اذا كانت المرأة نصف المجتمع فهي ثلاثة أرباع السينما، وبالتالي ليس غريبًا أن يكون لها أكثر من مهرجان نوعي حول العالم يهتم ويركز على «فيلم المرأة» في مفهومه الأشمل والأوسع.
ويعتبر «المهرجان الدولي لفيلم المرأة»، بـ«سلا»، والذي تنظمه «جمعية أبي رقراق»، المغربية، أحد أهم المهرجانات النوعية العربية فيما يخص فيلم المرأة أو سينما المرأة، رغم اختلاف البعض على المصطلح.
وبعيدًا عن متاهات المصطلحات النقدية تأتي التظاهرات السينمائية النوعية لتؤكد على أن النساء بلا شك لديهن عناصر مختلفة في توجهاتهن ورؤاهن التي تطرح عبر هذا الوسيط البصري المميز، بالإضافة إلى أن المصطلح يشمل أيضًا الأفلام التي يصنعها الرجال عن المرأة كشخصية محورية، ومن هنا يتحرر المصطلح من أسر الاتهام بالنسوية، وتتحرر التظاهرات من أسر الانحياز النسوي أو الـ«فيمينيزم».
تشهد مدينة «سلا» التي تطل على ضفتي النهر المغربي الشهير «أبي رقراق»، أو «النيل الصغير»، كما يحلو للبعض تسميته، فعاليات الدورة السابعة من «المهرجان الدولي لفيلم المرأة»، وذلك في الفترة من 23 وحتى 28 سبتمبر الجاري، وتشارك مصر هذا العام وكعادتها في التعاطي مع تلك التظاهرة المميزة، من خلال مشاركة واضحة المعالم والتأثير.
ويكرم المهرجان هذا العام الفنانة آثار الحكيم، أحد اشهر نجمات جيل الوسط في السينما المصرية، عن مجمل أعمالها الفنية خلال 30 عامًا الماضية، بعد أن سبق وكرم المهرجان نفسه الفنانة تيسير فهمي العام الماضي، المنتمية إلى نفس جيل آثار الحكيم، واللتين قدما أشهر أفلام جيل الواقعية الجديدة في السينما المصرية، واستطاعتا أن تجتازا مرحلة أفلام المقاولات التي كادت أن تقضي على الصناعة بالكامل في مصر خلال الثمانينيات، كما يكرم المهرجان هذا العام أيضًا المخرجة والمنتجة المغربية فريدة بورقية.
وكان المهرجان سبق أن كرم خلال فعاليات الدورة الخامسة قبل عامين الفنانة سوسن بدر عن مجمل أعمالها أيضًا.
إلى جانب آثار الحكيم تنضم الممثلة الشابة داليا البحيري إلى لجنة تحكيم المهرجان هذا العام، بجانب الفنانة المغربية سناء عكرود التي عرفها الجمهور المصري من خلال دورها في فيلم «إحكي يا شهرزاد» للمخرج يسري نصر الله، والممثلة الفرنسية «أنا موكالاليس»، والألمانية «أنيت كولب»، والمخرجة البوركينية «أبولين طراوري»، والناقدة البولونية «مارزينا موسكال».
وبما أن السينما التشيلية هي السينما الضيف هذا العام على الدورة السابعة، أعلنت إدارة المهرجان أن لجنة التحكيم سترأسها المخرجة التشيلية الشهيرة «فاليريا سارامنتو».
وكانت الفنانة عبير صبري شاركت خلال فعاليات الدورة السادسة كعضو لجنة التحكيم العام الماضي، ومن قبلها شاركت المخرجة المصرية إيناس الدغيدي في لجنة تحكيم الدورة الأولى عام 2006.
وتتمثل المشاركة المصرية على مستوى المسابقة الدولية للمهرجان من خلال مشاركة المخرجة ماجي مرجان «عشم» بأول أفلامها «عشم» والذي حاز مؤخرًا على جائزة «أحسن فيلم» في الدورة الثالثة لمهرجان «مالمو للفيلم العربي».
وسبق أن حازت مصر على أكثر من جائزة خلال دورات مهرجان «سلا» الست الماضية، منها جائزة «أحسن ممثل» للفنان فتحي عبدالوهاب عن دوره في فيلم «خلطة فوزية»، إخراج مجدي أحمد علي، وذلك ضمن فعاليات الدورة الثالثة عام 2009، وجائزة «لجنة التحكيم الخاصة» لفيلم «أسماء»، للمخرج عمرو سلامة، وذلك العام الماضي ضمن فعاليات الدورة السادسة.
