في الجزء الثانى من حواره مع «المصرى اليوم»، تحدث الدكتور حازم الببلاوي، رئيس مجلس الوزراء، عن رؤية حكومته للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، وشرح ما يتم من إجراءات لإعادة تقييم المنظومة الضريبية ودراسة فرض ضرائب جديدة، وكيفية التعامل مع الحد الأدنى للأجور، كما تناول قضايا الدعم، وعجز الموازنة، والمديونيات الخارجية والداخلية وتداعياتها المستقبلية.
وبرغم معرفة الجميع بصعوبة الظروف الاقتصادية لمصر، إلا أن رئيس الوزراء يرى بريقاً من الأمل يلوح من النفق الاقتصادي المظلم بفضل «معاونة جادة من الدول الخليجية، سيكون لها مردود كبير على المواطن المصري قريباً»، على حد قوله.
«الببلاوي» يدرك أن الطبقات الفقيرة تحتاج لمزيد من الرعاية، ويصر على أن فكرة العدالة الاجتماعية في قلب اهتمام حكومته رغم صعوبة الوضع الاقتصادي، مدللا على ذلك بما تقوم به حكومته من دراسة برامج لإعطاء دعم نقدي للفئات الأكثر فقراً.. وإلى نص الحوار:
■ ما أهم المشاكل التي تواجه الاقتصاد المصري في الوقت الحالي؟
- مصر تواجه مشكلتين، علاجهما يتطلب إجراءات متناقضة، وهو ما يمثل عبئًا على الحكومة، فهناك مشكلة بطالة متفجرة، وعجز مالي يهدد مستقبل مصر، والأخير يتطلب سياسة تقشفية، في حين أن البطالة تتطلب زيادة استثمارات، لذلك فإن إحدى المشكلتين تؤثر سلبًا على الأخرى.
■ ماذا عن الانتقادات التي يتم توجيهها للحكومة بسبب التأخر في علاج مشكلات الدعم برغم وجود برامج تمت صياغتها في الحكومات السابقة؟
- بدأت تنفيذ برنامج ترشيد دعم الطاقة، ولكن تطبيقه سيؤدي إلى زيادة الأسعار، خاصة في ظل الظروف الحالية، فالدعم أكبر مما تستطيع الدولة أن تستمر عليه، وجزء كبير منه يذهب إلى غير المستحقين، فالمشكلة في كيفية الوصول إلى المستحقين، نتيجة نقص قاعدة البيانات، وهناك محاولات بدأتها الحكومات السابقة، ولكن في كل مرة تقف عند مرحلة التنفيذ، وأتعهد بوضع برنامج لترشيد الدعم بشكل جزئي، قبل انتهاء عمر تلك الوزارة، يتم تنفيذه على عدة سنوات، وبعدها لن يختفي الدعم تماما، ولكن سيوجد بشكل تستطيع أن تتحمله الدولة.
■ وماذا عن الصناعات كثيفة الطاقة؟
- هذا البرنامج بدأ فعليا منذ أن كنت وزيرا في حكومة الدكتور عصام شرف، وبدأ بشكل تدريجي، فمثل هذه الأمور لا يوجد خلاف عليها.
■ ما إجمالي الدعم الذي تتحمله الدولة سنويًّا؟
- يصل من 215 إلى 230 مليار جنيه سنويا، وبعض الناس يتحدث عن منع استيراد السلع الترفيهية لتقليل الفجوة في ميزان التجارة، ولكنها في الحقيقة لا تمثل إلا شريحة صغيرة من عملية الاستيراد، وإذا نظرنا للميزان التجاري، سنجد أننا نصدر بحوالي 25 مليار دولار، ونستورد بحوالي 60 مليار دولار، وجزء من الواردات من الشريك الأجنبي في الداخل، وجزء كبير من الواردات سلع أساسية، من سكر وزيت وقمح، وجزء آخر مواد بترولية بحوالي 9 مليارات، ونستورد سلعا استهلاكية الجزء الأكبر منها أدوية.
