغييرًا لما كان يحدث في الماضي».

من جهة أخرى، تتعرض الإدارة الأمريكية لضغوط من منتقديها الذين يعتقدون أنها لم تفعل ما فيه الكفاية للمساعدة في تنفيذ عملية انتقال أكثر سهولة منذ سقوط مبارك، فالجمهوريون يعتبرون أوباما ساذجًا لتقربه من النظام المصري الجديد ويطالبونه بإلغاء صفقة الطائرات المقاتلة المرسلة إلى مصر، وبدأت نبرتهم ضد مرسي تصبح أكثر عدوانية.

واختتمت بالقول إنه بغض النظر عن إمداد الولايات المتحدة لمصر بمساعدة عسكرية سنوية قدرها مليار و300 مليون دولار، فإن نفوذها الحقيقي يكمن في القرض الذي تفاوض القاهرة صندوق النقد الدولي على الحصول عليه لدعم الاحتياطي النقدي الأجنبي وقدره 4.8 مليار دولار وتوقف بسبب الاضطرابات الداخلية في مصر.