رغم الجهود الأمنية التى تبذلها الحكومة العراقية لتعقب ورصد معاقل تنظيم «القاعدة فى العراق» رغم الانسحاب الأمريكى من البلاد، مازالت أعمال العنف تشكل مشهداً يومياً، حتى إن وزارة الداخلية وصفت العراق مؤخراً بأنه «ساحة حرب»، فى حين تجاوزت حصيلة القتلى 3600 شخص منذ بداية 2013، فى أعمال عنف تعد الأسوأ فى البلاد منذ عام 2008، وحملت فى الغالب توقيع تنظيم «القاعدة»، الأمر الذى يهدد بجر البلاد مجدداً إلى حرب أهلية وتصعيد النزعة الطائفية فى منطقة الشرق الأوسط ككل، لاسيما سوريا ولبنان.
ويعزى مدير مشروع الاستخبارات الجديد فى معهد «بروكينجز»، بروس ريدل، تصاعد العنف الطائفى فى العراق إلى عدة أسباب، من بينها سياسة «الاستحواذ» التى تنتهجها الحكومة العراقية، بقيادة رئيس الوزراء الشيعى نورى المالكى، والتى نفرت الكثير من أبناء الأقلية السنية فى البلاد، لكنه أوضح أن «تنظيم القاعدة لا يزال هو المسؤول الرئيسى» عن تصاعد العنف.
وتم تأسيس فرع «القاعدة» فى العراق، الذى يعرف باسم «دولة العراق الإسلامية»، فى إبريل 2004 من قبل الأردنى أبومصعب الزرقاوى، الذى أعلن فى العام نفسه مبايعته لزعيم التنظيم وقتها، أسامة بن لادن.
وبنهاية 2007، شهدت أعمال العنف المنسوبة للقاعدة تضاؤلاً، فى مواجهة جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية ومجالس «الصحوة» السنية، بعد أن حققت ذروتها فى 2006 و2007 وانتقلت إلى دول الجوار، بينما تلقى التنظيم «ضربة قاصمة» بمقتل زعيمه، الزرقاوى، فى غارة جوية أمريكية فى 7 يونيو 2006، فيما أعلن الزعيم الجديد لـ«القاعدة فى العراق»، أبوأيوب المصرى، تشكيل «دولة العراق الإسلامية»، بزعامة العراقى أبوعمر البغدادى، فى محاولة لإضفاء «وجه عراقى»على أنشطة التنظيم. ويقول «المركز القومى الأمريكى لمكافحة الإرهاب» إن هجمات دامية للقاعدة خلال 2009 و2010، أظهرت تصاعداً لنشاط التنظيم عقب بدء انسحاب قوات التحالف من العراق، رغم الانتكاسة التى منى بها التنظيم بعد مقتل المصرى وأبوعمر البغدادى فى إبريل 2010، ولاحقاً، أصبح أبو بكرالبغدادى زعيم تنظيم القاعدة فى العراق.
وحول مصادر تمويل التنظيم العراقى، نقل «مجلس العلاقات الخارجية» الأمريكى عن خبراء قولهم إن مؤيدى التنظيم فى الأردن وسوريا والسعودية، وفروا الجزء الأكبر من التمويل فى الماضى. وأوضح المجلس أن التنظيم تلقى تمويلاً من طهران، وفقاً لوثائق مسربة من عملاء للحرس الثورى الإيرانى شمال العراق. لكن الجزء الأكبر من التمويل، بحسب الخبراء، يأتى من مصادر داخلية. ورغم اغتيال الزرقاوى، ظل فكره سائداً بين أتباعه بصورة قوية، واليوم، يسعى خليفته البغدادى، إلى التفوق على معلمه، حيث دبّر هجمات واسعة النطاق على سجنى «أبوغريب» و«التاجى» فى يوليو الماضى، فهرب المئات من المتطرفين، وأعلن البغدادى، توسيع نطاق الجماعة وضم «جبهة النصرة» السورية إليها لتحمل اسم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، وهو ما يعكس النفوذ المتزايد لتنظيم القاعدة فى سوريا ولبنان والأردن. ولفت بروس ريدل إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت الشهر الماضى أن البغدادى نقل قاعدته إلى سوريا فى محاولة للهروب من قبضة الحكومة العراقية.
وقال ريدل إن إعادة ظهور تنظيم القاعدة فى العراق وسوريا يعد بمثابة «ناقوس خطر»، فأصبح «إرث» الزرقاوى متأصلاً للغاية فى الحركة الجهادية التى تستغل الانهيار الأمنى فى المنطقة.