«المصري اليوم» تنشر كواليس 10 ساعات حرجة انتهت بكتابة استقالة النائب العام

كتب: أحمد عبد اللطيف, حازم يوسف الثلاثاء 18-12-2012 20:47

25 يوماً قضاها المستشار طلعت إبراهيم، النائب العام، الذى أعلن،الأثنين، عزمه تقديم استقالته إلى مجلس القضاء الأعلى، الأحد المقبل، داخل دار القضاء العالى، منذ تعيينه فى 22 نوفمبر الماضى، بعد إعلان دستورى أطاح بالمستشار طلعت عبدالمجيد محمود، النائب العام السابق، وبمجرد دخوله مكتبه توالت استقالات المحامين العموميين وأعضاء فى النيابة، ونصحه عدد من القضاة بالتخلص من عدد من أعضاء النيابة المحسوبين على النائب العام السابق، إلا أن التحقيقات فى أحداث قصر الاتحادية تسببت فى تغيير خطة النائب العام، وسادت حالة من الغضب بين أعضاء النيابة بعد تدخل «طلعت» فى التحقيقات ومطالبته بحبس متهمين فى الأحداث، وتظاهر عدد كبير من أعضاء النيابة أمام وداخل دار القضاء العالى، وأعلنوا «ثورة أعضاء النيابة»، واحتشدوا 10 ساعات داخل مبنى دار القضاء العالى يهتفون «هو يمشى.. ارحل.. ارحل.. نائب إخوانى»، ووقعت مشادات واشتباكات بالأيدى خلال جلسة استمرت داخل مكتب النائب العام لمدة 6 ساعات، حتى انتهت الرحلة بالتصفيق للنائب العام، المستشار طلعت عبدالله، احتراماً لخروجه على أعضاء النيابة وإعلانه عزمه تقديم استقالته. «المصرى اليوم» رصدت مشاهد تقديم استقالة النائب العام:

المشهد الأول:

دعوة من جميع وكلاء النيابة العامة بأنحاء الجمهورية للاحتشاد داخل مبنى دار القضاء العالى، الأثنين، لمطالبة النائب العام بتقديم استقالته والعودة إلى منصة القضاء، وعلى إثرها اتصل محاميان عموميان برئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية وتم إخطارهما بمظاهرة وكلاء النيابة، وطلبا بتأمين دار القضاء.

المشهد الثانى:

تحول دار القضاء العالى إلى ثكنة عسكرية، حيث حضر ما يقرب من 5 آلاف مجند من قوات الأمن المركزى، تحت قيادة اللواءين أسامة الصغير، مدير أمن القاهرة، وعصام سعد، مدير البحث الجنائى، وعدد من ضباط جهاز الأمن الوطنى, وكان الهدوء سيد الموقف داخل دار القضاء، وأمام مكتب النائب العام حتى الساعة 3 عصراً.

المشهد الثالث:

تجمع عدد من المحامين العموميين داخل مكتب النائب العام، يخرج واحد ويدخل الآخر، والجميع يمسك الهاتف المحمول يتساءل فيما يحدث ويردد «مش هيمشى.. الرئاسة عايزاه يقعد»، وآخر يقول فى الهاتف «هيمشى لأن هناك حالة غضب بين وكلاء النيابة».

المشهد الرابع:

دقت الساعة الثالثة والنصف عصراً، وعقد العشرات من وكلاء النيابة اجتماعاً داخل نادى القضاة، الذى يقع خلف مبنى دار القضاء العالى، وتوجهوا إلى مكتب النائب العام، لكن على بعد 15 متراً من المكتب تم إيقافهم من قبل قوات الأمن، التى طلبت منهم عدم التقدم، وحاولوا الدخول إلى الممر المؤدى إلى مكتبه، فوقعت مشادات مع المجندين، الذين جددوا مطالبتهم لهم بالابتعاد، وكادت تتطور إلى معركة بالأيدى، فتدخل عدد من الوكلاء وقيادات أمنية لتهدئة الموقف.

المشهد الخامس:

نزل المستشار محمد ممتاز متولى، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، إلى وكلاء النيابة لامتصاص غضبهم، وعقد اجتماعاً معهم داخل قاعة عبدالعزيز باشا فهمى، وطالبهم خلالها بالهدوء، ووجه أحد الوكلاء لرئيس نادى القضاة سؤالاً: «حضرتك ليه مبتطلبشى منه يقدم استقالته، أو تتم إقالته من المجلس، وسحب الثقة منه؟!»، فأجابه المستشار «ممتاز»: «ليست لدى صلاحيات، ومش المجلس اللى عينه، وأنا سوف أطلب منه تقديم الاستقالة والخروج إليكم والتحدث معكم».

المشهد السادس:

تم الاتفاق على ترشيح 4 أشخاص من وكلاء النيابة للجلوس مع النائب العام والتحدث معه للمطالبة بتقديم استقالته، وتم تحديد 4 وكلاء نيابة أعمارهم ما بين الـ28 و34 عاماً، وأمرت قوات الأمن بفتح الطريق لهم، فدخلوا المكتب وبدأوا يتحدثون، ولم يسمع أحد شيئاً مما دار داخل المكتب المغلق، ومضت ساعة وساعتان ولم يظهر أى رد فعل.