■ هل ستتم زيادة الحد الأدنى للأجور البالغ حاليا 730 جنيها فى ضوء تشكيل لجنة للعدالة الاجتماعية برئاسة الدكتور حسام عيسى نائب رئيس الوزراء؟
- لن نرفع الحد الأدنى للأجور لأن الميزانية لا تسمح، بالإضافة إلى أن الحد الأدنى يختلف عن متوسط الأجر، ولكنني مهتم أكثر في الحكومة بتطبيق الحد الأقصى للأجور، وهناك صعوبات في تفعيله لوجود أموال لا يتم معرفة مصدرها، وإذا انضبط الحد الأقصى للأجور سنكون قد حققنا إنجازا في هذا الملف.
■ وهل سيتم تفعيل الحد الأقصى للأجور على قيادات البنوك ورؤساء الشركات الكبرى؟
- كل مقابل سيحصل عليه رئيس أي بنك أو غيره في المؤسسات الحكومية سيخضع للحد الأقصى للأجور، ليس هذا فحسب، لكن سيطبق أيضا على ممثلي الحكومة في الشركات الخاصة أو المساهمة، فمثلا لو أن مسؤولا يمثل الحكومة في شركة خاصة يحصل على مقابل مادي لذلك، سيخضع ما يحصل عليه للحد الأقصى للأجور.
■ لماذا تم وقف برنامج الحكومة السابقة لتقليل استيراد القمح خاصة أننا أكبر دولة في العالم مستوردة للقمح؟
- لكي نزيد الرقعة الزراعية من القمح، سيأتي ذلك على حساب حرمان الفلاح من زراعة محاصيل معينة مثل القطن، الأمر الثاني أننا نعاني من عجز شديد في الصوامع اللازمة للتخزين، ونسعى إلى حل تلك المشاكل، وسنرفع سعر توريد القمح إلى 410 جنيهات.
■ هناك حديث دائم عن قضية المستشارين في الجهاز الإداري للدولة.. كيف ستتعامل الحكومة معها؟
- قضية المستشارين في الحكومة ترتب عليها أعباء مالية، لكنها لا تشكل «أي شيء» في أرقام العجز التي تعاني منها الموازنة العامة للدولة، وهناك انتقادات بأن هؤلاء المستشارين يحصلون على رواتب كبيرة ولا يؤدون أعمالا تستحق هذا المقابل، ولابد للحكومة أن تعيد النظر في هذه القضية، وأنا شخصيا بدأت أعيد النظر في المستشارين الذين يعملون في رئاسة الوزراء، وهي تحتاج إلى انضباط أكثر، وما أريد أن أؤكده في هذا الشأن أن أثر هذه القضية النفسي أكبر بكثير من عبئها المالي على الدولة، فالمستشارون لا يزيدون على 4 إلى 5 آلاف مستشار، ونحن نعاني من عجز مالي متوقع يصل إلى 210 مليارات جنيه في الموازنة، لا تشكل قضية المستشارين أي شيء يذكر من هذا العجز مثلا، ورقم العجز هو تقديرات من الحكومة.
■ كم يشكل العجز في الميزانية العامة للدولة من إجمالي الموازنة؟
- يشكل حوالي 27 إلى 28% من الموازنة، وحوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما تهدف الحكومة لتقليله من خلال برامج عديدة نعمل عليها.
■ ماذا عن الاستثمارات الحكومية خلال الفترة المقبلة؟
- أضفنا 22 مليار جنيه استثمارات لكي ننفذ مشروعات تستطيع أن تحقق عائداً كبيراً ويعمل بها عدد كبير من العاملين، وهناك مشروعات تم تنفيذ ما يزيد على 60% منها.
■ هناك تخوفات من زيادة الدين المحلي بشكل كبير واتجاه الحكومة للاقتراض من السوق المحلية من خلال طرح سندات وأذون خزانة.
- نحن لدينا عجز في الموازنة نتيجة أن الإيرادات أقل من المصروفات، والميزانية منها «ربع أجور وربع دعم وربع فوائد الدعم والربع الأخير استثمارات»، ونحن لا نستطيع زيادة الأجور.
