سألوه فى وقت مضى عما يمر به أبناء مصر من ضيق حال فقال «وكل ضيقة وبعدها سعة، وأهى دى الحقيقة بس منسية، وكلنا ولاد تسعة وبنسعى، ودى موش وسية الناس سواسية». انفجر الغضب فى شوارع مصر وتعالت صرخات الشباب فى ميادين يناير فطمأن الجميع بأبياته «من اختمار الحلم يجى النهار».. خرجت «أصابع ليست خفية» تعبث بأمننا القومى وتسعى لتنفيذ مخططات تقسيم أم الدنيا لخدمة مصالح أجنبية فسارع هاتفاً «ما تطلعيش يا شمس ع اللى يخونّا.. وما تنطفيش يا نار قلوبنا وعيونّا.. وما ترحميش اللى إحنا على قلبه هنّا.. واكوى بنارنا كل نقطة فى دمانا».
إنه الشاعر «سيد حجاب» عضو لجنة الـ50 لكتابة الدستور والحائز مؤخراً على جائزة الدولة التقديرية، يكتب قصيدة جديدة عن أحلام الوطن فى مستقبل أفضل، ويصوب كلماته نحو تدخل أمريكا،وأحلام تركيا، وجماعة الإخوان، وجامعة الدول العربية، ورؤيته للأزمة السورية، وبالطبع دستور مصر، ليؤكد أن وجوده ضمن لجنة الخمسين المشرفة على إعداد الدستور شرف كبير ومسؤولية مهمة، وأنه سيركز على الاستفادة من أخطاء العامين الماضيين وعدم خلط الدين بالسياسة حتى لا تتم الإساءة للدين والسياسة والشعب معاً.
وإلى نص الحوار:
■ لنبدأ من منحك جائزة الدولة التقديرية.. فى رأيك ما أسباب تأخرها؟
- تأخر الجائزة لم يشغل بالى، لكن أحمد الله على الحصول عليها فى هذا التوقيت، خاصة وأننى رشحت لها بعد ثورة 25 يناير وحصلت عليها بعد ثورة 30 يونيو 2013، فى عام كان مقرراً حجب الجائزة من جانب وزير الثقافة الإخوانى «علاء عبدالعزيز»، وأشكر حركة المثقفين واعتصامهم إلى جانب الشعب ليطيحوا بحكم الإخوان، وأعتبر الجائزة شرفاً كبيراً لى لأنها إحدى ثمار ثورة يونيو المجيدة.
■ كيف ترى وضع الأدب فى مصر الآن؟
- أتصور أن المصرى الذى أسقط منظومة القيم القديمة التى كانت سائدة قبل 25 يناير أرسى دعائم ثقافة جديدة تقوم على العقل والحرية والمواطنة والعدل الاجتماعى واحترام حقوق الإنسان، والأعمال الإبداعية التى تصدرت ميدان التحرير كانت بشارة لفكر جديد ظهر على وجوه المتظاهرين ولافتاتهم وظهر فى رسوم الجرافيتى وفى الغناء على منصة التحرير وبعد ذلك على سائر وسائل الاتصال الاجتماعى، كما فجرت حركة جادة ومحترمة للسينما التسجيلية والتاريخية وحركة المسرح الحر، كل هذا فجرته ثورة 25 يناير وسوف يستكملها المثقفون والمبدعون.
■ لماذ صرحت بأننا على أعتاب ثورة شعرية؟
- أظن أن الشعر فى مصر ظل داخل خندق المقاومة منذ التطبيع وكانت بدايته مع قصيدة لا تصالح لأمل دنقل، وتواصلت بعد ذلك إبداعات المثقفين المعارضين للأنظمة الثلاثة السابقة فى إبداعات عديدة سواء بالغناء والقصة القصيرة والشعر وغيرها، وهو ما صب فى النهاية لصالح 25 يناير، وأنا فى عام 2009 أصدرت ديوان «قبل الطوفان الجاى» وكان سباحة ضد التيار الغالب فى هذا التوقيت واعتبرته نوعاً من البشارة أو الحلم بما بدأ الشعب المصرى يحققه فى 25 يناير ثم فى 30 يوليو.