ويتنافس «عشم» مع 11 فيلمًا من قارات العالم الخمس، حيث تشارك خلال فعاليات الدورة السابعة هذا العام ولأول فيلم أسترالي بعنوان «فتى الستالايت» للمخرجة كاتريونا ماكنزي، إلى جانب فيلم من هونغ كونج، هو «منعرجات»، لـ«فلورا لاو»، أما المشاركة العربية فتتمثل في الفيلم السعودي الرائع «وجدة»، للمخرجة هيفاء المنصور، والحائز على جائزة «المهر العربي» لمهرجان «دبي السينمائي»، في دورته التاسعة، والفيلم المغربي «زينب زهرة أغمات»، وهو أحدث إنتاجات المخرجة فريدة بورقية، المكرمة خلال الدورة السابعة، والذي تم الإعلان عنه أيضا كفيلم الافتتاح في عرضه العالمي الأول.
وينضم لتلك المجموعة أفلام «صيف الأسماك الطائرة»، للمخرجة الشابة مارسيلا سعيد، والتي تعتبر أبرز وجوه السينما التشيلية الجديدة، أو سينما الانتقال الديمقراطي، والتي يحتفي بها المهرجان هذا العام.
ومن السويد يأتي فيلم «كل نم مت»، للمخرجة جابريلا بيشلر، ومن كندا «سارة تفضل الأسماك»، لكلوي روبيشو، و«ليلي فوري»، لبيا ماريه، وهو من أفلام الإنتاج المشترك بين هولندا، وألمانيا، وفرنسا، وجنوب أفريقيا، و«معركة سولفيرينو»، للمخرجة الفرنسية جوستين تراي، ومن بريطانيا «الأناني الكبير»، لكليو بارنار، وأخيرًا «يوميات شباب من جورجيا» لنانا مشفيلي وسيمون كروس.
الملاحظة الأساسية على أفلام المسابقة بالدور السابعة أن كلها بلا استثناء من إخراج مخرجات، وهي سابقة أولى من نوعها في تاريخ المهرجان القصير نسبيًا، وتمثل ذروة ناجحة في برمجة الأفلام الخاصة بالمسابقة، حيث إن العثور على 12 فيلمًا تنتمي حرفيا «لفيلم المرأة» تعتبر مهمة عسيرة، خاصة إذا كانت تتطلب أفلامًا حديثة الإنتاج، وهذا العام استطاعت إدارة المهرجان توفير 4 أفلام من إنتاج عام 2012، في مقابل 8 أفلام إنتاج 2013، وهو ما يعني أن المهرجان رغم كونه تظاهرة نوعية إلا أنه استطاع تحقيق أحد أهدافه الأساسية، وهي أن يكون نافذة عرض حقيقية ومميزة لأفلام المرأة بدليل أنه استطاع استقطاب هذا الكم الجيد من الأفلام التي صنعتها النساء في قارات العالم الخمس.
وكعادة المهرجانات المغربية التي لا تفوت أي فرصة لعرض إنتاجات السينما المغربية دوليًا على جمهور وضيوف المهرجان السينمائيين والنقاد والصحفيين، قامت إدارة مهرجان «سلا» ببرمجة 6 أفلام مغربية حديثة الإنتاج تمثل نافذة على الفيلم الطويل المغربي وهي «فجر 19 فبراير»، لأنور المعتصم، و«نساء بلا هوية» لمحمد العبودي، و«لفردي» لرؤوف الصباحي، و«خارج التغطية»، لنور الدين دوكنه، و«اغرابو» لأحمد بايدو.
أما أحدث برامج المهرجان في دورته السابعة فسيكون برنامج «حوارات السينمائيين»، وهو عبارة عن حوار مفتوح حول نظرة المرأة والرجل للسينما من خلال نقاش بين المخرجة التونسية نادية الفاني، والمخرج المغربي فوزي بن سعيدي، تحت عنوان «نظرات متقاطعة لرجل وامرأة حول الانتماء الجنسي في السينما»، وهوعنوان شيق من المنتظر أن يفتح باب الجدل حول مسألة التنصيف الجنسي في السينما، لأن الفيلم في النهاية يجب أن يكون فنًا خالصًا بذاته وإبداعه بعيدًا عن جنس صانعه، ولكن إلى أي مدى يمكن أن يتخلص الفيلم من انحيازه لجنس صانعه، هذا ما سيكشف عنه النقاش خلال البرنامج الجديد والذي سيشهد أيضًا عرض مقتطفات من أفلام كل المخرجين، والتي تدل على وجهة نظر كل منهم في الجنس الآخر عبر الوسيط الفيلمي.
تبقى الإشارة إلى أن من بين تكريمات الراحلين ستقوم إدارة المهرجان بتكريم اسم الصحفي المصري الراحل «أشرف بيومي»، والذي توفي أثناء مشاركته في فعاليات الدورة الأخيرة لمهرجان «الفيلم اللاتيني» بمرتيل المغربية قبل 3 أشهر وتم دفنه هناك حسب وصيته، حيث كان بيومي أحد المساهمين الأساسيين في برمجة وتنظيم دورات مهرجان «سلا» منذ انطلاقه عام 2006 وكان يمثل كل عام عماد المشاركة المصرية السنوية خلال فعاليات المهرجان.