■ الدين المحلي وصل إلى 1.5 تريليون جنيه ما معنى هذا الرقم، وما تبعاته على المديين المتوسط والطويل؟
- الرقم مخيف، ولابد من ترشيد الدعم، والمواطنون غير مستعدين لتخفيض الدعم، كما أننا لا نستطيع أن نصل إلى المستحقين برغم سهولة الحديث عن ذلك، ولكننا في كل الأحوال سنضع برنامجا تدريجيا وواضحا على مدى عدة سنوات، ونقوم بدراسة هذا الأمر.
■ ما النتائج الجيدة التي تحققت في الاقتصاد المصري بعد شهرين من تولي حكومة الدكتور «الببلاوي» زمام الأمور؟
- أستطيع أن أبشركم بأخبار جيدة، فالاحتياطي من النقد الأجنبي سيرتفع هذا الشهر، في الغالب، إلى حوالي 20 مليار دولار بسبب ودائع بعض الدول العربية، والكويت وضعت 2 مليار دولار قبل يومين، كما تحسن وضع الجنيه إلى 6.92 قرشا مقابل الدولار، بعد أن كان يزيد سعر صرف الجنيه أمام الدولار على 7 جنيهات للدولار، وكان في السوق السوداء بـ7.42، ولا يوجد «طابور» انتظار من المستوردين وهذا أمر طيب، والصندوق الاجتماعي للتنمية سيضخ تمويل 140 مليون جنيه، 90 مليونا منها لترميم مدارس، و25 مليون جنيه لرصف الطرق و10 ملايين لوزارة الإسكان لدعم القرى الأكثر فقرا.
■ بمناسبة الحديث عن الاحتياطي النقدي هل ترى أن سببا كبيرا لاستنزافه يرجع إلى دعم الجنيه؟
- الكلام في المطلق سهل، ولكن نحن نعاني عجزا شديدا في ميزان المدفوعات، وعلاجه مرتبط بالإنفاق من خلال الدولار، ومرونة الطلب قليلة، فمثلا إذا ارتفع البترول لا نستطيع الاستغناء عن استيراده، كما أن الواردات غير مرنة، ومصر فب الوقت الحالب دولة مستوردة للوقود، حيث نستورد نصف احتياجاتنا من الوقود.
■ ما تفاصيل الاتفاق مع الحكومة القطرية بشأن شراء سندات مصرية بقيمة 2 مليار دولار؟
- تم حل المشكلة بعد أن خاطبهم البنك المركزي إما بتنفيذ الاتفاق وشراء السندات أو إعطائهم أموالهم، وبالفعل تم التوصل لحل بشراء السندات بفائدة تزيد على 3% قليلا وهي أفضل من اللجوء للسوق العالمية.
■ وهل يعادل سعر الفائدة ما حصلت عليه مصر من ودائع من بعض الدول العربية الأخرى؟
- بعض ما حصلت عليه مصر من الدول العربية الخليجية مساعدة منها 6 مليارات دولار ودائع و3 مليارات دولار لشراء مواد بترولية و3 مليارات دولار منحاً، وحصلنا عليها بالكامل.
■ هل المساعدات التي تحصل عليها مصر من الدول الخليجية والتي بلغت 12 مليار دولار، بالإضافة إلى اتجاه الحكومة للاستدانة من السوق المحلية من خلال طرح السندات وأذون الخزانة كافية لحل مشاكل مصر في الوقت الحالي؟
- ما أستطيع قوله أن هناك فرقا بين عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات، فعجز الموازنة يؤثر على الاقتصاد الداخلي ويؤثر على التضخم، والحكومة عندما تلجأ إلى الاستندانة من السوق المحلية، تزاحم بذلك القطاع الخاص، فبدلا من أن يحصل المستثمرون على هذه الأموال تحصل عليها الحكومة، وكل هذه أعباء، أما الأموال التي نحصل عليها من الخارج فتساعد على علاج الخلل في ميزان المدفوعات.