■ ما رؤيتك للوضع السياسى الراهن؟
- لا شك فى أن الشعب المصرى وفى طليعته الثوار من شبابه صنع معجزتين فى 25 يناير و30 يونيو، فى المرة الأولى استولى أعداء الثورة على مقاليد الأمور، من مجلس عسكرى وإخوان مسلمين وكليهما كان جزءاً من الرؤية الاستعمارية للشعب المصرى وثورة المصريين، وكان ذلك التفافا على هذه الثورة لاحتوائها، وقطعاً لقطع الطريق على إمكانيات التغيير خارج الحظيرة والاستقلال عن الحظيرة الاستعمارية، وفى 30 يونيو ثار الشعب المصرى بكامله على هذا النظام وعلى السلطة الفاشية الدينية الرجعية العميلة.
ونرى اليوم بعضاً من المحاولات للالتفاف من جديد على هذه الثورة واحتوائها وقطع الطريق عليها كى لا تخرج من الحظيرة الاستعمارية ونسترد وطننا ونؤسس دولة للثورة، كثيرون من هؤلاء يحاولون الدخول من بوابة المصالحة أو من أبواب حل الأزمة وكأن هناك أزمة يعيشها الواقع المصرى وليس ثورة قام بها الشعب المصرى، كأن هناك مصالحة بين حق وباطل أو بين الجماعة الوطنية ومن يخرجون عليها من أعداء الوطن، هذه وبالرغم من كل دعاوى حقوق الإنسان التى يرفعونها فهى محاولة إصلاحية رديئة وفاشلة مقدماً، لأنها ضد مصالح الشعب المصرى، مهما تغطت بعباءات حقوق الإنسان، فالمجتمع بكامله ضد الاستبداد باسم الدين أو باسم العسكر أو الجيش، والمجتمع بكامله ارتضى خارطة المستقبل التى طرحها شباب الأمة وسلمت بها قيادة الجيش.
■ ما تعليقك على الآراء التى تطالب بإجراء مصالحة سريعة؟
- لا مصالحة إلا بعد العدالة الانتقالية وسوف تكون مصالحة مجتمعية وليست بين الأطراف السياسية وسوف تسمح هذه العدالة الاجتماعية لمن لم يتورط فى العنف أو العداء لآمال والوطنية المصرية أو الهوية المصرية المستقرة منذ قرون.
■ وكيف ترى الضغوط الخارجية التى تمارس على مصر الآن؟
- هذه الضغوط تعكس قدر الخوف من الشعب المصرى وما أنجزه، وهى تسعى لمحاصرة هذه الثورة الشعبية للالتفاف عليها، لأن مصر كنز كبير وبلد حاكم للمواصلات والاتصالات بالعالم كله، وهم مضطرون ومجبرون على الانصياع لإرادة الشعب المصرى الموحد وحين يكتمل انتصار الإرادة الشعبية سيأتون زحفاً لطلب ود مصر وشعبها.
■ ما توقعاتك لمستقبل الجماعات الإسلامية فى مصر؟
- الحقيقة أن كل فكر الفاشية الاستبدادية يتم تحت اسم الدين، والدين منهم براء، ويستوى فى هذا الإخوان وحلفاؤهم جميعاً، وقد تم هزيمة فكرهم وأثبتوا تخلفهم عن الحياة وعن أحلام الشعب المصرى، ولفت نظرنا أن الفخ الذى نصب فى الدستور ليخلط بين الدين والسياسة وليحول مصر من بلد إسلامى إلى بلد سنى تمهيداً لانخراطنا فى الصراع المرجو بالنسبة للاستعماريين بين السنة والشيعة، أظن الشعب المصرى الآن سيسقط كل محاولات إيقاعنا فى الخطأ مرة أخرى ومن المطلوب حل جماعة الإخوان المسلمين ومحاكمة المتورطين فيها، فهذه الجماعة التى ثبت أنها إرهابية واستخدمت السلاح ضد المجتمع المصرى أرفض المصالحة مع قيادتها المجرمة، فهم الذين يرفضون تحية العلم والوقوف للسلام الوطنى المصرى، لأنهم ضد الوطنية المصرية.
