تملك أحمد محمود الشافعى، أرضا فى عهد جمال عبد الناصر، كان يعمل عليها أجيرا، ومن قبلها عائلته، 78 عاما عاشها الشافعى على أرض تحكى تقلبات السياسة ونظم الحكم، فى مصر، وتقلب مصائره معه.
فقبل ثورة يوليو 1952، «كان يعمل مع أهله كأجير لدى الخاصة الملكية، فى الأرض التى كانت تعرف حينها بالقومبانية الإنجليزية»، والتى كانت موقوفة لصالح ورثة الخديو إسماعيل، ثم أوقفت لصالح أعمال البر العام.
هيئة الأوقاف تستند فى أحقيتها بالأرض بسند يعود إلى عام 1931.
«كنا اللى نشتغلو بيه ناكلو بيه»، لكن بعد ثورة يوليو، يقول الشافعى «تم توزيع الأرض على الفلاحين بموجب القانون 152 لسنة 1957، والقانون 44 لسنة 1964، فتملك فدانا ونصف من بين 1162 فدانا، هى مساحة أرض ريف المنتزه، المعروف عنها إنتاجها لأفضل أنواع الجوافة فى مصر.
تحسن الحال قليلا، يتابع الشافعى،«عدد كبير من أهالى الريف المعدمين (600 أسرة)، استطاع أن يعلم أولاده، على الأقل».
لم يحصل على مستندات ملكية للأرض، لأن هيئة الإصلاح الزراعى اكتفت وقتها بمستندات حيازة للأرض حتى يتم سداد أقساطها، كإيجار تمليكى، وفقا للمستندات التى قدمها محامى الأهالى محمود حمدى، وإيصالات سداد الأقساط، ويملك بعضهم عقود أقساط تمليك على 20 عاما مبرمة مع هيئة الإصلاح الزراعى.
كان الشافعى يحصل على التقاوى والأسمدة وعلف المواشى مجانا من الجمعيات الزراعية مقابل سداد ما يسمى ضريبة الأرز، أو دفع ثمنها بزراعة كمية محددة سلفا من الأرز.
لم يكن أنور السادات يعلم فى عام 1971 أنه بإعادة أراضى الإصلاح الزراعى لهيئة الأوقاف التى أنشئت بالقانون رقم 80 للعام نفسه أن ذلك القانون، سيستخدم لطرد الفلاحين، فوفقا للقانون رقم 42 لسنة 1973 تواصل الأوقاف إدارة تأجير الأرض للفلاحين بدلا من الإصلاح الزراعى، يقول الشافعى: وقتها، كان من الأفضل لنا التعامل مع هيئة الأوقاف، فقد كان الإيجار نصف قيمة ما نسدده للإصلاح الزراعى، كما كنا نعتبر الأمر سدادا لما علينا للحكومة، سواء كانت الأوقاف أو الإصلاح الزراعى أو المحافظة.
استمر الحال على هذا الوضع، وارتفعت قيمة الإيجار من عام إلى عام وفقا للضريبة المربوطة على الأرض، فى بداية حكم محمد حسنى مبارك، أعاد الأرض مرة أخرى لإدارة الإصلاح الزراعى بالقانون، رقم 3 لسنة 1986، والتى تعتبر توزيع الأراضى على الفلاحين نهائية، لكن الأرض لم تتسلمها الهيئة واستمرت فى إدارة الأوقاف، القانون الذى يدفع به حمدى الكبير محامى الأهالى فى أحقيتهم بالأرض لم يفعل فى تلك المنطقة، رغم «تفعيله فى مناطق أخرى، لأن منطقة ريف المنتزه، والتى تسمى بأرض الجوافة نظرا لشهرتها فى زراعتها، توجد فى منطقة عمرانية متميزة، فهى لا تبتعد كثيرا عن قصر المنتزه وشاطئ المعمورة». يذكر المحامى، أن الأهالى قاموا برفع لافتة ممنوع دخول الإخوان، عندما شعروا بأنهم على وشك الاتفاق مع هيئة الأوقاف، وتسجيل الأراضى لصالحها، فضلا عن استغلال القضية لزيادة شعبيتهم، بينما هم يعملون على نزع الأراضى منا، وكانوا يأتون للتصوير فقط.