■ هل من الممكن أن تلجأ الحكومة إلى المؤسسات الدولية للحصول على تمويل ومنها صندوق النقد الدولي وبعض المؤسسات الأخرى؟
- أؤكد أن سياسة الحكومة هي الانفتاح على العالم الخارجي وليس الانغلاق، ولا توجد دولة أو شخص عاقل يقطع علاقاته مع المؤسسات الدولية، إنما تحديد قرار اللجوء إليه من عدمه يتم تحديده بناء على الاحتياج، ومصر في اللحظة الحالية ليست في حاجة للحصول على قروض من المؤسسات الدولية ومنها صندوق النقد الدولي، ولكن ليس معنى ذلك أنها ضرر، فمثلا: «لا يستطيع شخص أن يخاصم الحلاق»، ولكنه في الوقت نفسه لا يذهب إليه كل يوم، ولكن عند الحاجة فقط.
■ قيل إن صندوق النقد يرفض التعامل مع مصر في الوقت الحالي لأنه يخضع للموقف الغربي الذي تعتبر بعض دوله أن ما حدث في مصر انقلاب عسكري.
- نحن من قررنا أننا لسنا في حاجة للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، برغم ما يمثله من شهادة بأن الاقتصاد المصري قادر على التعافي، وأؤكد أن مصر لديها أشياء أكثر فاعلية.
■ ولكن هل من الممكن أن يرفض الصندوق التعامل مع مصر لأسباب سياسية كما ذكرنا؟
- لا، صندوق النقد الدولي قد يرفض لأسباب أخرى.
■ لكن الصندوق رفض إعطاء قرض لحكومة الدكتور هشام قنديل بسبب عدم وجود توافق سياسي.
- الصندوق يشترط التوافق والاستقرار السياسي عند التعامل مع أي دولة، ولكن ما أريد أن أقوله أن مصر لديها حوار جاد مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية، والكويت، والإمارات للدخول في تمويل مشروعات مهمة في مصر خلال الفترة المقبلة.
■ حصلنا من الدول الخليجية الثلاث على 12 مليار دولار.. هل سنحصل على حزم تمويلية جديدة من الدول الثلاث وكم حجم التمويل الجديد؟
- لن أفصح عن الرقم، فالموضع ما زال قيد الحوار مع الدول الثلاث، ولكن الأكيد أنه بجانب الـ12 مليار دولار التي حصلنا عليها، فإن تلك الدول ستساعد مصر بشكل جاد على تمويل مشروعات محددة، بعضها عاجل وسيساهم في حل مشكلات كبيرة تهم المواطنين، وجزء كبير منها موجه للفئات الأكثر فقرا، والدول الثلاث ستنفذ مشروعات كبيرة وبمبالغ كبيرة.
■ هل ستحصل مصر على المبالغ الجديدة في شكل قروض أو منح؟
- ما زال الحوار مستمر حول طبيعة المشروعات وحجم التمويل، ويوجد اهتمام كبير جدا من هذه الدول لدعم الاقتصاد المصري في الوقت الحالي، وسيكون التمويل الخليجي بشكل يلمسه المواطنون.
■ ما المجالات التي ستوجه إليها حزم التمويل الخليجية الجديدة التي سنحصل عليها؟ وهل ستوجه مثلا لتمويل الحد الأدنى للأجور؟
- بالطبع لا، لأن الحد الأدنى للأجور مستمر، ولا أستطيع أن أوجه أموالا أحصل عليها بشكل مؤقت لتمويل شيء مستمر مثل الحد الأدنى للأجور، ولكن هذه الأموال ستوجه للقرى الفقيرة، وهناك مشروعات في جميع المجالات.
■ من المسؤولون الخليجيون الذين تجرى معهم المفاوضات حول الحزم التمويلية الجديدة لمصر؟
- هناك مفاوضات تمت مع وزير الخارجية الإماراتي، وبعدها مع سمو الشيخ محمد بن زايد وكان معه وفد كبير، وهناك وزراء يقومون بالمتابعة الأسبوعية لتحديد هذه المشروعات، إلى جانب هذا، سيكون هناك برنامج للدخول في مشروعات كبيرة، كما أنهم يسعون لتشجيع القطاع الخاص في بلادهم على الاستثمار في مصر، وأيضا رئيس الوزراء الليبي عقب زيارته الأخيرة لمصر أبدى نفس الشيء، ولكن مع الدول الخليجية الأمر أكثر وضوحا وأكثر بلورة، وأعتقد أنه في فترة قريبة سيسمع المواطنون أخبارا سعيدة فهذه الدول تستثمر في مستقبل مصر.