■ كيف قرأت مسودة الدستور التى صدرت مؤخراً والانتقادات التى وجهت إليها؟
- لم أقرأها بعد بشكل كامل، لكننى واثق من أن هذا الشعب المصرى العظيم سيسقط أى دستور لا يحترم الحريات أو يخلط بين الدين والسياسة، فنحن جميعاً مصريون وينبغى أن يتأسس دستور جديد للمصريين يفصل بين السلطات ويحدد الوظائف والمهام، وفى نفس الوقت يحافظ على حرية المواطن فى مواجهة استبداد محتمل لأى دولة قادمة.
■ كيف تم اختيارك ضمن لجنة الخمسين؟
- لم يتم إبلاغى رسمياً حتى الآن لكنه شرف كبير، وفى اعتقادى أن معركة الدستور القادمة هى أم المعارك فى تأسيس دولة الثورة، ومجموعة الشخصيات العامة المنتقاة أمينة على الوطن وعلى هذا الشعب، وأعتقد أنها ستعمل على تأسيس دستور يكرس الحريات وفى نفس الوقت يمنع عدم وجود أى استبداد قائم ويؤسس لدولة الثورة التى تسعى نحو العدالة الاجتماعية لإلغاء الدستور المعيب الذى فرض علينا بدستور حقيقى يليق بحجم مصر وشعبها.
■ ما أهم البنود التى ستطالب بالتركيز عليها فى الدستور الجديد؟
- الاستفادة من أخطاء العامين الماضيين، وعدم خلط الدين بالسياسة مما أساء للدين والسياسة والشعب معاً، أيضاً فكرة الهوية التى تصر عليها الاتجاهات الفاشية والرجعية والتى يجب أن تهزم لنؤسس الهوية على المواطنة والديانة لأن الدين أساس التشريع والدين الإسلامى أساس الدولة، إضافة إلى طرح رؤية ثقافية لمجتمع قادم وحديث.
■ هل تتوقع ترشح الفريق السيسى للرئاسة؟
- كل هذا كلام سابق لأوانه، ويجب علينا جميعاً الالتزام بخارطة الطريق والمستقبل التى فرضها الشعب المصرى بثورته، فلكل ساعة حديث، وتبعاً لخارطة المستقبل نحن الآن فى مرحلة تأسيس الدستور، وهذه أم المعارك الفاصلة فى هذا الزمن وهذا الوقت.
■ كيف تتوقع مشاركة الجيش المصرى فى الأزمة السورية؟
- الحقيقة أن مصر طرف فى أزمة سوريا، شاءت أم أبت، لأن الأمن المصرى يبدأ من عند جبال طوروس، وأى فعل خارجى لهذا المجال هو موجه بالأساس ضد الأمن الوطنى المصرى، وأظن أن على مصر الالتزام بدعمها للشعب السورى فى الداخل فى ثورته، وعليها أن تمنع أى تدخل أجنبى، بل وتدفع بالجامعة العربية لمنع أى محاولات للتدخل الأجنبى.
■ كيف قرأت القرارات التى أصدرتها جامعة الدول العربية مؤخراً؟
- الجامعة تعطى نوعاً من الغطاء لأى هجمة استعمارية مقبلة، وهذا عيب شديد على جامعة تدعى أنها عربية وتمثل الشعوب العربية، هى بهذا الغطاء تعمل ضد العروبة والعرب وأياً من كان من يصوت إلى جانب هذا القرار، وللأسف الشديد هناك أطراف ممن وقفوا إلى جوار 30 يونيو فى مصر وقفة نشكرهم عليها، إلا أنه ينبغى أن نعارض موقفهم تجاه الأزمة السورية.