منذ 2004 بدأت الأرض تلفت الأنظار فمتر الأرض يصل ثمنه فى حال دخوله حيز المبانى 10 آلاف جنيه، أى أن الشافعى و600 أسرة أخرى يجلس على أرض يسوى الفدان بها ما يتخطى الأربعين مليون جنيه، ورغم ذلك لا يعرف عدد كبير من الفلاحين قيمتها الفعلية، يقول الشافعى: «أعتقد أنها تساوى ما بين نصف مليون أو مليون جنيه على الأكثر، لكنى لا أرغب فى بيعها، لو بعتها هاكل هصرفلى القرشين وآكل منين»
أحد أعضاء الحزب الوطنى المنحل فى الإسكندرية «أ.خ» يحصل على 25 فدانا، تطل على أرض الشافعى، استولى عليها أثناء عضويته فى مجلس الشعب، كانت الأرض قد تعرضت قبلها لتبوير نتيجة عدم وصول المياه، لكن نظرا لنفوذ رجل الأعمال استفاد الشافعى من وصول المياه النظيفة إلى أرض نائب الحزب الوطنى، لتستعيد أرضه بعضا من عافيتها، يقول محامى الأهالى: «إن النائب السابق، أدخل نفسه فى بعض الدعاوى المقدمة ضد هيئة الأوقاف مدعيا أنه من صغار المزارعين».
«هيئة الأوقاف ما بطلتش تعملى قضايا تبديد كل سنة»، يقول الشافعى. ولم تتوقف المحكمة عن إصدار أحكام بالبراءة فى القضايا التى اتهم فيها المزارعون بالتبديد.
ممدوح مبروك، يكمل ما حدث: فى 2008 فوجئنا بوزارة الأوقاف تمضى بروتوكولا مع محافظة الإسكندرية فى عهد اللواء عادل لبيب، يقضى بأن تأخد المحافظة مائة فدان، قامت ببيعها إلى هيئات «سيادية»، على حد تعبيره، ضمت أمن الدولة، وشرطة كفر الشيخ، ومثلها لشرطة الإسكندرية، والقضاء العسكرى، ومستشارى محكمة النقض، ووزارة العدل، وباستثناء مستشارى محكمة النقض وقضاة وزارة العدل، قامت الجمعيات المذكورة بطرد الفلاحين، بوسائل غير مشروعة، لكن القضاة والمستشارين، فضلوا أن ينتظروا رأى القضاء، وبدأت مطاردات أمن الدولة والتضييق على الفلاحين، بردم مصارف المياه والصرف الصحى، وتبوير الأرض وتحويل ريف المنتزه تدريجيا إلى قرية عشوائية.
يكمل مبروك: أصبحنا نروى الأرض من أبيار المجارى، بل ونشرب منها أيضا. يتهم مبروك الهيئات المستفيدة من بيع الأراضى، بتبوير الأراضى، ومنع تطهير مصارف المياه، من أجل جلب المستثمرين.
وعقب التهديد،يواصل، اضطر بعض الأهالى للتنازل عنها مقابل مائة ألف جنيه للفدان، رغم أن ثمنه يصل إلى 40 مليون جنيه.
كان المحافظ السابق أسامة الفولى، الذى جاء بعد عادل لبيب، قد أصدر قرارا بمنع التعامل على الأرض، ووقف تنفيذ قرارات الإزالة لبيوت الفلاحين، لكن الصحف، اتهمته فى اليوم التالى، بإهدار 50 مليار جنيه على الدولة.
ورغم أن تقرير إدارة الحيازة التابع لهيئة الإصلاح الزراعى قد أصدر تقريرا سلمه لمجلس الشورى المنحل، يثبت أحقية الأهالى فى الأرض، إلا أن كأن شيئا لم يكن، ومازال الأهالى مهددين بالطرد.