■ ماذا ستفعل الحكومة في مشروع قناة السويس خاصة أنه أثار جدلاً كبيراً في عهد الحكومة السابقة؟
- يعاد النظر بالكامل في مشروع قناة السويس من قبل لجنة وزارية مع وزير النقل، وسيعود هذا المشروع مرة أخرى للدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء الأسبق.
■ ماذا ستفعل الحكومة مع ملف الضرائب، وهل هناك إعادة لتقييم بعض المفروض منها، خاصة أن وزير المالية أعلن أنه لن يتم فرض ضرائب جديدة؟
- أنا أتفق مع الدكتور أحمد جلال بخصوص عدم ملاءمة الفترة الراهنة لفرض ضرائب جديدة، ومع ذلك طلبت منه أن يدرس الضريبة العامة على الإيراد، وتكون ضرائب تصاعدية، وتفرض فقط على الأشخاص الطبيعيين لأن هذه ضريبة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وليس على الشركات، لأنه من الممكن أن تحقق شركة مكسباً 20 مليوناً يساهم فيها 25 ألف واحد وتكسب شركة أخرى 5 ملايين ولكن يساهم فيها 3 فقط، وبالتالي يكون فرض الضريبة العامة على الدخل على الأشخاص أفضل من تطبيقها على الشركات.
■ وهل هذه الضريبة ستكون جديدة بخلاف الضرائب الأخرى المطبقة حالياً؟
- الضريبة العامة للدخل فُرضت لأول مرة عام 1939، وكانت تفرض- إلى جانب الضرائب النوعية من ضريبة عمل وضريبة الأرباح التجارية- ضريبة عامة على مجموع الإيراد، والمحكمة الدستورية قالت بعد ذلك إن فرض الضريبة العامة على الدخل غير دستوري؛ لأن معناه أن تفرض على نفس الوعاء مرتين، لذلك أنا طلبت من وزير المالية أن يعيد النظر في فرض هذه الضريبة مرة أخرى، ويُدخل شيئين، الأول أن تفرض هذه الضريبة على مجموع الإيرادات، وكان في ظل الحكومة السابقة بعض الأنشطة التي لا تفرض عليها أي أنواع من الضرائب مثل الاستغلال الزراعي، والأرباح الرأسمالية، والضريبة العامة على الإيراد ستفرض على كل مصادر الإيراد، والشيء الثاني أنها لن تفرض على كل الناس، ولكن على ذوي الدخول العالية، ولن ترتبط بتقديم إقرار لأنه لو طلبت من أي شخص تقديم إقرار ضريبي سيقدم إقرارات كثيرة لكل دخله تحتاج إلى وقت لدراستها، لذلك ستفرض فقط على الدخول العالية، وما زالت شريحة الدخل التي ستفرض عليها الضريبة خاضعة للدراسة.
■ ما الإيرادات المحتملة للخزانة العامة للدولة من فرض هذه الضريبة الجديدة؟
- لم يتم تحديد ذلك بعد، ولكن الأهم أن تطبيقها سيؤدب إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، فسيدفعها الأشخاص أصحاب الدخول المرتفعة، مما يحقق شعوراً لدى المواطن بتحقيق العدالة.
■ هناك اقتراح تقدم به أحد الاقتصاديين بفرض ضريبة على الثروة مرة واحدة فى العمر.. هل هناك تفكير في ذلك؟
- غير مطروحة للتطبيق في مصر، وإن كان بعض دول العالم طبقت هذه الضريبة في فترة من الفترات، ويتم فرضها بنسبة لا تزيد على نصف أو 1% فقط، كما أنها تفرض في حالات استثنائية، مثل حالات الحرب، ولكنني أفضل دفع الضريبة العامة على الإيرادات بدلاً من هذه الضريبة، ولن تفرض مثلاً على الشخص الذى يبلغ دخله ألف جنيه.