■ كيف ترى حديث أوباما عن قيامه بعملية عسكرية فى سوريا؟
- أمريكا تتحدث عن ضربة محدودة، وطبعاً من الواضح جداً أن كل ما يهمهم الآن ليس إسقاط الأسد وإنما جر النظام إلى تفاوض مع جيشهم المسمى بالحر وهم يحاولون تحسين موقفهم التفاوضى من خلال هذه الضربة، لأن هذه الضربة لن تسقط النظام لكن سيتبعها مزيداً من الضحايا من الشعب السورى، وهدفهم جر النظام إلى مائدة المفاوضات وهم فى موقف أقوى لكن أظن أنها لن تكون نزهة كما تصوروا قبل غزوهم للعراق.
■ هل مصر ستكون طرفاً؟
- من الصعب جداً فى هذا التوقيت أن تتدخل مصر عسكرياً لمساندة سوريا، فنحن لدينا جبهة مفتوحة فى سيناء، لكن مصر الدولة عليها أن تأخذ مواقف جادة وحادة لحساب الشعب السورى وضد التدخل الأجنبى.
■ كيف ترى الهجوم التركى على مصر وعلى الازهر؟
- ثورة 30 يونيو أسقطت أقنعة كثيرة وضربت كرسى فى عدة كلوبات فى المنطقة، هى أسقطت الحلم العثمانى الذى يعيد لها المنطقة العربية فى أحضانها حتى يقدمونها إلى الغرب وللاتحاد الأوروبى، فالأتراك وعدوا الأوربيين بأن يعطوهم ثمرة نفوذهم فى مصر حتى يسمحوا لهم بالدخول إلى السوق الأوروبية ونحن أوقفنا هذا المشروع، وأسقطنا حلم أردوجان الحليف للناتو الذى يلعب دوراً مهماً فى لعبة الشرق الأوسط الجديد والتقسيم لضمان أمن إسرائيل، فهذه الثورة أسقطت مشاريع كثيرة كانت تدبر لنا منها التقسيم وأن نعود ثانية إلى الولاية العثمانية وتكوين مجموعة ولايات عرقية ودينية ومذهبية تحيط بإسرائيل وتمنحها الغطاء الأخلاقى لوجود دولة يهودية، حيث إن هناك دول دينية فى المنطقة ولتكن هذه هى الدولة اليهودية، ونحن بهذا نكرس الحلم الإسرائيلى.
■ كيف ترى حملة اعتقال قيادات الإخوان المسلمين؟
- ما أعرفه أنه ليست هناك اعتقالات، بل هناك أوامر ضبط وإحضار بطلب من النيابة وفى النهاية كل من يطلب أمام النيابة ويمثل أمامها ستقرر هى مدى مسؤوليته أو التهم التى ستوجه إليه أو تفرج عنه كما أفرجوا منذ أيام عن نجل أحد القيادات الإخوانية، ونحن ننتظر حكم القضاء.
■ كيف ترى دور المعارضة فى الفترة المقبلة؟
- لا أعول إلا على يقظة الشعب المصرى وقدرته الفائقة على الفرز والانتقاء، وأظن أن الجماهير الآن تسبق النخب وعلى النخب أن تتخذ مواقف بناءً على إرادة هذه الجماهير من يفلح فى هذا سوف يكون له نصيب من المستقبل أما من سيحاول لعب دور الوصى والأب الكبير الجميع فسيرفضه الجميع.
■ ما الجديد الذى تحتويه أجندتك؟
- أحضر لعمل كبير قيد الكتابة يتحدث عن الوضع بشكل عام ولا أعلم متى أنتهى منه.