المشهد السابع:

فى طرقات دار القضاء العالى بالطابقين الثانى والثالث وقف العشرات من وكلاء النيابة وآخرون، يتبادلون الحديث ويسأل أحدهم: «هل سيقدم استقالته»، وآخر يرد بـ«نعم» وثالث بـ«لا»، وفى الطابق الثانى وقف وكلاء النيابة وجهاً لوجه مع المجندين الذين يغلقون الطرقات، وأثناء وقوفهم حضر أحدهم وطالبهم بالعودة إلى نادى القضاة والجلوس فيه، وقال: «يابهوات أرجوكم تعالوا نقعد فى النادى ونعتصم فيه وبلاش نخلى كاميرات التليفزيون تصورنا وتحصل مشادات مع مجندين، ومع احترامى ليهم هم إخواتنا والضباط يقومون بعملهم.. لو أنا حاولت أدخل هيمنعنى، ليه أحرج نفسى؟.. وممكن أتشاجر معاه»، فرد ضابطان عليه أحدهما رائد والآخر ملازم: «إحنا مش هنمنعك، اتفضل ادخل ومحدش هيلمس إيدك إحنا هنا للتأمين»، ثم عارضه عدد من زملائه من أعضاء وكلاء النيابة قائلين: «إحنا هانعتصم هنا وهنرد هيبة القضاء، ولازم يمشى، ونحن نقدم كل الاحترام إلى شخصه الكريم»، وتمكن العشرات من اللاقتراب من باب النائب العام، واستمعوا إلى النقاش الذى كان يدور بين الأعضاء الـ4 الذين يمثلونهم.

المشهد الثامن:

احتشد العشرات من المواطنين والمثقفين من مختلف الفئات وتظاهروا أمام مبنى دار القضاء العالى، متضامنين مع وكلاء النيابة وهتفوا معهم ضد النائب العام، وحكم المرشد، وطالبوهم بالاستمرار فى موقفهم، مؤكدين لهم أن قوة القضاء بشبابه وحماية العدل، ورد عليهم العشرات من وكلاء النيابة وهتفوا معاً «ارحل ارحل».

المشهد التاسع:

حالة من الغضب والثورة بين أعضاء النيابة بعد أن خرج أحد زملائهم الذين حضروا الاجتماع وهو يهتف «ارحل.. ارحل»، وشرح لهم ما دار فى الاجتماع، وأكد أن النائب العام رفض مطالبهم وأنه حدثت مشادات كلامية فى ظل وجود آخرين من الوكلاء يساندون «إبراهيم»، ويطالبون بالاستمرار فى منصبه، وأكد أن «إبراهيم» أبلغهم بأنه لن يستقيل فى ظل هذا المشهد، وأنه يخشى على البلاد من تقديم استقالته، وأنه ينتظر الظروف الملائمة للقيام بهذه الخطوة، ونقل عضو النيابة أن النائب العام هدد من قابلوه بالعقاب إذا لم ينصرفوا من المكتب، وأنه اتصل بمدير أمن القاهرة لزيادة تأمين المبنى، ومرت الدقائق ثم أعلن النائب العام عبر مساعده: «أنا هاقدم استقالتى إذا جاء استفتاء الدستور بـ(نعم)، أما إذا حدث العكس فسوف أستمر فى منصبى، ويجب أن أخطر رئاسة الجمهورية»، وهو ما رفضه الوكلاء، وطالبوه بالخروج إلى جميع الأعضاء وأمام شاشات التليفزيون ليعلن تقديم استقالته، ثم قال النائب العام فى الاجتماع: «هاقدم الاستقالة سواء جاءت النتيجة بـ(نعم) أو بـ(لا)، بعد انتهاء الاستفتاء»، وأكد أنه أصبح يكره المنصب، وتمت مواجهته بما فعله بمعاونى النيابة العامة داخل مركز الدراسات القضائية، عندما اجتمع معهم منذ أسبوع، وأكد لهم أن الإعلان الدستورى باطل، والدستور باطل، وإقالة عبدالمجيد محمود من منصبه باطلة، وأن تعيينه قرار خاطئ من رئيس الجمهورية لأنه يعد تدخلاً فى أعمال القضاء.

المشهد العاشر:

حضر اللواء أسامة الصغير، مدير أمن القاهرة، وعدد من قيادات الأمن إلى دار القضاء العالى، وصعدوا إلى مكتب النائب العام لتفقد الحالة الأمنية، وكان أمام المكتب المئات من وكلاء النيابة يحتشدون أمام الباب الرئيسى ويهتفون بقوة «ارحل.. امشى»، وأكدوا أنهم سيعلقون العمل فى جميع أنحاء الجمهورية، ثم دقت الساعة التاسعة والنصف، وأطلق التصفيق الحار من قبل المتظاهرين وهتف آخر: «النائب العام قدم استقالته»، وسادت حالة من الفرح والتصفيق لعودة هيبة القضاء، وقال البعض: «إحنا انتصرنا على ظلم نظام إخوانى وأعدنا هيبة القضاء، ومن يختار النائب العام سيكون المجلس الأعلى للقضا». وقال عدد من القضاة إن النائب العام اتصل برئيس الجمهورية وأبلغه بأنه سيقدم استقالته، ولم يوضح الأعضاء رد فعل الرئيس تجاه القرار.

المشهد الأخير:

كتب النائب العام بخط يده داخل مكتبه وفى حضور العشرات من أعضاء النيابة والمحامين العموميين نص استقالته، ووجهها إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وتم تسليمها لأحد مساعديه من المحامين العموميين، فوجه وكلاء النيابة له الشكر، وصفقوا له، لأنه ترك منصبه فى سبيل هيبة الدولة، واصطف وكلاء النيابة على جانبى الطريق وقاموا بفتح الطريق له، وخرج من وسطهم وهم يصفقون له وتم توصيله حتى سيارته، وغادر مكتبه بسلام، وسادت حالة من الفرح بين القضاة وسط حالة من التشكك فى القرار، إلا أن عدداً من وكلاء النيابة قالوا إنهم حصلوا على نسخة من الاستقالة، كما صوره أحدهم وهو يكتبها عن طريق المحمول.