■ لكن ألا ترى أن مصر في مرحلة استثنائية تحتاج إلى تطبيق ضريبة مثل الثروة؟
- نعم، نحن في مرحلة استثنائية، ولكن من الممكن أن تحدث كل عدة سنوات، كما أنه ينبغى أن يشعر الناس بأن الثروات محمية، ولكن إذا كان دخلك كبيراً تدفع ضريبة، وإذا فرضنا الضريبة العامة على الدخل على شرائح الدخل المرتفعة ستكون أفضل.
■ وماذا عن ضريبة المبيعات.. هل ستقوم الحكومة بإعادة النظر فيها مرة أخرى؟
- الاتجاه بأن نحوّلها لضريبة القيمة المضافة، ونحن نقوم بدراسة ذلك في الوقت الحالي، والفرق أن ضريبة القيمة المضافة أكثر عدالة وأكثر انضباطاً من ضرائب المبيعات التي بها قدر من عدم العدالة، ومن الممكن أن تؤدي إلى خفض الضرائب على السلع.
■ هل الحكومة تفكر في إعطاء دعم نقدي للفقراء ومعدومي الدخل خلال الفترة المقبلة؟
- لدينا فكرة أن نقدم دعماً نقدياً، وسنقوم بدراسة ميدانية على عينة محددة لمعرفة مدى نجاح تطبيقه، وهو يختلف عن إعانة البطالة، وسيوجه للأشخاص غير القادرين على الحياة، ولكن صعوبة هذا الأمر أنه يؤدي إلى زيادة أعباء الدولة في ظل وجود عجز في الموازنة يتزايد، وسنقوم بتجربته على عينة محددة في مكان محدد، وسبق أن تم تطبيقه في بعض الدول مثل البرازيل، واتخذنا قراراً ببدء تطبيق التجربة لتحديد معرفة التكلفة ومدى الاستفادة.
■ هناك من يتهم الحكومة بأن فكرة العدالة الاجتماعية غائبة عنها، فما تعليقك؟
- هذا الكلام غير صحيح، ولكن لن نقوم بشيء غير قادرين على تنفيذه، فمثلاً الحد الأدنى للأجور موجود ومنفذ منذ حكومة الدكتور عصام شرف، وبالنسبة للقطاع الخاص لدينا اقتراحات ستعرض على المجلس الأعلى للأجور كي يتوافق عليها لتطبيق الحد الأدنى للأجور به، وعندما تحدثنا عن التأمينات الاجتماعية وجدنا أن معظم الشركات الكبيرة تطبقها، ولكن البعض لا يعطي عائداً للموظف، وإذا وضعنا حداً أدنى للأجور أكبر مما يستطيع أن يدفعه صاحب العمل تكون النتيجة تكرار تجربة التسعيرة الجبرية التي تخلق سعراً رسمياً وسعراً في السوق السوداء، ونحن نخشى إذا وضعنا 1200 جنيه حداً أدنى للأجور أن يتم التحايل عليه، ونحن نعرف مثلاً أن البعض يجبر الموظف عند العمل على الاستقالة حتى يصبح تحت رحمة صاحب العمل بشكل دائم، فالقطاع الخاص يحتاج إلى وضع حد أدنى لا يؤدي إلى زيادة البطالة أو التهرب من تطبيقه، ونقوم بعرض المقترحات على المجلس الأعلى للأجور، وعلينا أن نعرف أن متوسط الدخل في الشهر للفرد في مصر 1400 جنيه وهو أعلى من الحد الأدنى.
■ البعض يقول إنه بعد الثورات من المفترض أن يكون هناك نوع من إعادة توزيع ثروة الدولة، مثل إعادة توزيع الأراضي على صغار الفلاحين والشباب.
- مسألة إعادة توزيع الأراضي كان فيها فساد، وتم التصدي له، ولا معنى لرفع الدخول دون زيادة في الإنتاج والاستثمار، فلو ارتفعت رواتب كل الناس بنسبة 20% وبدون زيادة فى الإنتاج ستزيد السلع بنفس النسبة، وربما أكثر ونعود إلى المربع السابق، إذن رفع الأجور مع زيادة الأسعار يعود إلى تجربة مريرة مرت بها دول أمريكا اللاتينية، فحينما ربطت الأجور بالأسعار حدث تضخم 200% في السنة، بسبب أن القانون كان يجبر الحكومة على رفع الأجور إذا زادت الأسعار، فلابد عند تطبيق الحد الأدنى من مراعاة الإنتاج وعدم تسببه في إغلاق المصنع.
■ ما رؤية حكومتك الاقتصادية لتحقيق الانطلاق الاقتصادي، وما أداوتكم لتحقيق هذه الرؤية؟
- البعض يعتقد أن الحكومة ليس لديها رؤية اقتصادية، ولكن الرؤية الاقتصادية تحتاج إلى أدوات، ولابد أن تكون لدينا رؤية بعيدة الأمد، وبالنسبة لبلد مثل مصر لابد أن يكون لدينا معالجة لموضوع الزيادة السكانية، فمصر يتضاعف فيها عدد السكان كل 30 سنة، فعقب ثورة 1952 كان عدد السكان 20 مليون نسمة وبعدها بـ 30 سنة في عهد حسني مبارك تضاعف عدد السكان إلى 42 مليون نسمة وبعدها بـ 30 سنة وصلنا إلى 84 مليون نسمة، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، ولذلك إذا لم نفعل شيئاً لمدة 30 سنة قادمة فنحن نخلق مشكلة لأجيال عديدة قادمة.
■ وما باقي بنود رؤيتكم الاقتصادية؟
- البند الثاني في رؤيتنا الاقتصادية أن الدخول منخفضة بسبب انخفاض الإنتاجية لعدم حدوث تغير تكنولوجي يمكّننا من التطور إلى الأفضل، ومجال التكنولوجيا الأساسي الصناعة، والأمر الثالث: إذا أردنا دولة صناعية لابد أن يكون لدينا رؤية للتعليم، والأمر الأخير لابد من الانفتاح على العالم، ومصر يجب أن تظل جزءاً من العالم، فهذه عناصر الرؤية الاقتصادية.
■ ما أدواتك لتحقيق رؤيتك الاقتصادية؟
- نحن لا نخترع العجلة، فهناك تجارب تاريخية، فلابد من أن نتعلم ممن دخلوا في الموجة الثانية من التطور فى القرن العشرين، مثل اليابان، والاتحاد السوفيتي ودول جنوب شرق آسيا والصين وربما الهند والبرازيل، هؤلاء كانوا متخلفين ونجحوا، وكلهم اجتمعوا في عناصر وجود دولة قوية تفرض القانون، فالعسكر قاموا بثورة في اليابان وأقاموا دولة قوية، كما اشتركوا في اتجاههم إلى التصنيع، وجميعهم انفتحوا على العالم وأخذوا باقتصاد السوق، ما عدا الاتحاد السوفيتي وأقلهم إنجازاً كان الاتحاد السوفيتي، أما عن الأدوات التي نمتلكها كحومة لتحقيق رؤيتنا الاقتصادية فهي نفسها الأدوات التي سلكتها الدول التي سبقتنا تاريخياً من وجود دولة قوية وتوجه للعدالة الاجتماعية، وعدالة التوزيع تولد شعوراً بالإنصاف وتحقيق شبكة أمان اجتماعي للطبقات المهمشة، ولابد أن تنمو مصر في إطار عربي، فمستقبل البشرية كله قد يتغير في المنطقة العربية.
■ هناك أفكار تتحدث عن أهمية التنمية لإحداث نقلة في المجتمع.
- نعم الاستثمار مهم لزيادة الطاقة الإنتاجية، لذلك فإن حاجتنا للانفتاح على الخارج لزيادة الاستثمار، فنحن نستهلك 85% من دخلنا والادخار حوالي 16% والبلاد التي تقدمت استطاعت أن تحقق معدل استثمار سنوياً يصل إلى 30% وأحياناً أكثر ولمدة 3 عقود، لذلك فإن مصر إذا أرادت أن تلحق هذه الدول لابد أن تكون قادرة على الاستثمار بـ30% من خلال مناخ مناسب للاستثمار ودون ذلك سندخل في مشاكل كبيرة، والاستثمار يرتبط بالاستقرار والأمن، وبالرغم من كل المشاكل في مصر إلا أن هناك مؤشرات تدعو للتفاؤل، مثل تحسن سعر الصرف وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي، وقيام الدول العربية بضخ استثمارات في الاقتصاد.
■ ما هي رؤية الحكومة لتطوير قطاع البترول بعد أن زادت الأزمات المتعلقة بالسلع البترولية في الفترات الماضية؟
- إنتاجنا المحلي لا يكفي، وهو ما يضطرنا لاستيراد المواد البترولية من الخارج، ونحن مدينون للشركات الأجنبية بحوالى 6 مليارات دولار؛ ما دفع الشركات للتوقف عن الاستثمار، ونحن بصدد الوصول إلى اتفاق معهم لجدولة المديونية، والوصول إلى تسوية تؤدى إلى زيادة الاستثمارات من قبل الشركات الأجنبية خلال العامين المقبلين إلى 15 مليار دولار، وسيزيد إنتاجنا من الغاز بشكل كبير بعد هذه الاستثمارات، كما أننا سنقوم بدراسة كاملة لإعادة هيكلة قطاع الطاقة فى مصر بدعم من الدول العربية، ويشمل المعامل وتقييم القطاع والفرص الواعدة، ونحتاج إلى تطوير المستودعات والبنية الأساسية لقطاع البترول.
■ ماذا عن تعيين محافظين جديدين لكل من البحر الأحمر والمنوفية وهل التقيت مرشحين للمحافظتين؟
- نعم التقيت عدداً من المرشحين ولكننى لم أستقر حتى الآن على الأسماء، وسيتم الإعلان عنها إما نهاية الأسبوع أو بداية الأسبوع المقبل.
■ ما أهم الخطوات التى ستقوم بها الحكومة خلال الأسابيع المقبلة؟
- سنقوم بتوصيل الغاز الطبيعى لحوالى 800 ألف منزل، كما سنقوم بعلاج مشكلة العشوائيات والقرى الأكثر فقراً بالتعاون مع الدول العربية.
■ البعض يرى أن قضية الأمن المائى غائبة عن الحكومة، وخاصة فيما يتعلق بسد النهضة الإثيوبى، كيف تتابع هذا الملف؟
- لابد من معالجة هذا الملف بأكبر قدر من سعة الأفق وتحقيق التوافق والعمل على تحقيق مصالح كل الدول، خاصة أن إثيوبيا ليس لديها مشكلة مائية ولكن لديها مشكلة فى الكهرباء، والمواجهة تجعل الأطراف أكثر تشدداً، والأكيد أن هذا الامر لابد من علاجه بالحكمة، ولا يوجد جديد عاجل وما زلنا فى مرحلة التفاوض من خلال اللجنة الثلاثية.
■ ماذا عن التشريعات الجديدة التى تعدها الحكومة؟
- هناك مشروع قانون لتنظيم التظاهر يجرى الإعداد له من قبل وزارة العدل وسيعرض على مجلس الوزراء بعد انتهاء دراسته.
■ هل ترى أن الوضع الأمنى الحالى يسمح بإجراء الانتخابات البرلمانية؟
- أرى أن العاقل لابد أن يكون لديه رؤية لما يعتقد أنه الأفضل، لكن لو تشاءمنا سنتعطل ولن نحقق خارطة الطريق، ونحن مستمرون وفقاً للجدول الزمنى المعلن بوضع الدستور من قبل لجنة الخمسين، ونحن نراهن على النجاح.
■ كيف ترى شخصية رئيس الجمهورية القادم؟
- لكى ينجح لابد أن يتمتع بثقة الناس، لأنه مهما بلغت قدراته لن ينجح، إذا لم يلتف حوله المواطنون.